IMLebanon

مستشفى بعلبك الحكومي: “نشّ” وخلل هندسي وأزمات مزمنة

كتبت هديل فرفور في “الاخبار”:

يشكو عدد من موظفي مُستشفى بعلبك الحكومي من تأخير في رواتبهم قارب الشهرين. إلّا أن أزمة الرواتب هي «أصغر» مشاكل المُستشفى الذي تنتظر إدارته منذ سبع سنوات تنفيذ خطة تأهيله وترميمه

لم يقبض جميع موظفي وأجراء مستشفى بعلبك الحكومي رواتبهم عن شهر آب الفائت. قبل ثلاثة أيام، حُوّل جزء من الأموال المُستحقة على وزارة الصحة الى إدارة المستشفى التي دفعت رواتب موظفي الفئتين الثالثة والرابعة فقط، فيما لا تزال تنتظر وصول ثلاث حوالات مالية «مُجمّدة» منذ نحو سنة، بدل تكاليف طبية للمرضى الذين يعالجون على نفقة الوزارة، فضلا عن ملياري ليرة مُستحقة لها منذ نحو 12 عاماً من ملفات المصالحات (التكاليف الإستشفائية والطبية المترتبة للمُستشفى بعد انتهاء سقفها المالي لقاء خدمات تُقدّمها لمرضى الوزارة، خصوصاً أولئك الذين يحوزون على كتاب من وزير الصحة. والمرة الأخيرة التي دفعت الوزارة أموال ملفات المصالحات كانت عام 2006).

صحيح أنّ أزمة الرواتب التي يعاني منها الموظفون أمر «معهود» في بقية المُستشفيات الحكومية التي تعاني من تأخير دوري في صرف وزارة الصحة للمستحقات المالية وتحويلها إلى وزارة المال، إلّا أنّ مُستشفى بعلبك يُعاني من أزمات «مزمنة» أكثر خطورة.

خلل في هندسة المبنى!

عام 2006، تأسّس أول مجلس إدارة للمُستشفى. وبحسب مصادر إدارية فإنّ المجلس بادر مذذاك بمراسلة وزارة الصحة بسبب «اكتشافه المُبكر» لخلل منهجي في كيفية توزيع الأقسام داخل المستشفى. إذ تتوزّع الأقسام الرئيسية فيه على الشكل التالي: قسما الأشعة والطوارئ في الطابق الأرضي، قسم العمليات في الطابق الثالث، قسم المختبر في الطابق الثاني. أمّا قسم التعقيم، فيقع في مبنى منفصل تحت الأرض، فيما يقع المطبخ مقابل برّاد الموتى!

وتوضح المصادر أن ما يُسمّى «دائرة المريض» (cycle) تستلزم ترتيباً معيناً في توزيع الأقسام (طوارئ ــــ أشعة ــــ مختبر ــــ تعقيم ـــــ عمليات). فيما توزيع الأقسام بشكله الحالي يضرب هذه الدورة ويؤثر على المريض، «وأحيانا يضطر العاملون المُحمّلون بأغراض وثياب بحاجة للتعقيم إلى الاحتكاك بزوّار أو بمرضى آخرين في طريقهم من قسم التعقيم واليه»!

عام 2011، كلّف مجلس الإنماء والإعمار شركة «اتيك» الكشف على المُستشفى وإعداد تقرير حول مكامن الخلل فيه، وتحديد الحاجات الضرورية لتأهيله. وخلصت الشركة آنذاك إلى أن المُستشفى يعاني من مشاكل «نشّ» كبيرة، وأن هناك خطأ بنيوياً في توزيع الأقسام وفي هندسة المبنى، إضافة الى جملة من الإصلاحات التقنية اللازمة. وأوصت بضرورة القيام بهذه الإصلاحات، وقدّرت كلفتها بنحو خمسة ملايين و300 ألف دولار. يقول مسؤولون في المُستشفى لـ «الأخبار» إن الإدارة «لا تزال تنتظر التنفيذ منذ سبع سنوات، ولم يتجاوب وزراء الصحة المتعاقبون مع الكتب الكثيرة التي أرسلتها لهم، فيما الوضع يزداد سوءاً».

خفض السقف المالي

تؤكد مصادر في الإدارة ان بين عشرة و15 مريضاً يرفض المستشفى استقبالهم يوميا، لعدم وجود أسرة كافية. فرغم أنه يضمّ 115 سريرا، إلّا أن عدد الأسرّة «المشّغلة» والمتاحة لا يتجاوز 42 فقط، ما يعني أن أكثر من 60% من الأسرّة «مُعطّلة». أمّا السبب، فهو «السقف المالي المُنخفض»، على حدّ تعبير المصادر، مُشيرةً الى أن من غير الجائز التعامل مع المُستشفيات الحكومية كالمستشفيات الخاصة لجهة تحديد سقف مالي لها (الحد الأقصى لتغطية تكاليف عدد معين من المرضى الذين يُعالجون على نفقة وزارة الصحة). أما الأكثر سوءاً من ذلك، فهو أنّ هذا السقف تعرّض لـ «التقليص» مرات عدة، وعمدت الوزارة أخيرا الى حسم نحو 450 مليون ليرة منه. وتُفيد الجداول المخصصة للسقوف المالية للمُستشفيات الحكومية الى أن السقف المالي لمُستشفى بعلبك الحكومي كان يبلغ عام 2016 نحو 4 مليارات و500 مليون ليرة، فيما يبلغ لعام 2018 نحو 3 مليارات و500 مليون ليرة.

يُقرّ المعنيون في المُستشفى بأنّ الإهمال اللاحق به شأنه شأن الاهمال «العام» اللاحق بالمُستشفيات الحكومية في مختلف المناطق (يوجد نحو 29 مستشفى حكومياً آخر)، لكنّهم يؤمنون بأن الأزمة لديهم «أعمق»، ويضعونها في سياق «الغبن اللاحق بمنطقتنا بشكل عام ومن ضمنه القطاع الصحي».

قلّة ثقة بـ «المُستوى»

إلى ذلك، ثمة شبه إجماع على غياب ثقة سكان المنطقة بالمستوى الطبي للمُستشفى. وفي وقت تتذرّع الإدارة بغياب التجهيزات اللازمة وغيرها من اللوجستيات المطلوبة، هناك من يرى أن الإدارة غير بريئة من ضعف المستوى الذي وصل اليه المُستشفى لجهة كيفية تسيير هذا المرفق وآلية التعامل مع الأزمات فيه. ويدعو هؤلاء الى وجوب مُساءلة الإدارة، وهو نقاش يُعيد طرح مسألة الرقابة الغائبة منذ زمن على المُستشفيات الحكومية. وهذا الغياب واحد من أهمّ الأسباب التي ساهمت في تدمير سمعة هذه المستشفيات وتردي مستوياتها وتراجع الثقة بأدائها.

سلسلة الرتب والرواتب: عبء المُستشفيات الجديد؟

لم تُحسم قضية سلسلة الرتب والرواتب الخاصة بموظفي وأجراء المُستشفيات الحكومية بعد. ورغم التحركات المستمرة للموظفين منذ نحو سنة، إلا أن بعض إدارات المُستشفيات الحكومية ترفض إعداد الجداول الخاصة بموظفيها لتطبيق سلسلة الرتب والرواتب، بحجة أن هذه الزيادات ستُشكّل عبئاً على الإدارات التي تعاني أساسا من العجز فيها نتيجة اهترائها وغياب الرقابة عنها والفساد المُستشري في غالبيتها.

وفي هذا السياق، اجتمع وفد من الهيئة التأسيسية لعاملي المستشفيات الحكومية في لبنان، أول من أمس، بوزير الصحة غسان حاصباني للبحث في عدم تطبيق ادارات المستشفيات الحكومية لسلسلة الرتب والرواتب، اضافة الى مشكلة الرواتب في بعض المستشفيات والوضع المادي الرديء لأكثريتها. وبحسب البيان الصادر عن الهيئة، من المُقرّر أن يُعقد اجتماع الاسبوع المقبل لمدراء المستشفيات الحكومية للايعاز لهم بضرورة تطبيق السلسلة من دون تأخير، لافتا الى ان حاصباني وعد بالإسراع في دفع المستحقات المالية للمستشفيات الحكومية وأنه «سيتم التواصل مع رئيس الحكومة ووزير المال للاتفاق معهم على صرف 33 مليار ليرة دعما للسلسلة». كما وعد بإعادة تفعيل موضوع المصالحات للتعجيل بدفعها وتفعيل الرقابة على المستشفيات الحكومية لتصويب عملها.