IMLebanon

2018 يحمل بذرة أمل بعودة النازحين ويُجهضها… هل يصمد لبنان؟

كتبت راكيل عتيّق في صحيفة “الجمهورية”:

مؤتمر بروكسيل الثاني لدعم سوريا، قمّة هلسنكي بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، ما كشفه وزير خارجية الفاتيكان عن عدم وجود رغبة دولية بعودة النازحين، المواجهة بين لبنان الرسمي ومفوضية شؤون اللاجئين والمجتمع الدولي حول العودة، القوانين والتدابير السورية، توافر مناطق آمنة في سوريا وبدء العودة الطوعية للنازحين ودخول الأحزاب على خطّ تنظيمها… كلّها أحداث حملها عام 2018 في موضوع النازحين السوريين.

أمّا، أبرز ما حمله عام 2018 في موضوع النازحين، فهو المبادرة الروسية الناتجة عن قمة هلسنكي والتي شكّلت بادرة أمل وطمأنة، ما لبثت أن اضمحلّت، ما أثار مخاوف إضافية من إمكانية ضياع قضية النازحين في عام ثبّت ضياع قضية اللاجئين الفلسطينيين، من خلال «صفقة القرن» ووقف دعم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».

المواجهة مع المجتمع الدولي

لم يُشكِّل كشف وزير خارجية الفاتيكان المونسنيور بول ريتشارد غالاغر، إلى وفد لبناني، عن عدم رغبة الرئيس السوري بشار الأسد بعودة النازحين، وكذلك عدم وجود رغبة دولية بعودة النازحين من الدول المجاورة لسوريا إلى بلادهم، مفاجأة بل صدمة أكّدت مخاوف لبنان.

مخاوف لبنان واظب كلّ من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل، على التعبير عنها، في كلّ مناسبة، من مؤتمرات أو لقاءات، من على المنابر الدولية أو من داخل لبنان، والتشديد على ضرورة عودة النازحين إلى سوريا بعد توافر مناطق آمنة شاسعة في بلادهم، مع عرض التداعيات الكارثية للنزوح على لبنان بالأرقام، من كلّ النواحي الاقتصادية والاجتماعية والديموغرافية وحتى على البنى التحتية وقطاع العمل والقطاع التربوي.

ومن أبرزها، خطاب عون أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول الماضي، الذي طالب فيه بالعودة الكريمة والآمنة والمستدامة للنازحين السوريين إلى بلدهم، مؤكداً أنّ تداعيات النزوح «تجعل الاستمرار في تحمّل هذا العبء غير ممكن»، رافضاً «كل مماطلة أو مقايضة في هذا الملف الكياني»، و»أيّ مشروع توطين، سواء لنازح أو للاجئ».

وكان عون أكّد الموقف اللبناني، خلال زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى بيروت في حزيران الفائت، وخلال زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

كذلك، طالب عون، رئيس مفوضية الامم المتحدة لشؤون اللاجئين السيد فيليبو غراندي الذي زار بيروت في آب الماضي، بأن تضطلع المفوضية بدور اكبر في تسهيل العودة الآمنة للنازحين السوريين في لبنان الى بلادهم، خصوصاً الى المناطق السورية التي باتت مستقرّة حسب تأكيدات جميع المعنيين بالوضع في سوريا.

التعارض مع المجتمع الدولي، الذي يؤيّد عودة النازحين، إنما بعد «الحلّ السياسي الشامل» في سوريا، ما يرفضه لبنان، كان موضوع أخذ ورد وجدل خلال هذا العام بين وزارة الخارجية والمنظمات الدولية. فلبنان هو «مَن يأكل العُصي»، فيما أنّ أقصى ما يقوم به الآخرون هو مساعدته على تحمُّل «الضربات». أمّا «الخوف الأكبر» فهو من مشاريع دمج النازحين أو توطينهم، خصوصاً بعد ما عاناه وما زال يعانيه لبنان من تجربة اللاجئين الفلسطينيين.

مؤتمر بروكسل الثاني الداعم لسوريا حول ‏قضية النازحين السوريين، في نيسان الماضي، كان أحد محطات الخلاف. وعلى رغم أنّ رئيس الحكومة سعد الحريري كان مُشارِكاً على رأس وفد في المؤتمر، رفض لبنان الرسمي، البيان المشترك للأمم المتحدة والاتحاد الاوروبي، واعتبر أنه يتعارض مع الدستور، ويضمر التوطين ويعرّض الوطن للخطر، وذلك من خلال مصطلحات «العودة الطوعيّة» و»العودة الموقتة» و»إرادة البقاء» و»الانخراط في سوق العمل»، حسب عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري وباسيل.

ومن ضمن هذه المواجهة بين لبنان والمجتمع الدولي حول قضية النازحين السوريين، إيقاف باسيل طلبات الإقامة المقدمة لصالح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، متهماً إياها بـ»تخويف» النازحين السوريين من العودة إلى بلادهم.

وعادت العلاقة إلى طبيعتها، بعد موافقة المفوضية على اقتراح باسيل القاضي بتقسيم النازحين لفئات تمهيداً لتنظيم عودتهم، وأكدت عملها الدائم داخل سوريا لإزالة العوائق أمام العودة الكريمة والآمنة، وشدّدت على أنها ليست في وارد تشجيع العودة الآن، ولكن لن تقف بوجه مَن يريد العودة الطوعية أفراداً أو جماعات، كما أنها وافقت على مشاركة وزارة الخارجية والمغتربين بداتا المعلومات التي في حوزتها والتي كانت تتشاركها مع وزارة الشؤون الاجتماعية منذ سنة 2015.

كذلك، سارعت وزارة الخارجية إلى الرد على غراندي خلال جولته على لبنان والأردن وسوريا، وأعلنت أنها لا توافق على كلامه غراندي الذي يعارض عودة النازحين السوريين الى بلادهم في الظروف الحالية، لأنها على العكس من ذلك تعتبر أنّ العودة الجزئية والممرحلة هي ممكنة وظروفها متوافرة.

تخبُّط الدولة وعرقلة العودة

الدولة اللبنانية، التي فشلت في التعامل مع أزمة النزوح منذ عام 2011، بما يحفظ حقوق النازحين الإنسانية وكرامتهم، ويحمي المجتمع اللبناني في الوقت نفسه من تداعيات النزوح، تتخبّط مكوّناتها، متّهِمة بعضها البعض. ففي حين تتهم جهات باسيل بعرقلة إنشاء مخيمات للنازحين بين عكار والبقاع، وإصراره على وقف تسجيل النازحين، ما أوصل إلى ما وصل إليه هذا الملف، يرى «التيار» أنه هو مَن يحمل على عاتقه مواجهة هذه القضية وأنّ باسيل كان أوّل مَن

طلب إقفال الحدود بوجه النازحين ومَن يرصد القرارات الدولية في هذا الشأن ويقف لها بالمرصاد.
أمام هذا التخبّط الداخلي، حيث لم تعد للبناني ثقة بدولته لحلّ أيّ ملف، لاحت خشبة إنقاذ أعلنها بوتين بعد قمة هلسنكي في تموز 2018، وهي العمل مع الولايات المتحدة الأميركية لإعادة ‏ملايين اللاجئين السوريين من لبنان والأردن وتركيا إلى سوريا، خشبة إنقاذ، خصوصاً أنّ كلام بوتين تُرجِم سريعاً بوصول وفد روسي إلى لبنان لبحث المبادرة وتشكيل لجنة لمتابعتها.

إلّا أنّ المبادرة بقيت كلاماً لغاية الآن، حيث لا بوادر تلوح في الأفق لإعادة إحيائها وترجمتها.

تبخُّر المبادرة الروسية عزّز المخاوف اللبنانية، التي زكّتها أيضاً قرارات من النظام السوري، على غرار القانون رقم 10 الذي أقرّه الرئيس السوري بشار الأسد في الثاني من نيسان 2018، والذي حدّد شهراً للمواطنين، لإثبات ملكياتهم تحت طائلة مصادرتها، وما لبث أن أعلن وزير الخارجية السورية وليد المعلم في تموز، عن تعديل المهلة لتصبح سنة، بعد رسالة تلقاها من باسيل والجدل الذي أثاره القانون.

العودة الطوعيّة

قبل أن تلوح المبادرة الروسية في الأفق، شهد عام 2018 تنظيم العودة الطوعية للنازحين، تولّتها المديرية العام للأمن العام، ودخل على خط إعادة النازحين عدد من الأحزاب، أبرزها «التيار الوطني الحر» و»حزب الله». فأطلق باسيل في 12 تموز، اللجنة المركزية لعودة النازحين. كذلك شكّل «حزب الله» لجنة لتأمين عودة النازحين برئاسة النائب السابق نوار الساحلي، وافتتح مراكز ومكاتب لهذه الغاية.

من جهته، فتح الأمن العام 17 مركزاً في مختلف المناطق اللبنانية لاستقبال طلبات اللاجئين الراغبين بالعودة.

وعلى رغم أنّ هذه العودة طوعية، إلّا أنها ليست حرة، بل مرتبطة بموافقة النظام السوري، الذي تُرسل إليه الأسماء ويوافق على مَن يريد منها، ويرفض مَن يريد.

ونُظّمت الدفعة الأولى لعودة النازحين في 28 تموز 2018، وأعلن حينها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم أنّ نحو 400 لاجئ سوري، يمثلون الدفعة الأولى من النازحين السوريين سيعودون إلى أراضيهم بسوريا، مشيراً إلى أنه يتمّ التنسيق فى هذا الشأن المتعلق بالنازحين، مع مفوضية شئون اللاجئين، وتوجيه رسالة إليهم بتحمّل المسؤوليات اللازمة.

وفي 10 تشرين الأول، أعلن إبراهيم في حديث صحافي، انّ عدد اللاجئين السوريين في لبنان يبلغ نحو 1,3 مليون شخص. وأوضحت المديرية العامة للأمن العام أنّه اعتباراً من شهر تموز 2018 ولغاية تشرين الثاني بلغ عدد النازحين السوريين المغادرين إلى سوريا مستفيدين من التسهيلات المقدّمة من المديرية العام للأمن العام على المعابر الحدودية لتشجيعهم على العودة نحو 80 ألف نازح. كذلك، بلغ عدد النازحين الذين عادوا، خلال تلك المدة، ضمن حملات العودة الطوعيّة التي تنظّمها المديرية 7670 نازحاً.

وعلى رغم عراقيل عدة تُواجه عودة النازحين، ما زالت العودة الطوعية مستمرة، وما زال لبنان يُقاوم التوطين أو الدَمج.

ومع بروز تغيّرات على الساحة الإقليمية، وتحديداً السورية، في أواخر العام 2018، يبدو أنّ العام 2019 سيشهد تغيّرات بوتيرة أسرع، يأمل اللبنانيون والسوريون على حدٍّ سواء أن تكون على خط إعادة الإعمار لا مزيداً من الدمار، وعلى خط العودة إلى الوطن لا مزيداً من النزوح.

ويُنتظر من الحكومة العتيدة تكثيف العودة الطوعية للنازحين، إذ إنّ لبنان غير قادر على الاستمرار بتحمُّل النزوح، وإنّ نسبة كبيرة من المناطق في سوريا أصبحت آمنة.