IMLebanon

“تمرُّد” داخل مجلس القيادة!

كتبت ملاك عقيل في “الجمهورية”:

في عزّ الأزمة الحكومية تطفو الى الواجهة أزمة «أمر الفصل والنقل» في المديرية العامة لقوى الأمن. القصّة مسألة تراكمات ومآخذ متبادلة بين اللواء عماد عثمان وبعض أعضاء مجلس القيادة والتي لامست حدّ الأزمة خلال إجتماع مجلس القيادة الأخير في 13 تشرين الأول الجاري.

في هذا الاجتماع، وخلافاً لرغبة معظم أعضاء مجلس القيادة، وقّع المدير العام قرار تمديد «أمر فصل» الضباط، الذي كانت ستنتهي صلاحيتُه في 22 تشرين الاول الجاري، وذلك تحت عنوان «تسيير المرفق العام وإستمرارية المؤسسات».

صوّت ضد قرار تمديد أمر الفصل 7 من أصل 11 من أعضاء مجلس القيادة وهم: الأعضاء المسيحيون الخمسة رئيس الاركان العميد نعيم شماس، قائد الدرك العميد مروان سليلاتي، المفتش العام العميد جوزف كلاس، الخدمات الاجتماعية العميد فارس حنا، القوى السيارة العميد فؤاد خوري، وقائد الشرطة القضائية العميد اسامة عبد الملك (درزي) وقائد جهاز أمن السفارات العميد وليد جوهر (شيعي).

هؤلاء يعتبرون أنّ عثمان يرتكب مخالفة قانونية بتوقيعه قرار تمديد أمر الفصل مع تجاوز رأي مجلس القيادة، خصوصاً أنها المرة الأولى التي يمدّد فيها «فصل جميع الضباط المفصولين حتى إشعار آخر، ويعمل بهذا التدبير فوراً ويطبّق الى حين إجراء أمر نقل إجمالي وفقاً للأصول»، وفق البرقية الصادرة.

وأكثر من ذلك، يهدّد قادة الوحدات الذين اعترضوا على القرار ولم يوقّعوا محضر الجلسة الاخيرة، بتقديم شكوى أمام مجلس شورى الدولة، في حال الإصرار على تنفيذ البرقية «المخالفة للقانون»، في رأيهم، وتجاهل إصدار تشكيلات عامة و»أمر نقل»، مع العلم أنّ توقيع «أمر الفصل» من صلاحية المدير العام.

صحيح أنّ قرارات «الشورى» غير ملزمة لكنّ الأمر، بالنسبة اليهم، بالغ الأهمية «معنوياً» كونه يشكّل ردّاً غير مسبوق، على المدير العام، لم يحصل في تاريخ مؤسسة قوى الأمن.

وتقول أوساط الفريق المعارض داخل مجلس القيادة «إما المباشرة الفورية بإجراء «أمر النقل» وإعطاء فترة محدّدة لإكماله، وإما قادة الوحدات المعترضون لن يوقّعوا على أيِّ أمر آخر داخل مجلس القيادة غير أمر النقل».

عملياً، آخر «أمر نقل» في قوى الأمن صدر عام 2004 حين كان اللواء علي الحاج مديراً عاماً لقوى الامن الداخلي. أمر النقل من صلاحيات مجلس القيادة حيث ينقل الضباط من مراكزهم لمدة سنتين بالحدّ الأدنى، وأربع سنوات بالحدّ الاقصى. بعدها أدّت أحداث سياسية وأمنية كثيرة، وأحياناً إنفراط عقد مجلس القيادة وفقدان نصابه، الى حصول تأجيل متكرّر لأمر النقل، واستُعيض عن هذا الإجراء بإصدار قرارات «أمر فصل» الضباط بتوقيع المدير العام.

بقي الوضع قائماً على ما هو عليه الى حين انتخاب رئيس جمهورية وتعيين اللواء عثمان مديراً عاماً وتعيين أعضاء مجلس القيادة بالأصالة، حيث صدرت لاحقاً، وبعد تجاوز أزمة حجب المخصّصات المالية عن قوى الأمن الداخلي، دفعات محدودة من التشكيلات شملت قادة المناطق ورؤساء الشعب ورؤساء المصالح. وبعدها عادت «نغمة» الضغط على عثمان لاستكمال «أمر النقل» بعد توقّف التشكيلات قبل الانتخابات النيابية بأشهر قليلة، مع العلم أنه ليس «العائق» أمام «أمر النقل».

مجلس القيادة، كما كافة تركيبات النظام السياسية والأمنية، عبارة عن مجلس ملّة يعكس «التوزيعة» الطائفية وخريطة الولاءات في الدولة. يكاد يكون هذا العامل الأساس في تأخير حصول تشكيلات عامة حتى الآن وذلك لغياب التوافق السياسي.

ويسجّل للواء عثمان، بخلاف مرحلة اللواء ريفي واللواء ابراهيم بصبوص حيث كانت برقيات الفصل يوقّعها المدير العام، أنه أعاد طرح تمديد «أمر الفصل» على طاولة مجلس القيادة مجدداً، الأمر الذي لم يكن معتمَداً منذ نحو 14 عاماً.

وبالتالي، يرى متابعون لشؤون المديرية أنّ هذا الواقع يجب أن لا يشكّل عاملَ إبتزاز للمدير العام. يضيف هؤلاء «عدم حصول أمر نقل لا يتحمّل مسؤوليته بالطبع اللواء عثمان، بل غياب الاتفاق بين ممثلي القوى السياسية والطائفية والمذهبية الممثلة في مجلس القيادة».

وفق المعلومات، حاول الوزير جبران باسيل ممارسة ضغط على اللواء عثمان لـ «تشكيل» بعض الضباط عشية الاستحقاق النيابي (خصوصاً على مستوى آمري الفصائل)، لكنّ الأخير اعتبر أنّ هذا الأمر له محاذيره السياسية والتي تفسَّر بأنها «تشكيلات سياسية» تخدم طرفاً على حساب آخر، كما أنّ «أمر النقل» في هذه اللحظة قد يخلق إرباكاً ميدانياً كون أيّ ضابط جديد يحتاج الى وقت للتأقلم مع القطعة التي يُنقل اليها».

تقول أوساط الضباط المعترضين داخل مجلس القيادة «تفاجأنا بتأجيل متكرّر، مع حجج متتالية كان من خلالها اللواء عثمان يُمرّر «أمر الفصل»، ويعِدنا في الوقت نفسه بالاجتماع لدرس أمر النقل «ولنقرّر معاً»، كما كان يقول. لكن عملياً، مرّ عام وسبعة أشهر من دون القيام بالنفضة الموعودة في التشكيلات».

لكنّ الأمر الملفت والحسّاس ضمن سلّة مطالب بعض أعضاء مجلس القيادة، تحديداً لقادة الوحدات المسيحيين، هو التصويب على الميزان العددي لـ«طوائف» ضباط المراكز والمواقع داخل قوى الأمن.

يقول أحد الضباط المسيحيين البارزين في مجلس القيادة «لقد أصبحت نسبة المراكز المحسوبة للمسلمين 65%، والمسيحية 35%. لا أحد يحمل المسطرة ويطالب بمعادلة 50 بـ 50 لكنّ إصلاح هذا الخلل الطائفي والمذهبي حاجة ملحّة». ويضيف: «لا يجب أن تكون بعض المراكز حكراً على طوائف معيّنة. ويجب أن يحصل تغييرٌ يطاول كل هذه المراكز لكسر طائفية هذه المواقع، باستثناء قادة المناطق الموزّعة مناصفة. نريد تشكيلات تراعي التوازن الطائفي، وأن يكون إختيار المراكز من حقّ مجلس القيادة، وفق القانون، وليس بقرار فصل يصدره المدير العام و»شعبة المعلومات».

مطلب هذا الفريق ضمن مجلس القيادة، لجهة تكريس المناصفة أو إنتقال مراكز معيّنة من طائفة الى أخرى، يصطدم، بتأكيد مطّلعين، بوجود عائق جدّي حيث ستكون هناك ممانعة لتخلّي طائفةٍ ما عن مركزٍ ما كرّسه العُرف لها بحكم الممارسة إلّا مقابل بديل آخر، كما أنه يصعب تنفيذُه بسبب حساسيات طائفية في بعض المناطق!

عملياً، صدور برقية تمديد «أمر فصل» الضباط «حتى إشعار آخر» في 13 الجاري، أمّن إستمرارية المؤسسة بغطاء قانوني عبر البرقية التي وقّعها المدير العام، ما جنّب قوى الأمن زلزالاً داخلياً.

لكنّ جلسة مجلس القيادة التي دعا اليها اللواء عثمان الجمعة المقبل، بجدول أعمال محدّد هو وضع الأسئلة لامتحانات الرتباء المتمرّنين، قد تتحوّل جلسة عاصفة. فقادة الوحدات المعترضون يهدّدون بـ»عدم الاجتماع من الآن وصاعداً إلّا لتنفيذ «أمر النقل». أيّ قرارات أخرى سنوقفها، ولن نوقعها»!.

وبعدما عيّن اللواء عثمان لجنة من أربعة أعضاء من مجلس القيادة للبحث في أمر النقل، وكان يفترض أن تقدّم تقريرها قبل 22 من الشهر الجاري، تقول أوساط هؤلاء «سنطّلع في مجلس القيادة على التقرير في حال أُنجِز، وسنطالب بإكمال أمر النقل. إذا باشرنا بالتوافق على إتمام أمر النقل، حتى ولو لعدد محدود من الضباط، يعني هذا الأمر أنّ هناك نيّةً لإكمال أمر النقل، سنمدّد عندها لفترة معيّنة «أمر الفصل». حتى لا نبقى في وضع غير قانوني، وإلّا لا مجال لتوقيع أيِّ قرار آخر». هذا يعني في حسابات المطلعين، تعطيلاً كاملاً لمجلس القيادة و»كربجة» للمدير العام».

يؤكّد المعترضون أن «لا قرار بعدم الالتزام بالبرقية الصادرة، وبالتالي تنفيذ عودة الضباط المفصولين الى مراكزهم الأساسية لأنّ هذا سيعني «تخريب» المؤسسة وتعريضها لزلزال كبير، مع العلم أنّ هناك إستحالة للقيام بهذا الأمر، كما أننا لن نقاطع إجتماعات مجلس القيادة بل سنحضر حين يدعو المدير العام الى جلسة فقط للبحث في «أمر النقل». ويُذكر أنّ بعض قادة الوحدات رفضوا تعميمَ البرقية في وحداتهم، وهذا الأمر يشكّل مخالفةً صريحة للقانون. فبغياب «أمر نقل» إما عليهم تعميم البرقية والالتزام بها، أو إعادة الضباط المفصولين من العام 2004 الى مراكزهم وهذا الأمر مستحيل!

ويشير المعترضون الى أن «لا غطاءَ سياسياً لما نفعله، ولا أحدَ «يدفشنا» لكي نتحدّى المدير العام، وإلّا لكنا فعلنا ذلك منذ سنة وسبعة أشهر. لقد أعطيناه فرصة ولم يفعل شيئاً. هناك 12 مفرزة قضائية 7 للمسلمين و5 للمسيحيين. نطالب بمفرزة فيطالبون ببديل عنها. حتى موقع قائد سرّية السير في بيروت، نقول لهم نريد هذا الموقع فيردّ عثمان: هذا مركز خدمات لأهالي بيروت»!

في المقابل، يقول المواكبون لشؤون المديرية «فليتّفق قادة الوحدات على صيغةٍ لأمر النقل وليعرضوها على التصويت، وإذا أُقرّت يعني ذلك أنّ اللواء عثمان ليس العائق أمام صدوره».