IMLebanon

إلى متى ندفع “ثمن الاستقرار”؟ (بقلم رولا حداد)

منذ حوادث 7 أيار 2008 وحتى اليوم لا يجرؤ الفريق السيادي في لبنان على خوض أي مواجهة فعلية سياسية أو شعبية ديمقراطية على الأرض تحت شعار “الحفاظ على الاستقرار”.

فمنذ ذلك التاريخ نجح “حزب الله” في ترهيب اللبنانيين، وفي إقناعهم بأن الحفاظ على الاستقرار يعني عملياً الخضوع الكامل لمشيئة الحزب ورغباته العليا على أن يترك بعض الهامش للتباينات الداخلية الصغرى ليس أكثر. ومنذ أيار 2008 وحتى اليوم لم يضطر “حزب الله” إلى تذكير المعنيين بهذا الواقع إلا مرة يتيمة عُرفت بحركة “القمصان السود” في كانون الثاني 2011، والتي أدّت يومها إلى نقل الأكثرية النيابية لمصلحة تسمية الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة.

بعد أكثر من 10 سنوات على أيار 2008، يبدو أن مفعول الترهيب لا يزال قائماً، ولا أحد يجرؤ على خوض مواجهة فعلية. بعد 10 سنوات على أيار 2008 يبدو طبيعياً أن يمنع الحاج وفيق صفا انعقاد مؤتمر دير سيدة الجبل في فندق البريستول، كما يصبح عادياً ألا يجرؤ أي طرف داخلي على الاعتراض على مطلب “حزب الله” حكومياً بتولي وزارة الصحة، ولو كان ذلك سيؤدي إلى حرمان الوزارة من كل المساعدات الغربية. لا بل يبدو أن مفعول الترهيب بات مضاعفاً لدرجة أنه تمّ تحييد ملف سلاح “حزب الله” وممارساته من بيروت إلى صنعاء مروراً بدمشق وبغداد، ولم يعد أحد في لبنان يجرؤ أن يرشق الحزب بوردة!

لم يعد يلتفت أحد إلى أن “ثمن الاستقرار” الذي يمنّننا به البعض أو يدعونا إلى الحفاظ عليه بات أكبر وأخطر اقتصادياً ومالياً من ثمن “اللااستقرار” الذي يهددوننا به. فمنذ 10 سنوات إلى اليوم يتدحرج الاقتصاد اللبناني والمالية العامة نحو مستويات كارثية نتيجة العجز عن خوض مواجهة سياسية شاملة لأن “حزب الله” يمنح حرية الحركة لحلفائه في مقابل استمرار تأمين الغطاء والدعم له في كل ما يفعله.

إنها المعادلة الجهنمية إياها التي غرّد عنها الوزير الشهيد محمد شطح قبيل دقائق من استشهاده: “حزب الله” يريد كما الاحتلال السوري سابقاً أن يمسك بقرار الحرب والسلم وبالسياسة الخارجية للبنان في مقابل ترك حرية الحركة في الملفات الاقتصادية والمالية والاجتماعية. إنها المعادلة الوحيدة للحفاظ على الاستقرار المزعوم، وتتلخص بالرضوخ لمطالب الحزب. ويبدو أن الأطراف الداخلية رضخت تحت شعار أن سلاح “حزب الله” تحول قضية إقليمية ودولية ولم تعد مسؤولية لبنانية داخلية، وبالتالي فليتدبر الخارج أمر حلّ هذه المسألة، وتتناسى هذه الأطراف أن مفاعيل هذا السلاح ووطأته هي داخلية بالدرجة الأولى قبل أن تكون خارجية، وإن توسعت مفاعيله في الأعوام الأخيرة في اتجاه الإقليم.

لماذا هذا الكلام اليوم؟ لأنه ثمة اقتناع بدأ يتكون بأن الحكومة الجديدة لن تتشكل إلا عندما يريد لها “حزب الله” بأن تتشكل، وفي التوقيت الذي يحدده، وهذا هو السبب الوحيد الذي يمكن أن يفسّر لنا واقع وقوف الحزب على الحياد في الملف الحكومي، وتأكيد الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله بأنه لا يرى حكومة في المدى المنظور. لا يرى… وربما لا يريد أن يرى، النتيجة واحدة، لا حكومة، وبالتالي يصبح رفع السقوف مباحاً في إطار لعبة الاستعراض الداخلية إلى أن يقضي الله أمراً إقليمياً ما. في الانتظار سنبقى في لبنان ندفع “ثمن الاستقرار” المزيّف من استقرار اقتصادنا وماليتنا حتى ينهار البلد فلا يعود ينفع أي استقرار!