IMLebanon

غياب التوافق على جدول الأعمال يؤجّل القمة الروحية

أطلقت بكركي صرخة في صحراء التشكيل تدرجت نزولاً من الموقف اللافت بمكانه ومضمونه للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من قصر بعبدا منذ يومين إثر لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون الذي عبّر فيه عن دعم الرئيس المكلّف سعد الحريري في رفض توزير سنّة “8 آذار”، بقوله “يكفي خلق عقد. جميعنا يعلم من يُعرقل، لكن يؤسفني أنه كان يتم تحميل المسيحيين مسؤولية عدم تشكيل الحكومة بسبب “العقدة المسيحية”، وعندما حلت هذه العقدة ظهرت عقدة جديدة”، ما فُسّر على أنه موقف كنسي بمباركة رئاسية، واستُكمل أمس برسالة الراعي إلى “حزب الله” عبر المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان الذي التقاه في بكركي، دعاه فيها إلى المساعدة في نزع العقبات أمام تشكيل الحكومة، واليوم بدعوة المطارنة الموارنة، في بيان إثر اجتماعهم الشهري، إلى “إزالة العراقيل الطارئة من أمام إعلان الحكومة الجديدة، فتكون هدية عيد الاستقلال”.

وكان سبق بكركي إلى الحلبة الحكومية وتأييد مساعي الرئيسين عون والحريري دار الفتوى بإشارة مجلس المفتين إثر اجتماعه الأربعاء الفائت برئاسة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان إلى أن “التشكيل من مسؤوليات الرئيس المكلف الذي عالج ويعالج بالتعاون مع رئيس الجمهورية مختلف العقبات والعقد المصطنعة (تمثيل سنّة “8آذار”) بحكمة وروية حفاظا على الوطن في ظل وجود يد تسعى للعرقلة”.

وأوحى هذا “التناغم” الماروني-السنّي في مقاربة ملف التشكيل وما يعترضه من عراقيل، بأنه قد يُترجم بقمة روحية تجمع رؤساء الطوائف والمذاهب للخروج بموقف وطني موحّد يدعو إلى تشكيل الحكومة سريعاً والترفّع عن الصغائر من أجل مصلحة البلد. وما عزّز هذا الاعتقاد قول المفتي قبلان إثر لقائه الراعي أن “اللقاء في الأساس كان حول عقد قمة روحية محورها قضية الإعلام وبعض البرامج التلفزيونية”.

من حيث المبدأ، توافق معظم القيادات الروحية على فكرة القمة باعتبارها تُشكّل مشهداً جامعاً لرؤساء الطوائف يُريح الساحة الداخلية ويشدّ أواصر اللحمة والعيش المشترك بين اللبنانيين الذي يتعرّض نتيجة استحقاقات عدة أبرزها أخيراً مسألة تشكيل الحكومة لهزّات يتردد صداها بين مختلف المناطق والطوائف. إلا أن جدول أعمال القمة يُشكّل نقطة اختلاف جوهرية بين القيادات الروحية، بحيث تنقسم بين من يدعو إلى وضع أزمة التشكيل بنداً أول للبحث انطلاقاً من الأثمان الباهظة التي يتكبّدها البلد عن كل يوم يمرّ بلا حكومة، وهذا ما أبلغه الراعي أمس لضيفه المفتي قبلان أثناء طرح الأخير لفكرة القمة لبحث قضية الإعلام، ومن يرفض حصر جدول الأعمال بمسألة التشكيل وإنما التطرّق إليها “سريعاً” من باب الدعوة إلى انتظام عمل المؤسسات وانطلاق عجلة الدولة.

وإلى ملف التشكيل، طرأت سياسية النأي بالنفس وعدم التدخل عسكرياً وسياسياً في شؤون الدول الأخرى، باب القمة الروحية، بحيث عكست الانقسام السياسي و”فرزت” رؤساء الطوائف بين مؤيّد لطرحها على بساط البحث والخروج ببيان ختامي يتضمّن الدعوة إلى الالتزام بالنأي نصاً وفعلاً، وبين رافض للتطرّق إليها جملةً وتفصيلاً.

إزاء هذا الواقع الذي يُشكّل مرآةً للتجاذب السياسي القائم حول قضايا أساسية، يبدو أن فكرة القمة الروحية ستبقى في إطار المشروع المؤجّل حتى إشعار آخر، وربما بعد تشكيل الحكومة العتيدة إلى حين اتّضاح المشهد السياسي الداخلي الذي ينتظر بدوره جلاء الصورة الإقليمية والدولية تجاه أزمات المنطقة.

وفي السياق، تشدد مصادر روحية مطّلعة عبر “المركزية” على “أهمية عقد قمة روحية في هذا الوقت، لترطيب الأجواء الداخلية بعدما تعكّرت نتيجة أزمة التشكيل وما رافقها من مماحكات طائفية ومذهبية غير مُطمئنة”.

وأشارت إلى أن “أي قمة روحية مهما كان جدول أعمالها ستضخ جرعة دعم إضافية لتدعيم منطق الدولة وسيادة القانون”، إلا أنها أسفت في المقابل “لأن لبنان عبارة عن مجموعة جزر تتأثّر بعواصف المنطقة”.