IMLebanon

«حزب الله» في مواجهة عون والحريري

كتب شارل جبور في صحيفة “الجمهورية”:

هل يستحق تمثيل سنّة 8 آذار في الحكومة أن يصطدم «حزب الله» بالرئيس المكلف سعد الحريري وحليفه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وأن يظهر أمام الرأي العام الدولي والمحلي أنه المُعرقِل لتأليف الحكومة؟

يقول «حزب الله» انّ تمثيل سنّة 8 آذار وزارياً مسألة مبدئية، فيما هي ليست على هذا النحو كونها لم تُشكِّل مطلباً أساسياً منذ انطلاق مفاوضات التأليف، والقول انّ الآخرين أهملوا هذا المطلب ليس دقيقاً، فقد كان باستطاعة الحزب أن يرفع منذ اللحظة الأولى الشعار الذي رفعه أخيراً «لا حكومة من دون سنّة 8 آذار»، ولكنه فضّل على طول الخط الظهور بمظهر المسهِّل، وانّ مطالبه لا تتجاوز تمثيله هو وحركة «أمل»، وفي كل اللقاءات مع الرئيس المكلف لم يُثِر هذه المسألة إلى درجة أنّ تمثيل سنة 8 آذار أصبح مَنسيّاً، إلى أن أعاده إلى الضوء بالتزامن مع سلوك العقدة المسيحية طريقها نحو الحل.

وفي وقت كان الاعتقاد انّ هناك تقاطعاً، ولو غير مباشر، بين رئيس الجمهورية و«حزب الله» على محاصرة الرئيس المكلف في موقفه الرافض تمثيل المكوّن السنّي الآذاري، وبالتالي دفعه إمّا إلى الاعتذار أو القبول، ظهر خلاف ذلك تماماً لجهة التقاطع بين عون والحريري في مواجهة مطلب الحزب، وهذا التطور في حد ذاته ليس تفصيلاً، للأسباب الآتية:

ـ أولاً، يضع «حزب الله» نفسه في مواجهة الشخصين المولجين تأليف الحكومة، أي الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية، وذلك خلافاً لوضع «القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الإشتراكي»، حيث كان الحريري في موقع الداعم لوجهة نظرهما.

ـ ثانياً، يضع «حزب الله» نفسه في مواجهة رئيس الجمهورية الذي كان يأمل أن تؤلف الحكومة قبل حلول الذكرى الثانية لانطلاقة عهده، ووضع كل جهده والرئيس المكلف بالتعاون مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لحل العقدة المسيحية، ولم يتوقع إطلاقاً أن تأتيه «الضربة» من الحزب الذي كان قد أوفَد كل تكتله لشكره على مواقفه في الأمم المتحدة.

وبالتالي، كان في استطاعته ان يقدِّم هدية للرئيس في هذه الذكرى على غرار «القوات» التي كان في استطاعتها أن تتمسّك بمزيد من الشروط لكي تتساوى مع غيرها ومُتكئة على انّ خروجها من الحكومة يجعلها حكومة «حزب الله»، ولكنها أرادت فك الاشتباك مع عون، واستطراداً الوزير جبران باسيل، والتجاوب مع رغبة رئيس الجمهورية بولادة حكومة في الذكرى الثانية لانتخابه.

ـ ثالثاً، يضع «حزب الله» نفسه مجدداً في مواجهة الرئيس المكلف والشارع السني الذي رأى في موقفه محاولة لإضعاف الحريري وتطويقه وتكبيله، وكأنه يعتقد انّ انشغال الرياض بأوضاعها الداخلية أدى إلى إضعاف الحريري بعمقه الإقليمي. وبالتالي وجدها مناسبة لانتزاع تمثيل سنّي حليف، ولكنه أهمل 5 عوامل أساسية: إنشغال الرياض، إن وجد، أدّى إلى إطلاق يَدي الحريري، التفاف رؤساء الحكومات السابقين ودار الإفتاء والشارع السنّي حوله، الغطاء الدولي الذي يحظى به، تأييد عون لمطلب الحريري، وان لا بديل من الحريري اليوم في رئاسة الحكومة. وبالتالي، كل هذه العوامل مجتمعة تؤدي إلى تعزيز موقف الحريري وتقويته ورفض أي تنازل او تساهل.

ـ رابعاً، يضع «حزب الله» نفسه في مواجهة المجتمعين الدولي والعربي بأنه يحول دون تأليف الحكومة، فيما كان شديد الحرص على تظهير صورة المُتعاون والمتساهِل والمساهم في حَلحلة العقد، وتأتي هذه الصورة لتضعه في موقع الذي يتحدى المجتمع الدولي، وأي تعقيد مع الحزب يفسّر بأنه تعقيد إيراني لا لبناني، خصوصاً انه كان قد تمسّك بوزارة الصحة خلافاً للرغبة الدولية بعدم تولّيها.

وبالتالي، الصورة التي حاول طويلاً أن يحوط نفسه بها بأنه عامل استقرار بَدّلها بنحو مفاجئ، ووجود رئيس الجمهورية في الموقع المقابل له ساهم في تثبيت الرسائل الإقليمية في دوره التعطيلي أكثر من المحلية.

ـ خامساً، يضع «حزب الله» نفسه في موقع إحياء الانقسامات الداخلية التي كان أوّل من دعا الى الخروج منها بدعوته الشهيرة إلى تحييد لبنان، فيما موقفه الأخير أدّى عملياً إلى إحياء التوتر السني – الشيعي، كذلك إحياء الترسيمات القديمة بين 8 و14 آذار، وتمسّكه بهذا الموقف سيؤدي حكماً إلى عودة التوتر وضرب الاستقرار.

وإذا كان التقاطع بين رئيسي الجمهورية والحكومة أكد عدم أحقية تمثيل سنة 8 آذار في الحكومة «كونهم أفراداً لا كتلة»، فإنه في الوقت نفسه أدى إلى إضعاف هذا المطلب الذي يقف ضده الرئيس المكلف مع كل عناصر قوّته ورئيس الجمهورية الذي يفترض ان يكون إلى جانب الحزب لا الحريري، فيما الضعف البنيوي لهذا المطلب مَردّه ليس فقط إلى تمثيلهم الذي لا يتجاوز 9٪ من السنة، إنما كون «حزب الله» لم يتعامل معه أساساً كمطلب جوهري وأساسي، معيداً الاعتبار له بعد حل العقدتين الدرزية والمسيحية، وكأنه لا يريد حكومة لاعتبارات خارجية.

وعليه، هل من أحد يمكن ان يصدِّق انّ «حزب الله» الذي أثار العقدة السنية كعقدة بنيوية بعد 5 أشهر على تكليف الحريري وعلى مسافة ساعات من ولادة الحكومة بأنّ هذه العقدة موجودة، وأنّ الحزب على استعداد للصدام مع رئيسي الجمهورية والحكومة وإحياء الانقسام المذهبي والوطني وتسليط الضوء على صورته التعطيلية أمام المجتمع الدولي من أجل مقعد لسنة 8 آذار لم يكن مطروحاً بالنسبة إليه في أي مرحلة من مراحل التفاوض؟

فالعقدة السنية هي غطاء لشيء أكبر بالتأكيد اضطر «حزب الله» إلى استخدامها بعد حلّ العقدة المسيحية التي كان يتمنّى عدم حلّها ليبقى لبنان في حالة الفراغ انسجاماً مع رؤيته، حيث أنّ الفراغ من مربّع مسيحي يُبعد الشبهات عن دوره، إنما مفاجأة «القوات» اضطرّته إلى لعب آخر أوراقه والكشف عن أهدافه على هذا المستوى.

وبالتالي، بات من المفيد البحث عن الأسباب التي هي بالتأكيد جوهرية بالنسبة الى الحزب، ودفعته إلى التضحية بالصورة التي راكَمها والدخول في مواجهات على أكثر من مستوى بغية تأخير ولادة الحكومة.

ولعل الأسابيع القليلة المقبلة كفيلة بتقديم الأجوبة المفيدة بالتأكيد.