IMLebanon

في ظل صعود اليمين… نموذج فلسطينيي تشيلي يطرح نفسه بقوة (أحمد خالد إبراهيم)

طرح وصول اليمين المتشدد في البرازيل إلى سدة الحكم عدداً من التحديات أمام العرب، تزامناً مع التخوف على مستقبل الجاليات العربية في أميركا في ظل “الاجتياح اليميني” للعالم حالياً.

وباتت الحاجة ملحة إلى نماذج الجاليات الناجحة خصوصاً مع تعدد النماذج ذات الاصول العربية التي تعيش في أميركا الجنوبية، وهي النماذج التي قررت الاستثمار في الأنشطة سواء الاجتماعية أو الثقافية بعيداً عن السياسة، ولعل النموذج الفلسطيني هو الذي يمكن أن تنطبق عليه هذه الحالة في تشيلي.

وتتعدد المجتمعات التي يعيش فيها الفلسطينيون منذ بدء الشتات حتى الآن لينتشروا في الكثير من دول وبقاع العالم، وهو الانتشار الذي حقق لهم قوة واضحة في أكثر من وضع ومكان، ما لفت انتباه الدوائر سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي والشعبي الفلسطيني.

ويشير تقرير أصدره مركز “مدار” الفلسطيني إلى أهمية هذه الفئة من فئات المجتمع الفلسطيني، والأهم أنها تتسم بالاعتدال ولا تدعو إلى أي عنف في توجهاتها أو مطالبها السياسية، وهو أمر مثير للاهتمام خاصة في ظل التطورات الجيوسياسية التي تعيشها منطقة أميركا الجنوبية، عقب الصعود المدوي لليمين المتشدد هناك، ما يتطلب وجود فئات من المجتمعات ذات الأصول العربية تتسم بصفات استراتيجية محددة.

وتشير الاحصاءات الرسمية إلى أن الفلسطينيين في تشيلي هم من أكبر المجتمعات الفلسطينية خارج الوطن، لافتة الى أن عددهم يبلغ قرابة نصف مليون شخص، وهو رقم كبير أدى إلى أن يكون للمجتمع الفلسطيني في الخارج صوت مسموع.

وعمل الفلسطينيون في تشيلي في مجال التجارة بدايةً، وبعدها باتوا أصحاب مصانع للنسيج، ثم رأسماليين. وتشير تقارير سياسية إلى أن الكثير منهم الآن يعملون في السياسة والأدب والفكر، ولهم نواب في البرلمان ويعملون أيضا كسفراء

وبات لهم كذلك فريق كُرَوي خاص سلطت عليه الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية الضوء أكثر من مرة خاصة وأن لاعبيه رفعوا شعارات مناهضة للاحتلال وانتقدوا الكثير من السياسات التي تنتهجها القيادات الدولية ضد الفسطينيين.

ومن الشخصيات البارزة كذلك المحامي أنور مخلوف الذي يحتل اليوم منصب المدير التنفيذي للجالية الفلسطينية في تشيلي والذي تحدث أكثر من مرة عن طموح وتطلعات الفلسطينيين في تشيلي، قائلا أن تاريخ الجالية الفلسطينية في تشيلي، وعموم أميركا الجنوبية، لم يكن معبّدا بالورود، بل عانى المهاجرون الأوائل، ثم أبدعوا عملا وانخراطا في مجتمعاتهم الجديدة.

وعن الأندية العربية أو الفلسطينية في تشيلي قال مخلوف أن الآباء الفلسطينيين في الخارج قاموا بتأسيس نوادي تعنى بشؤون اللغة والثقافة والتقاليد وتعتبر منطلقا لكثير من النشاطات واللقاءات، وأبوابها مفتوحة أمام التشيليين ليتعرفوا على من هم من أصول فلسطينية.

إلى جانب تلك الأندية انتشرت أيضا مدارس تعليم اللغة العربية، وتنشط جمعيات وأندية متعددة الأهداف، ولعل أكثرها نشاطاً هي الجمعيات النسائية الفلسطينية التي شكلت مدخلا للحفاظ على عادات وتقاليد فلسطينية من الاندثار، بفعل المخاوف من حالة الذوبان التي تصيب الأجيال الجديدة بعد أكثر من 150 سنة من الهجرة.

تعزيز الأصل

ويعتبر مخلوف أن “انتشار منظمات طلابية فلسطينية وشبابية ساهم في تعزيز الهوية والانتماء، وهي من الأمور التي يستعاد هذه الأيام التركيز عليها”. ويعتبر مخلوف أن تأسيس فريق “فلسطين” لكرة القدم في تشيلي حافظ إلى حد كبير على جانب الوعي بين الأجيال الفلسطينية بقضية بلادهم وانتمائهم.

ويعترف مخلوف، وغيره من الناشطين في صفوف الجاليات الفلسطينية في أميركا اللاتينية، بأن مسألة “اللغة تعتبر مهمة جدا بعد أن فقد الجيل الجديد لغته الأم العربية، ورغم ذلك لا يمكن القول إن ذلك يقف عقبة في مسألة الهوية الفلسطينية إلى جانب التشيلية، وعليه نحاول بكل الوسائل أن نحافظ على لغة النشء الفلسطيني في تشيلي وغيرها، بل ونعتبر انتشار اللغة بين الشباب الفلسطيني عملا أساسيا في نشاطاتنا اليومية، وبجهود نحاول أن لا نقصر فيها، إذ نعتبر اللغة مفتاحا أساسا لبقاء الهوية الفلسطينية بعد مرور كل تلك العقود الطويلة على حالة الهجرة البعيدة عن العالم العربي”.

أنشطة ثقافية عامة

عموما تتفق تلك المؤسسات الفلسطينية العاملة في صفوف جاليتها الكبيرة على “أنشطة ليس فقط في صفوف الأبناء بل تشمل التشيليين واللاتينيين والمقيمين على مستويات أكاديمية تقوم بدعوة هؤلاء إلى فلسطين لرؤية الواقع الفلسطيني على الأرض، ويشمل ذلك أيضا البرلمان التشيلي حيث ننظم زيارات لبرلمانيين للاطلاع على واقع فلسطين في ظل الاحتلال، وآخر زيارة شملت 11 عضوا من البرلمان التشيلي، إضافة إلى اجتماعات دورية مع وزارة الخارجية والوزراء في سنتياغو، ويمكن القول إن الجاليات الفلسطينية في تشيلي متفقة على برنامج مشترك يشكل فيه الفلسطينيون ما يشبه اللوبي وله نفوذ كبير في السياسة التشيلية في القضايا العربية وخصوصا لجهة توضيح خروقات حقوق الإنسان التي تتم للقانون الدولي على أرض فلسطين”.

ويؤكد مخلوف أن التعاون يشمل منظمات المجتمع المدني وغير الحكومية في تشيلي وبقية أنحاء أميركا اللاتينية، وتستضيف الجاليات ضيوفا ومتحدثين من فلسطين والعالم العربي “وتلك الأنشطة يحضرها وبحماسة مئات الفلسطينيين والتشيليين والعرب، إن على مدرجات الجامعات أو في ندوات ومهرجانات تقيمها الجالية الفلسطينية بشكل دائم”.

الهوية والواقع

وعن قوة المجتمع الفلسطيني في شيلي يقول الباحث والخبير الفلسطيني هشام عبد الله في تصريحات خاصة أن دور التشيلي السياسي العالمي محدود ولكنه مهم.

ويشير إلى أن تجربة الجاليات الفلسطينية في الشتات في دعم فلسطين محكومة اولا بسياسات الدول التي تعيش فيها ومن ثم سياسة منظمة التحرير التي ام تستطع الحفاظ على زخم دعم هذه الجاليات لا سيما بعد أوسلو.

ويضيف عبد الله إن الجالية الفلسطينية في تشيلي هي في حقيقة الامر تشيلية اولا قبل ان تكون فلسطينيية،  وهم من جيل رابع وخامس يشكلون قوة اقتصادية ولكنها أيضا قوة تشيلية في المقام الاول. اللافت أن عبد الله يقول أن الفلسطينيين في تشيلي يمكن ان يكونوا داعمين ولكن في إطار سياسة تشيلي الخارجية وليس في إطار كونهم من أصول فلسطينية.

ويوضح عبد الله أنه كذلك لا يمكن تشبيه دور جاليات فلسطينية في الشتات بتجربة اليهود في الشتات لأن ثمة فرقا كبيرا على أكثر من صعيد.