IMLebanon

مطار بيروت: واجهة دولة فاشلة

كتب مكرم رباح في صحيفة “العرب” اللندنية:

غالبا ما يكون مطار الدولة مقياسا دقيقا لقدرتها على الإدارة والحكم وقدرة فروعها المختلفة على العمل بشكل متناسق. فالمطارات تعتبر من وجهات الدول. ويتم تحديد الانطباعات الأولى للزائرين من قاعات الوصول. وقاعات المطار بيروت تعكس عدم قدرة المنشأة والحكومة التي تديرها.

كان مطار بيروت الدولي من أحد المشاريع الرائدة لرئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري. قاد الحريري مشاريع إعادة البناء والتوسع في المنشأة مباشرة بعد أن أصبح رئيسا للوزراء في عام 1992، مع استكمال المرحلة الأولى في عام 1998.

وخلّد التاريخ اسم الحريري من خلال إطلاق اسمه على مطار بيروت، الذي أعيدت تسميته إلى “مطار بيروت – رفيق الحريري الدولي” عقب اغتياله عام 2005.

ومع ذلك، لم يكن التاريخ منصفا للمطار الذي يحمل اسم الحريري. ظهر المطار في الآونة الأخيرة في عناوين الصحف عندما اتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حزب الله باستخدام المنطقة المحيطة بالمطار كمواقع لتحويل الصواريخ، وهو ادعاء دعمه بعرض لقطات استطلاع جوية لثلاثة مواقع.

وردّ وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، وهو حليف لحزب الله، بتنظيم رحلة ميدانية للسلك الدبلوماسي ووسائل الإعلام إلى المواقع واتهم نتنياهو بالتحريض على الحرب.

بغض النظر عن مزاعم نتنياهو، الحقيقة أنه منذ اغتيال الحريري، تدهورت البنية التحتية للبنان ومطارها. حتى أن انقطاع الخدمة أصبح أمرا شائعا، وأصبح التأخير المتكرر في مواعيد الرحلات أمرا عاديا، مما يجعل المطار كابوسا افتراضيا للآلاف الذين يُجبرون على اللجوء إليه.

خلال الأسابيع القليلة الماضية، انهار “نظام الصعود” في المطار، مما أدى إلى تعليق جميع الرحلات المغادرة وحبس المسافرين في المطار لساعات، ما أحدث فوضى عارمة تمت مشاركتها بسرعة في جميع أنحاء العالم من خلال وسائل التواصل الاجتماعي. كما أدى الخلاف الذي حدث بين الوكالتين الأمنيتين المكلفتين بحماية المطار في وقت لاحق إلى إغلاق نقاط التفتيش لساعات.

وبشكل نظري، تتم إدارة المطار من قبل خمس وكالات أمنية – الجمارك والأمن العام وأمن المطارات وقوى الأمن الداخلي والجيش. يتم تكليف كل منها بقطاعات معيّنة، مع تداخل بعض المهام في ما بينها. ومما يزيد الوضع تعقيدا حقيقة أن كل وكالة تعمل في خدمة الطوائف اللبنانية المختلفة، وبالتالي هناك قلق دائم من نشوب أي صراع بينها قد يتطور فجأة إلى صراع خطير وطائفي.

وتضمّن الحادث الأخير قوات الأمن الداخلي، المكلفة بفحص وتفتيش الركاب، وأمن المطارات، المكلف بالحفاظ على الأمن في جميع أنحاء المنشأة وما حولها. وكلا الهيئتين تحت سلطة وزير الداخلية نهاد مشنوق، لكن رئيس الأمن في المطار، وهو ضابط يوناني كاثوليكي في الجيش اللبناني يرفع تقاريره مباشرة إلى الرئيس اللبناني ميشيل عون، متجاهلا التسلسل القيادي الطبيعي.

أما الضابط الذي يرأس فرقة الأمن الداخلي بالمطار، وهو سني يتبع المعسكر السياسي لرئيس الوزراء سعد الحريري، فتعامل بندية قبل ذلك مع رئيس الأمن بالمطار، مما أدى إلى زيادة المشاحنات بينهما.

ومن المؤسف أن هذا الإخفاق الأخير لم يُحسم إلا عندما تدخل المشنوق مباشرة، وقام بزيارة طارئة إلى المطار لإعادته إلى وضعه الطبيعي. لكن هذا الحادث الأخير اعتُبر ضربة إضافية لما تبقى من مظهر الدولة اللبنانية.

للأسف، لم يتخذ عون ولا الحريري أي إجراءات عقابية ضد الضابطين المعنيين أو مرؤوسيهم، مفضلين الوقوف إلى جانب رعاتهم، حتى على حساب إضعاف الدولة.

لكن الفشل الحقيقي ليس أن بوابة لبنان إلى العالم قد تحولت إلى بالوعة، أو أن الأشخاص المكلفين بصيانتها وحمايتها فشلوا في أداء وظائفهم. بل إن هذا النموذج الفاشل هو انعكاس دقيق لكامل الدولة وفروعها المختلفة.

لا يمكن لأحد أن يجادل بأن هناك أي بصيص من الأمل بالنسبة للبنانيين ودولتهم الفاشلة. إن الطريقة التي تتعامل بها النخبة اللبنانية والشعب الذي يدعمها في التعامل مع التحديات السياسية والاقتصادية وحتى البيئية، تُثبت أن حكم القانون استبدل بقانون الغابة، وهي غابة تسكنها كائنات فقدت قدرتها على اتخاذ خيارات عقلانية تنقذها.