IMLebanon

العالم صفيح ساخن… “سباق تسلّح” وترسيم نفوذ ونظام جديد للعلاقات الدولية! (رولان خاطر)

تحقيق رولان خاطر

بعيداً عن هموم الحكومة في لبنان، تسير لعبة النفوذ في منطقة الشرق الأوسط بمسار ساخن، أولا، نتيجة العودة إلى مبدأ “سباق التسلّح، وثانياً، العودة إلى ما يشبه التحالف خلال نظام القطبين، روسيا وحلفائها من جهة، وأميركا وحلفائها من جهة أخرى، على الرغم من أنّ أي مقياس في أي مواجهة سيكون “هابطاً” للولايات المتحدة، استناداً إلى المعايير الجيوسياسية والعسكرية والتقنية وغيرها.

الاثنين 17 أيلول 2018، لحقت بموسكو ما يشبه الانتكاسة العسكرية. إسقاط طائرتها في سوريا ومقتل 15 عسكرياً روسياً كانوا على متنها.

اتهامات موسكو وجهت نحو اسرائيل لأنها لم ترسل تحذيراً بشأن عملياتها الجارية فوق محافظة اللاذقية إلا قبل دقيقة من توجيه الضربة، محتفظة بحق الردّ قبل ان يعمد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى تخفيف نبرة وزارة الدفاع الروسية. اسرائيل بدورها دافعت عن نفسها، وحاول رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو امتصاص غضب موسكو، ملقيا باللوم على سوريا وايران. الطائرة الروسية هي من نوع “ايل-20” الروسية، أسقطت بصاروخ من منظومة “اس-200” السورية للدفاع الجوي.

ترسيم النفوذ!

1- المواجهة بين الـF35 والـ S300!

وفق تقارير استخباراتية، فإن إسرائيل لن تتوقف عن ضرب أهداف إيرانية وتابعة لـ”حزب الله” في سوريا، وانها قادرة على التغلب على الـ”اس-300″ في سوريا من خلال تكتيكات مضادة، واستخدام طائراتها الشبح (إف-35) الجديدة، كما يمكن لإسرائيل إطلاق صواريخ كروز أو صواريخ مضادة للرادارات لتدمير الـ”اس-300″. المواقف الاسرائيلية جاءت بعدما أقفلت روسيا جزئياً الأجواء السورية أمام المقاتلات الاسرائيلية.

رئيس مركز “انيغما” للدراسات الاستراتيجية رياض قهوجي أكد لـIMLebanon أنّه إذا أرادت اسرائيل أن تدمّر صواريخ الـS300 الروسية الموجودة في سوريا فهي تستطيع ذلك، من خلال طائرات الشبح F35 التي تملكها، وهو أمر اجمع عليه خبراء العالم العسكريين، خصوصاً أنّ هذه الطائرات لن تكون في مجال الرادار الروسي، وهي معدة للتعامل مع منظومات صواريخ متقدمة، لكنّ اسرائيل اذا فعلت ستسبب إحراجاً لروسيا وبالتالي لن تفعل ذلك إلا إذا كانت مضطرة في لحظة معينة. من هنا، العالم ينتظر ان يرى الحركة العسكرية المقبلة للجانب الاسرائيلي؟ علاوة على ذلك، فإنّ منظومة صواريخ S300 عمرها عقود، واسرائيل قامت باختبارها، وبالتالي، أصبحت منظومة مجرّبة. وهذا يعطي الأفضلية العسكرية لاسرائيل في هذا الإطار.

2- اتفاق روسي اسرائيلي جديد

على خط مواز، يحتاج الاقفال الآمن للأجواء السورية الى 8 بطاريات “اس-300” فيما لم تزوّد روسيا القوات السورية سوى ببطارية واحدة، ما يعني أن موسكو أرادت منع سلاح الجو الاسرائيلي من استخدام الأجواء السورية إلا بتنسيق مسبق مع القيادة الروسية. لكن، ما سبب إدخال روسيا لصواريخ “اس -300″، ولمن الغلبة في التوازن العسكري هناك؟

يكشف قهوجي لـIMLebanon أن الاتفاق الجديد الذي تم بين الاسرائيليين والروس عقب حادثة الطائرة الروسية ان لا تعطي موسكو اي علم للجانب السوري او الايراني عن اي عمليات على وشك أن تقوم بها اسرائيل والتي بات لزاماً عليها ان تعطي علماً مسبقاً للروس عن أي طلعات جوية تنوي تنفيذها.

في المقابل، إن نشر صواريخ “اس – 300” من قبل الروس، قد لا يحمل خلفيات استراتيجية، ويفرض الانتظار ما اذا ستكون منظومة “اس-300” مرتبطة بمنظومة الدفاع الروسية الجوية الكاملة الموجودة في سوريا، أو سيكون نشرها بطريقة منفردة مستقلة، لأن هناك فرقاً كبيراً بين الحالتين. فإذا بقيت مستقلة عن المنظومة الجوية الروسية الكاملة، فهذا يعني ان الخطوة الروسية بنشر الصواريخ تجميدية، وتصب في إطار رفع المعنويات لقواتها ولحلفائها اكثر منها لتغيير شروط اللعبة القائمة بين اسرائيل وروسيا في ما يخص ايران وحلفائها.

وانطلاقاً من هذا الواقع، فإنّ الامتيازات التي تملكها طائرات الشبح F35 يمكن أن تسقط منظومة صواريخ S300 الروسية، ما قد يضرب ليس فقط صورة موسكو دوليا، إنما أيضاً امام حلفائها في سوريا مع ما قد تستتبعه من نتائج سياسية وعسكرية.

في المقابل، هناك معادلات أخرى عديدة تحكم العلاقة بين اسرائيل وروسيا، يقول قهوجي، أبرزها النفوذ الاقتصادي الذي تملكه اسرائيل داخل موسكو من خلال اللوبي اليهودي، ناهيك عن أن سوريا بالنسبة لروسيا هي جزء من ارض عمليات ضخمة يمتد من اوكرانيا للبلطيق لآسيا إلى ليبيا وغيرها.

وفي قراءة للعديد من الخبراء العسكريين، فإنّ التفاوت الحاصل بين المنظومتين العسكريتين الروسية والاسرائيلية لصالح اسرائيل الحليفة الأساس للولايات المتحدة الأميركية، اضافة إلى العوامل الاقتصادية وتقاطع المصالح الاقليمية والدولية، يبعد شبح اي مواجهة بين البلدين، وقد يكون السبب الذي جعل الكرملين يعيد صياغة أدبياته تجاه تل ابيب بعد حادثة الطائرة.

العودة إلى سباق التسلّح!

في غضون ذلك، لا يمكن فصل ما حصل ويحصل في سوريا عن مخطط إعادة ترسيم الحدود والنفوذ بين القوى الكبرى، إن بين أميركا وروسيا أو بين اسرائيل وإيران. وترسيم الحدود والنفوذ، يتلازم مع العودة إلى حقبة الحرب البادرة، والسباق الى التسلّح، حيث كانت من اهم بوادره المناورات العسكرية التي تنفذ من قبل موسكو وواشنطن، فيما المؤشر الأهم، كان انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترامب من معاهدة مع روسيا تحد من نشر صواريخ نووية متوسطة المدى.

المناورات الضخمة!

فوستوك 2018″ الروسية!

فعلى سبيل المثال، ومن أجل نشر صورة روسيا الصاعدة وإظهار قوتها الوطنية أمام العالم، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمشاركة الصين ومنغوليا بين 11 و 17 أيلول في أقصى الجزء الشرقي من منطقة سيبيريا الشمالية وبحر اليابان وبحر أوخوتسك وبحر بيرنغ الذي يفصله عن القطب الشمالي مضيق بالاسم نفسه، ما وصف بالمناورات العسكرية الأضخم منذ مناورات “زاباد-81” (الغرب-81) في العام 1981، وحملت اسم “فوستوك 2018″، أو مناورات “الشرق 2018”. وشارك فيها حوالي 300 ألف عسكري، و36 ألف دبابة ومدرعة، وأكثر من ألف مروحية وطائرة مسيرة.

صحيفة The Sun البريطانية، وفي معرض تعليقها على تدريبات “أوراغان” أو “الاعصار” أي وحدات الرجم: “ما شوهد في ساحة تدريب يجمد الدم في الأوردة”. وأشارت إلى أن كل راجمة بزنة 20 طنا قادرة على إطلاق قذيفتين في الثانية الواحدة، وبوزن 280 كغ لكل منها. كما لفتت إلى أن كل قذيفة صاروخية عيار 220 ملم يمكن أن تنشر312 لغما مضادا للأفراد، والتي يمكن أن تقطع أمام العدو طريق الهرب.

وذكرت أن وحدات “أوراغان” قادرة على الدوران حول نفسها بزاوية 240 درجة وتسمح بإطلاق ذخائر متفجرة أو حارقة أو حرارية أو كيميائية أو عنقودية.

ويرى العديد من الخبراء العسكريين الدوليين في المناورات العسكرية “فوستوك 2018، نية لإفهام الغرب أن روسيا، على الرغم من العقوبات ضدها من قبل واشنطن، والوضع المتوتر، لديها جيش قوي، وتكنولوجيات حديثة، وقوة بحرية على وجه الخصوص، وعلى الغرب ان يعرف مع من سيتعامل في حال نشوب نزاع مسلح.

Trident Juncture 2018 الحلف أطلسية!

من جهتها، يبدو أن الولايات المتحدة سترد على المناورات الروسية، عبر تدريبات Trident Juncture 2018، وهي كبرى التدريبات البحرية التي يجريها “حلف الناتو” منذ انتهاء “الحرب الباردة”، والتي ستجري على البر النرويجي وقرب سواحل البلاد في الفترة ما بين 25 تشرين الأول و7 تشرين الثاني المقبل. وكان لافتاً دخول حاملة الطائرات النووية الأميركية “هاري ترومان”، منطقة القطب الشمالي، وذلك لأول مرة منذ 30 عاماً، حيث كان آخر ظهور لحاملة طائرات أميركية في منطقة القطب الشمالي في أيلول 1991، حينما شاركت حاملة الطائرات “أركتيكا” في مناورات North Star “نجم الشمال” في مياه بحر النرويج.

وبحسب بيان البحرية الأميركية، فقد دخلت “هاري ترومان” المنطقة لإظهار مرونة وصلابة القوات البحرية للولايات المتحدة في إطار تدريبات عسكرية واسعة النطاق مشتركة مع الحلفاء والشركاء الإقليميين. وهي تسير بالاتجاه الشمالي على طول حدود النرويج، وترافقها قطع تابعة لمجموعة السفن الضاربة الثامنة. وسيشارك في التدريبات أكثر من 50 ألف عسكري، بمن فيهم 14 ألف جندي أميركي، إلى جانب 150 طائرة و65 سفينة حربية، ونحو 10 آلاف آلية عسكرية. وقالت وسائل إعلام بريطانية إن هذه المناورات ستضم تدريبا للقوات الأطلسية المشتركة على درء “هجوم روسي” افتراضي.

المعاهدة النووية بين واشنطن وموسكو!

بشكل ملخص، تم توقيع الاتفاقية عام 1987 بين موسكو وواشنطن، وتهدف لإلغاء فئة كاملة من الصواريخ التي يصل مداها من 500 – 5000 كلم، وجاءت بعد نشر الاتحاد السوفياتي حينها صواريخ ” اس اس 20 “، النووية وكانت موجهة نحو العواصم الأوروبية.

رئيس المرصد اللبناني للعلاقات الدولية والاستراتيجية والاستاذ في العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية الدكتور وليد عربيد قال لـIMLebanon: “ان العلاقات بين الدول الكبرى وبالتحديد بين الولايات المتحدة وروسيا تشهد نوعا من التشنج لاسيما في مناطق عديدة من العالم، بما فيها الشرق الاوسط، وان روسيا التي تعتبر نفسها مطوقة بازمة اوكرانيا وايضا في الشرق الاوسط تحاول ان تؤكد على دورها في الساحة الدولية بانها تملك النووي الخارق في مواجهة اي قوة دولية وليس بالتحديد واشنطن. واشار الى ان خروج واشنطن من الاتفاق النووي مع موسكو هو ايضا كما خرجت روسيا من اتفاق Salt 2، وبالتالي، الولايات المتحدة تحاول ان تؤكد على دورها بأنها القوة العظمى في مواجهة القوة الكبرى.

واعتبر ان خروج أميركا من الاتفاق يعني ان العالم يشهد نوعا من المجابهة يمكن ان تؤدي الى حرب اقليمية في الشرق الاوسط وعالمية في مناطق عديدة خصوصا ان هناك تحالفات كبرى ولا سيما ان روسيا والصين والهند باتوا يشكلون محورا في مواجهة اميركا واوروبا. كما ان الخروج يعد انه ضد السلام العالمي وضد الحالة الانسانية في العالم وخصوصا ان اي حرب عالمية سيستعمل فيها السلاح النووي.

عربيد يؤكد أن العالم اصبح جديدا ولا عودة الى نظام القطب الواحد، وهناك رسم جديد للعلاقات الدولية في عالم متعدد الاقطاب، ولكن تبقى الولايات المتحدة القوة العظمى، التي تستند الى عوامل ثلاثة اساسية، اقتصادية وثقافية وعسكرية. روسيا هي قوة كبرى تملك السلاح الجبار، والصين قوة كبرى لانها اقتصاديا الاولى في العالم لكن عسكريا الثالثة، أما أميركا هي القوة العظمى.

وفيما يتحضر العالم نتيجة زيارة جون بولتون إلى لقاء يجمع الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين في 20 تشرين الثاني المقبل في باريس، للتباحث في السلام العالمي، يجمع الخبراء العسكريون على أن أميركا تحلم بأن تكون القوة الوحيدة المهيمنة على العالم من جديد، في حين يقول رياض قهوجي: “أن تنسحب أميركا من الاتفاقية النووية المتوسطة يعني بدء حقبة جديدة من سباق التسلح”.