IMLebanon

هل التوأمان المتطابقان يتشابهان نفسيّاً؟

كتب د. أنطوان الشرتوني في صحيفة “الجمهورية”:

غالباً ما يعتقد الأهل أنّ التوأمين المتطابقين يتشابهان بكل شيء حتى على صعيد التصرفات. إلّا أنّ الدراسات في علم النفس والنموّ تؤكّد أن لا تشابه «نفسيّاً» بين الطفلين التوأمين المتشابهين بما أنّ كليهما يشكّل «فرداً» له خصائصه الجسدية والنفسية والعقلية الفريدة. فكيف يمكن للأهل أن يربّياهما؟ وما هي الخصائص النفسية لتلك التربية؟

تجدر الإشارة أوّلاً إلى أنّ التوأمين نوعان: التوأم المتغاير (Hétérozygote) حيث يتمّ تلقيح بويضتين خلال عملية الحمل، فتحمل الأم بجنينين تختلف وراثتهما الجينية ويمكن أن يكونا ذكراً وأنثى وليس بالضرورة من الجنس نفسه. أمّا نوع التوأم الآخر فهو التوأم المتطابق (Identical Twins / Homozygote)، حيث تنشطر البويضة خلال التلقيح إلى قسمين. ويكون التوأمان المتطابقان عادةً متشابهين في الشّكل ومن الجنس نفسه أيضاً.

مَن منّا لا يعرف توأماً متطابقاً يشبه بعضه قلباً وقالباً. وفي كلّ مرّة نصادفهما في أيّ مكان، نُخطئ باسميهما بسبب التشابه الكبير بينهما. فبين كل 80 حالة حمل نجد ظاهرة حمل بتوأم. وطبعاً لهذا النوع من الحمل تفسيرات بيولوجية وعلمية. ولكن حتى يومنا هذا، لم تحدَّد أسباب مباشرة وقاطعة لحالة التوأم المتشابه. ولكن أجمع العلماء بأنّ هناك أسباباً يمكن أن تكون وراء هذه الحالة وهي: العوامل الوراثية، العوامل العرقية (فهذه الظاهر تتكرّر في أفريقيا أكثر من قارة آسيا)، الحمل بعد عمر الـ35، عند الحمل لمرّة واحدة، بعض الأدوية التي تزيد الخصوبة…

متشابهان حتى في التكوين الشخصي؟
خلال اللحظة الأولى من الحمل، يتقرّر كل شيء يتعلّق بالوراثة الجينيّة عند الإنسان: الطول ولون الشعر والتكوين الجسدي والعضلي…. وصولاً إلى الأمراض الوراثية. ولكنّ التكوين الشخصي – النفسي لا ينتقل «وراثياً» من الأهل إلى الطفل، على الرغم من أنّ هناك العديد من النظريات والدراسات التي تعتبر أنّ التكوين الشخصي هو وراثيّ أيضاً.

ولكن ماذا عن التوأمين المتشابهين والتكوين الشخصي لديهما؟ هل بسبب إنشطار البويضة سيرث الولدان التوأمان الطبع نفسه؟ يطرح جميع الأهالي الذين لديهم توأم متشابه الكثير من الأسئلة التي تدور حول موضوع درجة الذكاء والتكوين الشخصي والطبع والتصرفات وغيرها من الأمور النفسية… وطبعاً يدور نقاش حاد ما بين علماء النفس والأطباء والمربّين ونجد خلافات كبيرة في أوجه النظر. فيفسّر الأطباء أنّ هناك «حتمية بيولوجية» ذات جذور جينية تجعل التوأمين متشابهين. فيضيف الأخصائيون النفسيون أنّ وجود هذا التشابه «الحتمي» هو ظاهري، ولكنّ مبدأ «التشابه النفسي» غير قابل للنقاش لأنّه غير موجود. بينما يتدخّل علماء التربية قائلين إنّ التكوين النفسي هو من خلال التفاعل ما بين التوأمين مع أهلهما وليس فقط على الصعيد الجيني البيولوجي.

أمّا خلاصة تلك التصريحات فهي رغم التشابه الكبير الذي يمكن أن نجده عند التوأمين المتطابقين، من حيث الشكل الخارجي وبعض التصرفات والقرارات المتشابهة، هناك أيضاً تباين كبير بينهما. فنلاحظ أنّ التوأمين المتشابهين يختلفان كل الاختلاف على صعيد التصرفات. فنجد واحداً منهما سريع الغضب والإستئثارة والآخر نراه هادئاً جداً. وفي بعض الأحيان، نجد شخصين توأمين من الصعب جداً ملاحظة وجود أيّ فرق بينهما على صعيد التصرفات. ويعود ذلك طبعاً إلى طريقة التربية التي اعتمدها الأهل ونظرة الأب والأم لتوأميهما، فذلك يؤثّر تأثيراً مباشراً على سلوكياتهما منذ الطفولة.

تربية التوأمين المتشابهين
هناك الكثير من التشابه ما بين التوأم المتطابق، لا سيّما على الصعيد الجسدي والصحي. ففي بعض الأحيان، عندما يصاب أحد التوأمين بوجع في الرأس، يشعر الثاني أيضاً بالآلام نفسها. أو عندما يعاني أحدهما من مشكلات في القلب أو في الرئة أو غيرها من الأمراض كالسكري والضغط، فهناك احتمال كبير أن يعاني أخاه من الآفات نفسها لأنّ الوراثة الجينية هي نفسها عند هذين التوأمين. ولكن هذا لا يعني أنّهما سيتقاسمان المصير نفسه. فتلعب طريقة العيش والمأكل والحالة النفسية وطبيعة العمل وغيرها من الأمور أيضاً دوراً بارزاً في ظهور الأمراض الجسدية.

أمّا بالنسبة للتربية، فهي التي تلعب الدور الأساس في تحديد شخصية التوأم. وعندما يربّي الأهل على الأسس والنقاط التربوية والقواعد الأساسية التي لا تختلف ما بين الطفلين التوأمين، فطبعاً سيظهر بعض التشابه بينهما. ولكن هذا لا يعني أن يكون هذا التشابه على غرار التشابه الفزيولوجي بينهما. فستظهر نقاط تلاقٍ بينهما ولكن ستكون هناك أيضاً نقاط إختلاف.

بعض النصائح لتربية التوأمين المتشابهين
إنّ تربية طفل واحد قد تكون عملية مرهقة فماذا عن تربية التوأم؟ إليكم بعض النصائح التي يمكن أن تتّبعها الأم لتساعدها في تربية طفليها مع زوجها:

أوّلاً، يجب معاملة الصغيرين التوأمين على أساس أنّهما شخصان منفردان وليسا شخصاً واحداً والإبتعاد عن الألبسة المتشابهة أو الموحّدة التي لا تُظهر فرادة كلّ طفل.

ثانياً، معاملتهما كشخصين مستقلّين على الرغم من قوة العلاقة التي يتميّزان بها وتجمعهما.

ثالثاً، لا يجب أن ينسى الأهل أنّ لكل توأم شخصيّته المستقلّة. لذا لا يجب التعامل معهما كأنهما نسخة واحدة، وعلى الأهل أن يخصّصوا وقتاً للعناية والإهتمام بكلّ طفل.

رابعاً، طلب المساعدة من الأهل والاقارب والأصدقاء إذا لزم الأمر. فالإهتمام بطفلين عملية مرهقة جدّاً تتطلّب جهداً مضاعفاً من الأهل. ولا يجب المبالغة في الاهتمام بهما كي لا يشعرا وكأنّهما محور اهتمام أهلهما الدائم.

خامساً، طرح الاسئلة الطبّية والدقيقة على الأخصائيين من أطباء أطفال وأخصائيين نفسيين وعلماء في التربية… سادساً، تشجيع كلّ طفل على تنمية ميوله واهتماماته الخاصة التي تميّزه عن توأمه. فللوالدين دور أساس في دعم هوايات طفلهما بشكل فردي.