IMLebanon

حاسبتم أصحاب المولدات.. من يحاسبكم؟ (بقلم يورغو البيطار)

هبّت عاصفة المولدات الخاصة ولم تخفت رياحها بعد، فيما تشتعل في الكواليس مداولات تأطيرها وفق نظام المصالح المقيت الذي بات شهيراً باجتراح الحلول الهمايونية على حساب الحلقة الأضعف، المواطن اللبناني. إنه توالٍ معتاد للأحداث في بلد يحيا على الأزمات. فكما بات تأليف الحكومة الذي يحتفل بنصف عام على بدء جلجلته من دون ان تلوح بعد أفق القيامة، خبراً ثانوياً امام ذلك الجبروت المتمثل بأصحاب المولدات، سيُرمى الملف في مهملات النسيان كما الكثير من الفضائح الدسمة.

إذن، هي أخبار الأزمة المستفحلة بشأن المولدات الخاصة تحولت الشغل الشاغل للبنانيين، والإعلام والدولة اللبنانية برمّتها! تصريحات أصحاب المولدات تشعل البلد واحتجاجهم على ما اعتبروه إساءة لكراماتهم يطبق على صدور مشتركيهم، قراراتهم تغرق لبنان بالعتمة! ربما لو قرأ أي مواطن عربي أم أجنبي الأنباء التي طغت في الأيام الماضية لكان ظنّ أنها من فئة الاخبار الساخرة او الفانتازيا التي لا مجال لها في دول العالم.

أراد المسؤولون أن يظهروا بثوب المتحكمين باللعبة، فاستنفروا على الشاشات في مؤتمرات وتصريحات، طالبوا القضاء بمحاسبة أصحاب المولدات الذين أطفأوا “موتوراتهم”، أوقف أحدهم لـ24 ساعة وسطّرت بلديتان او ثلاث محاضر بحق مخالفين. كل ذلك عرضة للنقد او الجدل او اختلاف الرؤى، لكن المؤكد أنه في ظل “الهمروجة” التي تتخذ من عناوين المحاسبة والهيبة والمس بالكرامات حطباً لنيرانها، قد يبدو المشهد أقرب الى كوميديا مبكية من فرط غرابتها!

فإذا كان من المنطقي وقف أرباح خيالية لمعظم أصحاب المولدات والعمل على محاسبة المخالفين منهم جدياً، فإن اللامنطقي هو التخلي الفاضح للدولة عن مسؤولياتها و”على عينك يا تاجر”… ألستم أنتم المسؤولين بدايةً عن هذه الفضيحة المدوية؟ ألستم أنتم من غذيتموها ينيران مصالحكم لعشرات السنوات؟ أين الكهرباء التي وعدتمونا بها منذ أوائل التسعينيات مروراً بوعود الـ24/24 على مر السنوات؟ أين الكهرباء؟ ذلك السؤال البسيط الذي يطيح طبقة حاكمة عن بكرة أبيها في أي وطن يحترم نفسه هو الذي سمح لأباطرة المولدات بالتحكم برقابنا، وهو السؤال الذي أعادنا الى زمن الشمعة والقنديل، فيما انتم تتناتشون الحصص وتتناحرون على المناصب وتعدون فلا تفون!

حين يقول صاحب مولد ان الامر “بيزنس” وعندما سيدرّ خسائر عليه بدل الأرباح فسيقفله، هل يجرؤ احد منكم على ان ينظر اليه؟ فأنتم كذلك أصحاب “بيزنس” تنهشون من جيوب اللبنانيين ولا تقدمون له ادنى مقومات العيش الكريم. الكهرباء يا ناس! نحن نتحدث عن الكهرباء مع إطلالة الـ2019! إن كان أصحاب المولدات خاضعين للمحاسبة، أنتم من يحاسبكم؟ من يحاسبكم على وعودكم الكاذبة واستهتاركم الوقح بحقوقنا؟ من يحاسبكم على إهمالكم وفضائحكم في ملفات تبدأ بالنفايات ولا تنتهي بمجاري الصرف الصحي؟ قد يقول احدهم ان اللبنانيين يريدونكم، لكن الواقع ان الشعب بات بحكم المخدّر بعد كل ما عاناه منكم، انتم الذين ادخلتموه في دوامة لا تنتهي من الفقر والعوز فينتظر منكم الفتات كي يتمكن من العيش، حتى قدرة الخيار سرقتموها منه في صندوق الاقتراع فكانت الانتخابات – الفضيحة بدءاً بالقانون الانتخابي المذلّ وصولاً الى فضائح التزوير التي سدت برائحتها الانوف. انتم فوق المحاسبة، نعلم ذلك، فطالما يراكم انصاركم أنصاف آلهة لا تقبل النقد والانتقاد والتساؤل المشروع، سيخلق لدينا في كل يوم ألف “صاحب مولد” وإن اختلفت قضيته ومطالبه… ويغدو كل شيء مباح.

إنها الحقيقة المؤلمة والتي لا لبس او مبالغة فيها، ففي بلد تتقاتل فيه فصائل فلسطينية في أراضٍ لبنانية فيسقط قتلى وجرحى، ويتمّ بعدها تهريب أحد قادتها الى حضن النظام السوري من دون أن يرفّ لأي مسؤول سياسي أو أمني جفن، أو يكلف نفسه عناء التعليق على الفضيحة في التوقيت نفسه لمأساة المولدات، كل شيء مباح!