IMLebanon

معوض في ذكرى استشهاد والده: الانهيار ليس قدرنا لكننا نحتاج قرارات شجاعة وإلا…

أكّد رئيس “حركة الاستقلال” النائب ميشال معوّض ان لبنان لا يمكن ان يُبنى على الأحقاد وبحاجة للمصالحة بين جميع ابنائه، مرحّبا بالمصالحة التي حصلت بين “القوات اللبنانية” وتيار “المردة”، والتي طوت معها صفحة سوداء من تاريخ المسيحيين والشمال، ومتمنّيًا في الوقت عينه أن تقوم المصالحات كافة على أسس متينة وليس على تقاطع مصالح سياسية حتى تستمرّ وتدوم.

وشدّد معوض على ان الاختلاف في السياسة حقّ مشروع، إنما يجب ان يكون اختلافا على مشاريع وبرامج وخطط لمستقبل لبنان وأبنائه وليس خلافاً مبنياً على الأحقاد وعلى نكء جروح الماضي التي لا ترحم احدا.

معوّض لفت الى “اننا أمام أزمة وطنية- حكومية- اقتصادية- مالية- اجتماعية- بيئية، وحتى أخلاقية لا يمكننا الاستهتار بها ولا ممارسة سياسة النعامة تجاهها، أزمة إذا انفجرت سوف ترتد على الجميع”، داعيا الجميع الى التوقف عن التلهّي بجنس الملائكة والمحاور والصراعات العقيمة وحروب التعطيل المتبادلة والتنافس على الفساد.

هذا وحذّر معوض من فرض لمعادلات أو توازنات من خارج الدستور أو أي محاولة لفرض انقلاب على دستور الطائف أو الميثاق الوطني والمناصفة في لبنان اذ ان تكلفته ستكون غالية جدا.

ودعا  الى العودة الى لبنان والالتزام بالحياد الإيجابي، لافتا الى ان أي خروج عنه لا يشكّل فقط عامل انفجار للمجتمع اللبناني التعددي، بل يتضارب أيضا مع مصالح لبنان الاقتصادية العليا التي تتطلب علاقات وطيدة مع المجتمعين العربي والدولي.

واذ اكد أن الحرب على العهد ومحاولة محاصرته ليسا أبداً الطريق لاسترجاع السيادة أو لتحقيق الإصلاح، دعا معوض الى الالتفاف حول العهد وحول التسوية الرئاسية التي بني عليها، لافتا الى ان أيّ ضرب للتسوية لن يكون مجرد فشل للعهد بل ضرب لأسس الاستقرار في لبنان سيدخلنا في المجهول.

 

ورأى ان الخروج من أزمتنا المستفحلة يتطلب أيضاً الإقرار بأولوية محاربة الفساد بإجراءات جذرية وليس بالخطابات والشعارات. وهذا ما يتطلب إجراء مصالحة فعلية ببُعدين: الأول، مصالحة المسؤولين والسياسيين مع مفهوم الدولة، والثاني، مصالحة المواطنين مع الدولة.

واضاف: “امامنا اليوم فرصة اقتصادية تاريخية قد تكون الأخيرة من خلال تشكيل حكومة، اليوم قبل الغد، حكومة لديها تفويض شامل، تتعاون بشكل لصيق مع مجلس النواب للالتزام بكل مقررات مؤتمر “سيدر”، بدءًا بالإصلاحات الجذرية المطلوبة، والإقدام على خطوة جريئة تتمثل بإعلان حال طوارئ اقتصادية وإجراءات تقشف شاملة كي نكون قدوة امام المواطنين ونستأهل احترام الدول التي ما زالت ملتزمة بمساعدتنا.

كلام معوّض جاء في كلمة له في الذكرى الـ29 لاستشهاد الرئيس رينه معوض ورفاقه التي أحيتها عائلة الرئيس الشهيد وعائلات الشهداء بقداس الهي حاشد أقيم في كاتدرائية ماريوحنا المعمدان في زغرتا، تحت عنوان “للعلى حتى الشهادة” برعاية رئيس الجمهورية العماد ميشال عون.

 

 وفي ما يأتي النص الكامل لكلمة معوض:

فخامة رئيس الجمهورية راعي هذه الذكرى

دولة رئيس مجلس النواب

دولة رئيس مجلس الوزراء

أصحاب الفخامة والدولة والنيافة والغبطة والسماحة والمعالي والسعادة.

رفاقي في “حركة الاستقلال”، اهلي في زغرتا الزاوية والشمال،

أيها الحضور الكريم،

اسمحوا لي بداية أن أنحني أمام تضحيات شهدائنا وعائلاتهم: العقيد جوزف رميا، جورج خوند، أسعد أنور معوض، جوزف الباشا، رينه كعدو معوض، العريف سايد مورا ويعقوب السقال معوض الذين أبوا الّا ان يرافقوا الرئيس الشهيد رينه معوض بكل حياته وبكل مهماته… حتى الشهادة!

لشهدائنا وأهالي شهدائنا أقول: فخورون بكم وننحني أمام تضحياتكم العظيمة. أنتم دمنا وكرامتنا وشرفنا وتاريخنا والتزامنا، ونبقى نحن واياكم بكل المحطات، بكل الصعوبات والتحديات، بكل النكسات والانتصارات، لنعود ونلتقي في يوم القيامة… هذا إيماننا وهذه مسيرتنا.

شهداؤنا رسموا لنا بدمائهم طريقا لا نقبل ان نحيد عنها، طريق لبنان الذي استشهدوا من أجله، لبنان السيّد الحر والمستقل، لبنان الدولة القوية التي لا تساوم لا على السيادة ولا على القرار الوطني المستقل، ولا على دور المؤسسات الدستورية التي تفرض تطبيق القوانين على الجميع. لبنان الميثاق والشراكة المتوازنة المبنية على المناصفة الفعلية في الحكم، لبنان الحرية والتعددية والتنوّع والانفتاح والمبادرة الفردية والحداثة، لبنان المصالحة الوطنية التي لا تستثني أحدا “حتى هؤلاء الذين يصرّون على استثناء أنفسهم منها”.

فخورون بأن نكون أبناء مدرسة الرئيس رينه معوض، مدرسة “بسط سلطة الدولة الشرعية بقواتها الذاتية على كل ذرّة من تراب الوطن وقطرة من مياهه وعلى أي مدى من أجوائه” (رينه معوض- خطاب القسم 1989)… هذه مدرسة السيادة لآخر نفس، مدرسة التمسّك بالشرعية وبالكتاب- كما كان يسمي الدستور الرئيس فؤاد شهاب- مدرسة المرونة الصلبة المتمسكة بثوابتها من جهة وبنهج الانفتاح والحوار من جهة ثانية، مدرسة احترام القانون، مدرسة الإنماء، مدرسة النزاهة والكف النظيف. هذه مدرسة رينه معوض شهيد السيادة والشرعية والمصالحة الوطنية.

من هذا المنطلق، ولأننا أبناء مدرسة المصالحة، فكما شجّعنا على مصالحة معراب بين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية”، ورحّبنا فيها، ولا زلنا متمسكين بأهميتها رغم اهتزازها، ومقتنعون بضرورة إعادة ترميمها وتحصينها نظراً لأهميتها على صعيد التوازن الوطني، ايضا رحّبنا ونرحّب بالمصالحة التي لطالما دعينا إليها وتحققت بين “القوات اللبنانية” وتيار “المردة”، والتي طوت صفحة سوداء من تاريخ المسيحيين والشمال. لبنان لا يمكن ان يُبنى على الأحقاد وبحاجة للمصالحة بين جميع أبنائه. ونتمنى أن تقوم المصالحات كافة على أسس متينة وليس على تقاطع مصالح سياسية حتى تستمرّ وتدوم، ونثبت أنه ليس من المفترض، ولا بأي لحظة، أن يردّنا أي اختلاف سياسي لنبش قبور الماضي. الاختلاف في السياسة حق مشروع، إنما يجب ان يكون اختلافا على مشاريع وبرامج وخطط لمستقبل لبنان وأبنائه وليس خلافاً مبنياً على الأحقاد وعلى نكء جروح الماضي التي لا ترحم احدا!

صراعات الماضي لم تؤدّ سوى إلى ويلات ودم ودمار وجميعنا خسرنا فيها. دعونا نبني للمستقبل، نستطيع أن نختلف، لكن الأكيد، ممنوع أن نتقاتل!

أيها الحضور الكريم،

رفاقي،

مرّة جديدة نحن أمام أزمة وطنية- حكومية- اقتصادية- مالية- اجتماعية- بيئية، وحتى أخلاقية. أزمة لها بعد كياني لا يمكننا الاستهتار بها ولا ممارسة سياسة النعامة تجاهها، أزمة إذا انفجرت سوف ترتد على الجميع، ليس فقط على كل طائفة وكل حزب، إنما على كل منطقة، على كل مدينة، على كل ضيعة، على كل عائلة، على كل بيت، على كل واحد منا. كلامي موجّه بالدرجة الأولى الى المسؤولين، تماماً كما أصارح المواطنين: أزمتنا خطيرة جداً نعم، ولكن قدرنا ليس الانهيار. لدينا الطاقات والقدرات اللازمة لتخطي الصعاب شرط ان نوقف التلهّي بجنس الملائكة والمحاور، والصراعات العقيمة لتسجيل النقاط على بعضنا البعض وحروب التعطيل المتبادلة والتنافس على الفساد!

الأزمة ليست أبداً أزمة دستور كما يحاول البعض ان يصوّرها، ولا أزمة نظام. على العكس، الخروج من الأزمة يتطلب أولاً العودة إلى الدستور. نعم، الدستور هو ضمانتنا جميعاً. صحيح ان الدستور ليس الإنجيل المقدس ولا هو القرآن الكريم، وقد تكون فيه بعض المواد التي هي بحاجة لبعض التعديلات، إنما أي فرض لمعادلات أو توازنات من خارج الدستور أو أي محاولة لفرض انقلاب على دستور الطائف أو الميثاق الوطني والمناصفة في لبنان تكلفته غالية جدا. بهذه المناسبة تحديداً، علينا ان لا ننسى أن الوصول الى الطائف، الذي نظم علاقاتنا داخلياً وخارجياً، كلفنا أكثر من 150 ألف شهيد.

هناك اجماع في لبنان على كون اسرائيل عدو، إنما المطلوب ادارة لبنانية للصراع معها، وعلى أسس المصلحة اللبنانية، تحت سقف استراتيجية دفاعية بإدارة الدولة اللبنانية حصراً.

وايضاً من المنطلق نفسه، لا خلاص للبنان إلا بالحياد الإيجابي. يكفينا تذاك، لأنه ليس صحيحاً أن مشكلتنا بدستور الطائف. مهما كان نوع دستورنا، ومهما كانت طبيعته، لا يمكننا تخطي مشاكلنا في حال أصر البعض على ربط لبنان بمحور خارجي، أياً كان هذا المحور، لأنه بهذا الربط يكون هذا البعض يتجاوز الدستور وينتهكه، ويؤجج الصراع الطائفي والمذهبي على حساب الدولة ومؤسساتها تأميناً لمصالح هذا المحور… من هذا المنطلق حان الوقت لأن نعود جميعا الى لبنان ونلتزم بالحياد الإيجابي، لأن أي خروج عنه لا يشكل فقط عامل انفجار للمجتمع اللبناني التعددي، بل يتضارب أيضا مع مصالحنا الاقتصادية العليا التي تتطلب علاقات وطيدة مع المجتمعين العربي والدولي، وهذا ما نلمسه كلنا اليوم.

الخروج من الأزمة الخطيرة التي نعيشها اليوم يتطلب أيضاً العودة الى الشراكة الوطنية وتمتينها. فالخلل بالشراكة يولّد أزمات لا تنتهي ونحن اليوم نعيشها. وكي تكون الشراكة عامل استقرار يجب ان تكون أولاً شراكة تحت سقف الدولة، شراكة في كل شيء، في كل القرارات الوطنية والحكومية والاستراتيجية. ليس شراكة بإدارة بعض الملفات الداخلية واحتكار وتفرّد بالقرارات السيادية والاستراتيجية. كما يجب ان تكون شراكة ميثاقية كاملة فاعلة ومتوازنة، تحترم المناصفة الحقيقية ولا تتحايل عليها.

ومن أسس الشراكة الفعلية اليوم أن نلتف جميعاً بكل انتماءاتنا حول العهد وحول التسوية الرئاسية التي بُني عليها. والدعوة هنا ليست أبداً دعوة سياسية أو بخلفية سياسية ضيقة، إنما دعوة وطنية لننقذ بلدنا يداً بيد، لأن أيّ ضرب للتسوية الرئاسية التي قام عليها العهد لن يكون مجرد فشل للعهد بل ايضا ضرب لأسس الاستقرار في لبنان سيدخلنا في المجهول.

ايضا أود أن أضيف أن الحرب على العهد ومحاولة محاصرته ليسوا أبداً الطريق لاسترجاع السيادة أو لتحقيق الإصلاح، لأن أكثرية الأطراف التي تخوض هذه الحرب لا هي أطراف سيادية ولا أطراف تشبه “امرأة قيصر” بموضوع الفساد، ولأنه يبدو ان هناك أطرافا لا يناسبها مشروع استعادة التوازن للشراكة الوطنية مع رئيس جمهورية قوي يمثّل بيئته، وتفضّل العودة لمراحل سابقة! وبصراحة تامة لا البلد يحتمل أربع سنوات من التعطيل، ولا المواطن قادر على ان ينتظر عهدا ثانيا ليرى ماذا سوف يحصل!

أيها الأصدقاء،

الخروج من أزمتنا المستفحلة يتطلب أيضاً الإقرار بأولوية محاربة الفساد بإجراءات جذرية وليس بالخطابات والشعارات. وهذا ما يتطلب إجراء مصالحة فعلية ببُعدين: الأول، مصالحة المسؤولين والسياسيين مع مفهوم الدولة، والثاني، مصالحة المواطنين مع الدولة. على جميع المسؤولين والسياسيين ان يقتنعوا أنه لم يعد بوسعهم التعاطي مع الدولة كـ”بقرة حلوب”. هذه البقرة مرضت وسوف تموت ونفذ منها الحليب واللحم واصبحت “جلدًا على عظمة”. على جميع السياسيين والأطراف والأحزاب ان يقتنعوا أنه لم يعد بوسع خزينة الدولة ان تكون بابا لتمويل أطماعهم وحساباتهم المصرفية وماكيناتهم السياسية، لأن هذا الفساد بالممارسة سيسقط الهيكل على رؤوس الجميع.

 ويجب العمل على أن نصالح المواطنين مع دولتهم التي من واجباتها أن تقدم لهم كل الخدمات كي يستعيدوا الثقة بها، ويعرفوا أن أي ضرائب سيدفعونها لن تذهب لتمويل فساد الأطراف السياسية، ويطمئنوا إلى أن هذه الضرائب ستعود عليهم حقوقاً وخدمات وتقديمات اجتماعية، من دون منّة ولا إخضاع!

الفساد اصبح سرطاناً حقيقياً في لبنان وهو بحاجة لاستئصال فوري، اذ انه يشوّه سمعة الدولة واللبنانيين في كل العالم، ولم يعد يمس فقط جيوبنا وبنية اقتصادنا، بل أصبح يمسّ صحتنا لأنه دمّر البيئة وسرطن لقمة عيشنا ومياهنا وهواءنا.

محاربة الفساد لا تكون بالخطابات الرنانة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا تكون باتهامات موجّهة بالسياسة حصراً ضد الخصوم السياسيين. للأسف اصبح الفساد ثقافة معمّمة في لبنان بين السياسيين والمواطنين، من الكبير الى الصغير، من المواطن الذي يقول لرجل الأمن: “عارف حالك مع مين عم تحكي؟” الى السياسي والمسؤول الذي يقول للمواطن: “عارف حالك مع مين عم تحكي؟” (بطلنا عارفين حالنا مع مين عم نحكي!!!)

محاربة الفساد تعني أن يُحاسب كلُّ فاسد مهما علا شأنه، لأننا شبعنا ان يبقى الفاسدون مثل الأشباح في هذا البلد نسمع عنهم ولا نعرف من هم، ويستمر الفساد ولا يُحاسَب أحد. محاربة الفساد تعني استقلالية القضاء وتمكينه من تنظيف جسمه، وتفعيل أجهزة الرقابة والمحاسبة ووقف الحمايات السياسية والطائفية والمذهبية للموظفين على المستويات كافة، وايضا للمتعهدين والملتزمين كائنا من كانوا، وايضاً وأولاً تعني أن نبدأ بمحاسبة المسؤولين، فلا تكون إحالة وزير مثلاً الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بحاجة لثلثي مجلس النواب لأنه بهذه الطريقة نكون نشجع الفساد ونمنع عملياً أية محاسبة. (هذا البند مثلا بحاجة للتعديل في الدستور).

الفساد ليس فقط بالصفقات والعمولات. الفساد أيضا حين يتخطى وزراء موازناتهم خلافا للقانون، وتُستثمر مصاريفهم في السياسة وضمن منطق الزبائنية من خزينة الدولة. والفساد أيضا يُمارس في التوظيفات العشوائية التي أرهقت خزينة الدولة وجعلت الإدارة مُتخمة وغير منتجة. والفساد يكون بعدم احترام المسؤولين للقوانين وعدم تطبيقها، وبعدم احترام مؤسسات الرقابة والالتزام بقراراتها… نعم هذا كله فسادا!

أيها الحضور الكريم،

أيها الرفاق،

بموازاة محاربة الفساد بالأفعال والإجراءات وبالقرارات والتشريعات اللازمة، الحل اقتصاديا يكمن بالعودة الى مكامن قوة الاقتصاد اللبناني، الامر الذي يتطلب عملا متوازياً ما بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، ومن موقعي النيابي سوف اكون قوة دفع باتجاه شفافية وفعالية في التشريع ودور رقابي صارم لمواكبة الاصلاحات البنيوية المطلوبة. دعونا نذكّر أن قوة الاقتصاد اللبناني تكمن أساساً وأولاً بالمبادرة الفردية، وباللبناني المبدع، وثانياً وبالتالي بالاقتصاد الحر الذي يحرّكه القطاع الخاص.

ما حصل في السنوات الأخيرة بعد الحرب من تكبير لحجم الدولة ضمن منطق الزبائنية السياسية أدى إلى تغيير في جوهر هوية الاقتصاد اللبناني ووجه لبنان الذي كان السبّاق في المنطقة العربية، وأرهق خزينة الدولة وضرب القطاع الخاص ودمّر الاقتصاد.

الاقتصاد اللبناني نجح في مرحلة ما قبل الحرب لأنه كان مبنيا على المبادرة الفردية والاقتصاد الحر حين كانت كل الاقتصادات العربية مؤممة. واليوم لبنان اصبح يسير بعكس التطور والعالم. الدول تطوّر اقتصاداتها عبر تصغير حجم الدولة وتكبير حجم القطاع الخاص، في وقت، نقوم بالعكس في لبنان. علينا ان نعيد الدولة الى دورها كناظم للحياة الاقتصادية عوضا أن تكون ربّ عمل فاشل وفاسد في إدارة القطاعات!

ليس طبيعياً ولا مقبولا أن يكون لدينا اكثر من 38% من موازنة الدولة مخصصة للرواتب والأجور والتعويضات ومعاشات التقاعد، في وقت، لا يتخطى المعدل في الدول المتطورة الـ16%.

ختاماً اعود وأؤكد: الانهيار ليس قدرنا ويمكننا النهوض ببلدنا، شرط ان نتحمل جميعا مسؤولياتنا، نعم جميعنا، ونأخذ قرارات شجاعة وجذرية وإلا…

امامنا اليوم فرصة اقتصادية تاريخية قد تكون الأخيرة من خلال تشكيل حكومة، اليوم قبل الغد، (من دون ان ندخل بالأسباب المعلنة للعرقلة والتي لم تعد تقنع احدا حتى من يختبئ خلفها). والاهم ان يكون للحكومة تفويض شامل، تتعاون بشكل لصيق مع مجلس النواب لتطبيق كل مقررات مؤتمر “سيدر”، بدءًا بالإصلاحات الجذرية المطلوبة، والإقدام على خطوة جريئة تتمثل بإعلان حال طوارئ اقتصادية وإجراءات تقشف شاملة كي نكون قدوة امام المواطنين ونستأهل احترام الدول التي ما زالت ملتزمة بمساعدتنا… شرط أن نساعد انفسنا.

نعم الانهيار ليس قدرنا. ومهما حاول البعض ان “ييأسنا” لن نستسلم ولن نسلّم بلدنا. تضحيات الذين سبقونا ومستقبل اولادنا امانة بأعناقنا، أنا ميشال معوض مصر على حمل شعلة الامل وأنا اقف بينكم في ذكرى الرئيس الشهيد رينه معوض الذي دعا اللبنانيين من قلب الدمار في عيد الاستقلال عام 1989 الى الأمل، وأنا اليوم أكرّر النداء الأخير الذي وجّهه للبنانيين في خطاب الاستقلال قبيل اغتياله: “هل نحب هذا الوطن؟ أعرف الجواب. تعالوا إذاً نتحد، نبني معاً، نفرح ونعيش”.