IMLebanon

عن الغزل الإعلامي بين “القوات” و”الحزب”!

كتبت مرلين وهبة في “الجمهورية”:

هل بدأ إعلامُ «حزب الله» إسقاط الفيتو عن حزب «القوات اللبنانية»؟ وهل تستجيب القوات «للغزل المستجدّ» بعد أن بدا مطلبُها؟

يغيب اليوم عن المشهد السياسي الاشتباك التقليدي المتصل بـ«سلاح حزب الله». عليه هو يعتمد أسلوب التبريد، والواضح أنه ينشد في هذه المرحلة التهدئة والابتعاد من التسخين بموضوع السلاح تحديداً.

مصادر القوات تقول إنّ الحزب اعتمد منذ فترة «حملة» تبريد سياسي إعلامي مع مختلف الاطراف السياسية ومن بينها «القوات اللبنانية». في وقت تؤكد المصادر أنّ سليمان فرنجية يبقى اليوم القناة الوحيدة التي ستقرّب القوات من «حزب الله» رغم تصاريح الفريقين العلنية أثناء المصالحة والقائلة إنّ أحداً لن يأخذ الفريق الآخر الى محوره.

اما بالنسبة لعلاقة الحزب مع القوات فيبدو أنّ الثنائي الشيعي وليس الحزب وحده يقرّشها وفق نتائج الانتخابات النيابية بعدما أثبتت القوات أنّ حجمها الشعبي يوازي تقريباً حجم «التيار الوطني الحر». لذلك فضل الحزب عدم الاصطدام مع القوات والتعامل معها تحت سقف الحكومة وزاريّاً.

وحرص منذ بدء تشكيل الحكومة على عدم إرسال أيّ إشارة سلبية لتسلّم القوات حقيبة الدفاع. أقلّه هذا ما شهدناه في الإعلام إن لم يكن له في الكواليس رأيٌ آخر.

بدوره الرئيس بري ارسل إشارات عدة مباشرة تعبّر عن رفضه تقليص حصّة القوات وكان حريصاً على إظهار موقفه إعلامياً.

أما السؤال البديهي الذي يطرحه البعض: إلى أيّ مدى لدى «حزب الله» الاستعداد اليوم للحوار مع القوات في العمق؟ والى أيِّ مدى هذه الأخيرة قادرة على الجلوس مع الحزب وهي تعلم مسبقاً أنه لن يذهب بعيداً بالمسألة السياسية الاستراتيجية المتعلقة بسلاحه، فما هي أهمية الحوار بينهما طالما الأمور الأساسية لن تُبحث، كما أنّ «الحزب» لن يذهب بعيداً؟

أما بالنسبة الى التبريد الإعلامي مع القوات فتضعه مصادرالقوات في إطار «التكتيك السياسي» أو «زكزكة» لأطراف أخرى أو قد تكون في إطار الرسائل اليها كما لغيرها ربما للقول إنّ «لدينا دائماً خيارات أخرى».

«القوات الجديدة» متريّثة؟

وفي متابِعة للمسلك القواتي السياسي الجديد يتضح أنّ القوات تتريّث بالإستجابة لغزل «حزب الله» أو لتُحجِم عنه بانتظار العقوبات الأميركية. إلّا أنّ مصادرها تقول لـ«الجمهورية» إنّ حدود التلاقي مع الحزب ستبقى تحت سقف الدستور وهي اتّخذت قراراً إيجابياً بضرورة التكيّف مع مبدأ المساكنة معه تحت سقف المؤسسات وليس أبعد من ذلك. أما كلمة الحكيم في قداس معراب فكانت تطالب الحزب بالعودة الى لبنان، ولم تذهب القوات أبعد من ذلك.

كذلك الحزب هو لن يبتعد أكثر من ذلك برأي مصادرها. وهي تحت سقف التسوية الرئاسية حيّدت المشكل الاستراتيجي وتعاطت معه في الأمور الداخلية بانتظار التسويات الخارجية التي تحسم الاتّجاهات الكبرى، وهو قرار مشترك «ارتضيناه سوياً».

البعض الذي يقرأ تريّثاً من قبل «القوات اللبنانية» في الاستجابة حالياً لغزل «حزب الله» يردّه الى رسالة المبعوث الأميركي نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون بلاد الشام جويل رايبرن الذي زار لبنان 19 ساعة والتقى الحريري وحاكم مصرف لبنان وكان عنوان زيارته «ممنوع عليكم التنازل سياسياً»، في حين أكدت مصادر رفيعة المستوى أنّ أبرز مهمّات المبعوث كان إيصال رسالة مباشرة مفادها «ممنوع التنازل سياسياً لـ«حزب الله» وأنّ أيَّ تنازل سيؤدّي الى تنازل من قبلنا عن المساعدات والهبات المقدَّمة في «سيدر» بما فيها تنازل أيضاً عن الهبات المقدّمة الى الجيش اللبناني».

وتكشف مصادر رفيعة المستوى عن أنّ المبعوث حذّر الطرفين، أي الحريري وحاكم مصرف لبنان من إعطاء «حزب الله» أي مكاسب سياسية إضافية ملمِّحاً الى أنّ «تأثيرَنا كبير على مقرّرات مؤتمر «سيدر».

فرنجية الوسيط الوحيد؟

لكنّ أسباب التقارب المفترض بين «الحزب» و«القوات» والمتداوَلة أخيراً أسبابها مستجدات سياسية داخلية عدة ومنها:

-1 التقارب بين جعجع وفرنجية الذي قد يساعد في تقريب وجهات نظر بين «الحزب» و«القوات». علماً أنّ الأخيرة كانت طلبت من فرنجية (إبان التسوية الرئاسية التي تمّت بين الحريري وفرنجية) المساعدة على تقريب المسافات أو اللقاء بين «الحزب» وبينها.

-2 قد يكون الخطاب الذي نشهده على لسان إعلاميين بارزين مؤيّدين لـ«حزب الله» هو تقارب ظاهري يندرج في إطار إرسال التحذيرات أو إيصال رسائل لجميع الأطراف أو لمَن يهمّه الأمر أو بكل بساطة في إطار «الزكزكة» على العهد.

في الممارسة الحكومية تقول مصادر إعلامية مقرّبة من «الحزب» أنه استدرك أنّ قواعد الممارسة الحكومية لديه ولدى «القوات» متشابهة شعبوياً وتؤمن بمنطق الالتزام، كما تجمعهما قواسم مشترَكة بالنسبة لملف مكافحة الفساد وتحضير ودرس الملفات بدقة داخل مجلس الوزراء.

وتجدر الإشارة الى أنّ الطرفين «امتحنا» عون اقلّه تكتيّاً وبالطبع ليس استراتيجياً فاتّضح بعد الأزمة الأخيرة بين «الحزب» والعهد أنهما متّفقان في الأمور الاستراتيجية إنما تكتيّاً هما مختلفان، فيما واقع «الحزب» و«القوات» يشير الى العكس أي أنهما يتّفقان في المرحلة الحالية تكتيّاً إنما ليس استراتيجياً.

«الحزب» والتكتيك

وفي السياق أوضحت مصادر سياسية مطلعة أنّ «حزب الله» وقراراته عموماً تندرج في إطار استراتيجي موضوعة سلفاً. وقد يحصل له أحياناً أن يلجأ الى التكتيك ولكن ليس على حساب الاستراتيجية بل لتعزيز الاستراتيجية بطريقة غير مباشرة أي للتحذير أو لفت الانتباه.

في المقابل المحاولات الكثيرة التي بادرت بها «القوات اللبنانية» للتقرّب من «الحزب» خلال السنوات الخمس الماضية، كانت مرفوضة من «حزب الله» لأسباب عدة:

-1 لمعرفتهم سلفاً أنّ «القوات» تريد الانفتاح عليهم تكتيّاً وليس استراتيجياً.

-2 ولأنّ حدود انفتاح القوات عليهم يقف عند اعتراض «محورهم».

-3 لأنهم يعلمون أنّ الخلاف هو في الفكر الاستراتيجي الخاص بالقوات وقد اتّخذت خيار الأكثريات أي الفريق السنّي في المنطقة، فيما اتّخذ الحزب خيار الأقليات أي الخيار الشيعي فيها. لذلك الخلاف هو استراتيجي.

-4 لا يقدم «حزب الله» على أيّ انفتاح داخل المجتمع المسيحي دون مباركة وموافقة مسبقة من إيران.

-5 السبب القديم الجديد. أي قصة الديبلوماسيّين الأربعة الذين لا يزال «حزب الله» ينتظر جواباً عنهم من «القوات اللبنانية». وعليه، كل المعلومات تشير الى أن ليست هناك نيّة الآن عند الحزب عموماً ولدى إيران خصوصاً بإعادة تموضع مع القوات أو بفتح علاقات جديدة معها.

«الحزب» يُسقط الفيتو

أمّا ما يحصل اليوم من غزل إعلامي بين الفريقين فيُترجَم في إطار التهيئة لإسقاط الفيتو ربما عن القوات، وعليه يلجأ اليوم الحزب الى التبريد السياسي وسط الحصار بالعقوبات لأنّه يهتمّ بتوزيع الرسائل لمنع الهجوم المضاعف عليه داخليّاً.

في المقابل يهم القوات فتح علاقة مع «حزب الله» مثلما اهتمّ سليمان فرنجية بإقامة علاقة مع جعجع. وهي تندرج في إطار إسقاط الفيتو عنها وهذا ما يهمّ سمير جعجع أيضاً من أيّ علاقة مستقبلية مفترَضة مع «حزب الله»، عنوانها فقط، إسقاط الفيتو، لمساره نحو الرئاسة.

لكنّ الفريقين، يعرفان كما الجميع، واقع الحال، وهو أنّ لبنان مقبل على مرحلة تأزيم وليس على مرحلة حلول، ولذلك كل العلاقات السياسية الجديدة المفترضة مؤجّلة وغير واردة في ظلّ التأزّم الذي يتصدّر جميع الاحتمالات.