IMLebanon

عن نشوة الانتصار الزائف! (بقلم رولا حداد)

يشهد ملف تشكيل الحكومة في لبنان تجاذبات هائلة إنما محدودة في إطار الصراع على الحصص بين الأحزاب والتيارات والمذاهب. لا شيء آخر يعيق تشكيل الحكومة الجديدة، كما كل الحكومات السابقة، على الأقل منذ ما بعد الانسحاب السوري من لبنان في العام 2005.

كل الصراع يتعلّق بحجم الحصص، وطريقة توزيعها بين الأحزاب والطوائف والمذاهب، في أبشع صورة عن تقاسم الجبنة والمحاصصة البغيضة.

المفارقة المذهلة في كل ما يجري وسط كل هذا الصراع، أن تشكيل الحكومة في بلد يعاني من دين عام يتجاوز الـ85 مليار دولار، ومن مشاكل اقتصادية ومالية وبيئية واجتماعية وصحية ورياضية ومشاكل بنى تحتية وعلى كل المستويات، لا يشهد ابداً صراعاً حول الأفكار والخطط المطلوبة لإنقاذ البلد. ومنطق توزيع الحقائب الوزارية يتمّ على أساس الجشع السياسي، ومصادرة الوزارات المقسّمة ما بين “سيادية” و”خدماتية دسمة” و”عادية” على أساس أنها “مغانم ومكاسب سلطة” يجب الاستفادة منها من أجل منافع أهل السلطة وأزلامهم وليس للخدمة العامة!

وتوزيع هذه الوزارات لا يتم على أساس من يملك المشاريع والبرامج ومنطق التنافس بين أصحاب هذه المشاريع الواضحة، بل يتم على أساس أن كل حزب أو تيار يسعى الى “امتلاك” الوزارات الأكثر دسامة، وبكل أسف نعم يسعى الى امتلاكها ومصادرتها ولا يعود يقبل بالتنازل عنها بغض النظر عن نجاحه أو فشله في إدارتها، وبغض النظر عن أهم مبدأ ديمقراطي وهو “تداول السلطة”!

وفي خضمّ كل هذه الصراعات والتناتش على بقايا وزارات ومؤسسات في دولة مهترئة، لا نعثر على من يحمل رؤية وبرنامجاً إصلاحياً متكاملاً، والكارثة الكبرى أننا نشهد انفصاماً هائلاً بين تصريحات كثيرة عن ضرورة مكافحة الفساد ووقف الهدر والتوظيف العشوائي وضبط الإنفاق، وبين توجّه مرضي نحو مزيد من الإنفاق سواء في الوزارات والإدارات وسواء عبر مجلس النواب الذي يتجه إلى إقرار قوانين تشرّع المزيد من الإنفاق بعكس توجّه كل مقررات مؤتمر “سيدر” والتزامات الدولة اللبنانية بضبط الإنفاض وخفض عجز الموزانة، وكأن المسؤولين باتوا يدمنون الفساد على كل المستويات، سواء نتيجة جشع مكشوف أو شعبوية فاقعة، وفي الحالين تكون النتيجة واحدة: التوجه نحو مزيد من الانهيار الاقتصادي والمالي!

الخلاصة الوحيدة لكل ما يجري ولكل هذا المسار أن لا أمل بالتغيير في ظل أداء الطبقة الحاكمة، وفي ظل شعب أدمن التجديد لهذه الطبقة كمن بات يلحس المبرد ويستلذ بطعم دمه!

ويبقى السؤال إلى أين؟

الجواب الوحيد هو: حتماً إلى مزيد من الغرق والانهيارات الكارثية ما لم تحدث أعجوبة لا يبدو أنها ستحدث في المدى المنظور، في ظل استمرار لعبة السعي الى تحصيل حصص ومكاسب سياسية على أنقاض الاقتصاد المدمّر الذي سينتهي بنا إلى دمار الهيكل على رؤوس الجميع، لأن السياسة في كل دول العالم تكون في خدمة الاقتصاد باستثناء لبنان حيث يدمّر المسؤولون الاقتصاد بحثاً عن نشوة انتصار سياسي زائف!