IMLebanon

معمل دير عمار: سرطان ومواسم مضروبة…وتسرّب نفطي

كتبت إيلده الغصين في صحيفة “الأخبار”:

منذ سنوات، يراكم السكان القاطنون في جوار معمل دير عمار الحراري معاناتهم بفعل آثاره على البيئة والصحة. يحاولون التحرّك ــــ من دون نتائج ملموسة ــــ لحثّ الشركة المشغلة على استخدام الفلاتر وتغيير نوعية الفيول والمازوت المعتمد للتشغيل واستخدام الغاز… ووقف تسرباته النفطية إلى البحر

الخميس الماضي، رفع اتحاد بلديات المنية شكوى إلى محافظ لبنان الشمالي القاضي رمزي نهرا من «تعدّ على المياه البحرية في نطاق الاتحاد». تضمّنت الشكوى بلاغاً عن «تسرّبات نفطيّة في المياه البحريّة المقابلة لمعمل دير عمار»، وتأكيداً على امتلاك أدلة على ذلك «بالصور والفيديو». في اليوم التالي، أحال نهرا الشكوى إلى قائد درك منطقة الشمال الإقليميّة للتحقيق، لكن ردّ قوى الأمن «ما حلّو يوصل» بحسب المحافظ.

الشركة المشغّلة تلتزم الصمت، فيما يؤكد رئيس اتحاد بلديات المنية عماد مطر لـ«الأخبار» أن «لا جديد… لم يحضر أحد إلى المنطقة بعد، ونحن في انتظار تبليغنا بالنتائج من قوى الأمن والنيابة العامة البيئيّة». ويوضح: «كشفنا على الموقع مرّتين، ومادة المازوت المتسرّبة إلى البحر واضحة للعيان، يظهر التسرّب في المسرب الواقع تحت المعمل مباشرة والموجّه إلى البحر. علمنا من الصيادين أنهم يلاحظون تضاعف التسرّب بين ساعات الليل وساعات الصباح الأولى، فيما تتلاشى البقع النفطيّة ذات اللون المائل إلى الاخضرار تدريجياً خلال النهار. أما فرضيّة البواخر وإفراغ حمولتها فأمر مستبعد كونها تقف بعيداً من الشاطئ».

نهرا الذي لم يجرِ كشفاً ميدانياً على المنطقة، «يعتقد» أن «التسرّب يحصل في فترات متقطّعة وليس بشكل مستمرّ… وعلينا التأكد من مصدره»، مضيفاً: «سمعنا من الصيادين أنهم يشاهدون بقعاً، لكن علينا أن نبني على الوقائع بالتنسيق مع المراجع المعنية، لا نعلم إن كانت ثمة بواخر تفرغ مخلّفاتها في النطاق البحري أو إذا كانت التسربات من المعمل». وعن الانبعاثات التي يشكو منها السكان والضرر البيئي اللاحق بمنطقتهم، يجيب المحافظ: «لا يمكن أن يسبّب المعمل هذا القدر من التلوّث. من الممكن معالجة الانبعاثات عبر الفلاتر. أما تغيير استخدام المازوت فيتطلّب تغيير الآلات المستخدمة وهذا صعب»، مطمئناً إلى أن المعمل الجديد الجاري بناؤه «بمواصفات عالميّة».

هذه المواصفات تشغل بال السكان المتخوّفين من معمل جديد يزيد من مصائبهم، إذ إن «الانبعاثات الحرارية من داخونَي المعمل لا تخضع للفلترة» بحسب مطر، متابعاً «بدأ بعض أنواع الشجر ينقرض لدينا… ونحن في صدد إعداد تقرير رسمي يتضمن كشوفات وتحاليل مخبرية لنتقدم به إلى الجهات المعنية، إضافة إلى تحليل مخبري أعددناه قبل سنوات».

معاناة أكبر من «تسرّب»

يشكو الأهالي في اتحاد بلديات المنية (يضمّ بلديات مركبتا، المنية ــــ نبي يوشع، بحنين، مزرعة ارطوسة ــــ الريحانية، برج اليهودية، ودير عمار) من أضرار معمل دير عمار على محاصيلهم الزراعية والأشجار المثمرة، ويلفتون الى ارتفاع حالات الإصابة بالسرطان، بنسب متفاوتة، بحسب القرب من المعمل أو البعد عنه. في برج اليهودية «المعاناة أكبر»، كما يصفها رئيس البلدية عامر العويط، مشيراً إلى «رغوة تطفو على سطح المياه وتؤثر في الثروة السمكية وموسم السباحة». ويلفت الى أن «عدد من يموتون بالسرطان في ارتفاع، وشهدت أخيراً نحو 15 إصابة جديدة بالسرطان، من بينهم إصابات لدى الفئات العمرية الشابة». وفي حين يعدّ مستشفى المنية الحكومي ومستشفى الخير «الأقرب إلينا، إلا أن علاجات السرطان غير متوافرة فيهما، لذلك نلجأ إلى مستشفيات طرابلس».

في الشقّ الزراعي تظهر الآثار على أشجار اللوز والزيتون «وثمارها المضروبة»، وهي مواسم يعتمد عليها سكان برج اليهودية بشكل أساسي كمورد رزق. لم يعد الصيد البحري، بدوره، مورداً يمكن الاتكال عليه «لأن الثروة السمكية مدمّرة وشراء السمك يكون من عكار والعبدة، والخضار من طرابلس إضافة إلى ما ينجو من المعمل من الخضار التي نزرعها». في المنية أيضاً، مواسم اللوز والجوز والتين والكرمة «تالفة»، بسبب «الغبار المتصاعد من المعمل»، أما «الغمامة السوداء التي تظهر في السماء ليلاً» فحديث آخر. يطالب الأهالي «بتحسين شروط تشغيل المعمل والتوقّف عن استخدام الفيول والمازوت وتزويده بالفلاتر لأن الدخان الكثيف يضر حتى بالمناطق المرتفعة. كل هذا يتحمّله السكان في ظلّ تراجع تغذية المنطقة بالتيار الكهربائي، إذ يلامس انقطاع التيار أكثر من أربع ساعات يومياً.