IMLebanon

فلسطينيو لبنان.. من اللجوء وإليه!

كتبت رأفت نعيم في صحيفة “المستقبل”:

علمت «المستقبل» أن عدداً كبيراً من الفلسطينيين الذين كانوا غادروا مخيمات لبنان بشكل شرعي منذ مطلع العام الحالي على شكل مجموعات وأفراد، عبر أحد مكاتب السفر في العاصمة، عادوا إلى مخيماتهم بعدما خاب ظنهم بالوجهة التي قصدوها ومعظمها دول أوروبية كانوا يؤملون أن يشقوا فيها طريقهم إلى تحقيق طموحاتهم وأحلامهم في تأمين عيش كريم ومستقبل أفضل لهم ولعائلاتهم. وكان موضوع هجرة اللاجئين الفلسطينيين من المخيمات في لبنان أخذ خلال الشهر الماضي شكل ظاهرة في أعقاب ما أثير عن قيام إحدى شركات السفر في العاصمة لشخص يدعى «ج. غ.» بتسهيل سفر عدد كبير من الفلسطينيين إلى دول أوروبية بتأمين تأشيرات قانونية لهم مقابل مبالغ مالية.

وبحسب مصادر فلسطينية، فإن عدد الذين غادروا مخيمات لبنان من اللاجئين خلال الفترة منذ مطلع العام وحتى اليوم يزيد على الأربعة آلاف فلسطيني، منهم حوالى 1500 خلال الشهرين الأخيرين فقط غادروا عن طريق الشركة المذكورة، وتبين أنه قام بتسفير أعداد أخرى منهم في وقت سابق من العام، مقابل مبالغ مالية تراوح بين 8 و12 ألف دولار للتأشيرة الواحدة بحسب العدد الذي يتقدم دفعة واحدة طلباً للسفر. ومعظم المغادرين هم من مخيمات عين الحلوة والمية ومية والرشيدية وبعض مخيمات بيروت والشمال، ووفق تأشيرات شرعية وعبر مطار رفيق الحريري الدولي. وتضيف المصادر أن وجهتهم كانت بلداناً أوروبية واسكندينافية مثل إسبانيا وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا والسويد، وأنه كان هناك المئات من الفلسطينيين على قائمة الانتظار للحصول على تأشيرات للمغادرة من مخيمات لبنان، لكن معظمهم عدل عن قراره بالهجرة بعد ما حملته أخبار العائدين ممن سبقوهم في هذه التجربة من سوء معاملة من قبل السلطات في البلدان التي قصدوها؟

13 ألفاً غادروا خلال 3 سنوات

لكن بالمقابل، طرحت هذه الظاهرة تساؤلات عن خلفية تسهيل سفر هذه الأعداد من الفلسطينيين وبهذه الطريقة وفي هذا الوقت الذي تطفو فيه قضية اللاجئين على سطح ما يُسمى بـ«صفقة القرن» التي تنطلق في مضمونها من مبدأ إلغاء قضية اللاجئين وشطب حق العودة، ما يُعزز المخاوف فلسطينياً من محاولات إفراغ المخيمات من لاجئيها.

يكشف عضو قيادة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ومسؤولها في صيدا فؤاد عثمان أن ما يتجاوز 13 ألف فلسطيني غادروا مخيمات لبنان خلال السنوات الثلاث الأخيرة، منهم حوالى 4 آلاف خلال الأشهر القليلة الماضية فقط، لكن بعد أن بات شبابنا وشعبنا مقتنعين بأن هذا مشروع سياسي يهدف لإفراغ المخيمات وجزء من الشباب عادوا بعدما رأوا أنهم يعيشون هناك أوضاعاً مزرية.

زياد السيد، أحد أبناء مخيم عين الحلوة الذين كانت الهجرة إلى بلد أوروبي حلماً لهم لكنهم صدموا بالواقع الذي كان ينتظرهم هناك عندما سنحت لهم الفرصة بذلك فعادوا بعد أشهر خاليي الوفاض شاكرين الله على السلامة وغير نادمين على العودة. ويقول زياد الذي يعمل حلاقاً «ما يدفع الفلسطيني للهجرة أولاً ضيق أسباب المعيشة وعدم حصوله على حقوقه المدنية فضلاً عن مهن كثيرة ما زال ممنوع عليه العمل بها». ويضيف أن أحد الأسباب التي دفعته للمغامرة والسفر أنه غير متزوج، وبالتالي غير مرتبط بعائلة. فأراد أن يجرب حظه. ويختصرها بكلمتين «فشة خلق». ويشير إلى أنه سمع من أحد المعارف عن مكتب يقوم بتأمين تأشيرات دخول إلى إسبانيا ودول أوروبية أخرى، وأن التكلفة لكل شخص حتى لحظة الوصول لا تقل عن 10 آلاف دولار. وحسبما تتفق معه. البعض يطلب السفر إلى إلمانيا والبعض الآخر إلى السويد أو هولندا أو النروج، ومعظمهم إلى إسبانيا. وإذا تقدم إثنان معاً قد يأخذ المكتب من أحدهما 12 والآخر 15 بحسب طريقة كلامه معهم أو تلهفه على السفر».

وعن طريقة المعاملة قبل وبعد الوصول، والتي قال إنها أحد الأسباب التي دفعته للعودة بعد أشهر قليلة يقول زياد: منذ لحظة وزن الأغراض التي تحملها وحتى تصل إلى إسبانيا وأنت «مغطى أمنياً وماشيين معك واحدة بوحدة». المهم أن تخرج من هذا البلد. وبمجرد أن تصل إلى إسبانيا تبدأ معاملة من نوع آخر. يكفي أن أخبرك بأننا نمنا 8 ساعات على مقعد خشبي وانتظرنا حتى يأتي الصليب الأحمر الدولي ويأخدنا. بهدلة ما بعدها بهدلة. ففي إسبانيا لا تستطيع أن تعيش واقتصادها ثاني أقل اقتصاد بين الدول الأوروبية بعد النمسا.

ويشير السيد إلى أن رحلته استغرقت ثمانية أشهر، بالإضافة إلى 20 يوماً على الطريق، وأنه أمضى أول شهرين منها مقيماً في بيت عمه المغترب في إسبانيا، وأنه رغم تأمين عمل له كحلاق «مزين» إلا أنه لم يشعر بالارتياح بسبب ما وصفه بـ«الشمشطة» لما كان يخضع له من إجراءات من قبل السلطات هناك. ويقول: عليك أن تأكل وتشرب وتشتري أية مستلزمات وتعيش فقط بخمسين يورو. كثيرون لم يستطيعوا البقاء فعادوا، وشباب حاولوا الانتقال إلى بلدان أوروبية ثانية لكن وجود بصمتهم الأساسية في إسبانيا فرض عليهم العودة إليها مهما ذهبوا إلى بلدان أخرى.

لكن هذه التجربة كشفت لزياد ولكثيرين أكثر من حقيقة أولها أن «من يدير موضوع تسفير الفلسطينيين، ليس هذا المكتب وإنما هناك من يقف وراءه، والقصة أكبر من مجرد تجارة. قد تكون هناك جهات تريد أن تخفف من أعداد الفلسطينيين الموجودين في لبنان». ولا يملك زياد أرقاماً محددة لعدد الذين غادروا في الفترة التي سافر هو فيها وبالطريقة نفسها وعبر المكتب نفسه، لكنه يذكر «أن ما يقارب 30 إلى 40% من أبناء مخيمات صيدا غادروها إلى بلدان أوروبية في غضون السنوات الثلاث الماضية أي منذ العام 2015. لكن عدداً كبيراً منهم عادوا للأسباب التي ذكرتها».

ويستدرك زياد قائلاً: “كلهم ينتظرون الآن صفقة القرن التي تنص على أن يحصل كل فلسطيني على جنسية في المكان الذي يكون فيه. وكثيرون يتحملون «قرف» البلدان الأوروبية التي يعتقد الناس أن «العيشة فيها حلوة». لكن أنا «لو بتقدملي ياها على طبق من الماس ما بقا عيدها. أنا واحد من الناس لما وصلت على لبنان بست ترابو».