IMLebanon

جمّلوا القمة… فصفَعتهم!

كتب نبيل هيثم في صحيفة “الجمهورية”:

سؤال على باب القمة الاقتصادية العربية: «أليس من الأفضل للبنان أن يوفّر على خزينته شبه المفلسة، المليارات الـ15 او الـ 20 التي رصدها لتنظيمها ويستثمرها في ما يعود بفائدة عليه وعلى شعبه؟

المبلغ متواضع بالنسبة الى دولة، ولكن في دولة محتاجة كلبنان، فمن شأنه أن يسدّ واحدة، ولو كانت صغيرة جداً، من ثغرات الازمة الاقتصادية والمالية التي يعيشها. فالمليارات المرصودة ذاهبة هباءً في تنظيم قمة، أصدق توصيف لها انها قمة «اللاشكل واللامضمون»، قمة فاشلة سلفاً، والتعويل على خروجها بنتائج، ليس فقط ضرباً من الجهل والمراهنة على حصان أعرج، بل هو ضرب من الحماقة.

التحضيرات المرتبطة بهذا الاجتماع العربي، معطوفة على تعاطي أهل القمة معها تؤكد:

– أنها ملتبسة، لجهة توقيتها الذي أفقدها معناها، خصوصاً انها تأتي قبل شهر وبضعة ايام من انعقاد القمة العربية العادية في تونس في آذار المقبل. أحد السفراء العرب يَتندّر على الغياب العربي بقوله: «القادة العرب، معروف عنهم، انهم لا يسافرون مرّتين، مرة الى بيروت ومرة الى تونس»!

– أنها فارغة من أي قيمة معنوية، يفترض ان تستحقها أي قمة، وذلك ربطاً بالمستوى التمثيلي الفاقع في هزالته وتدنّيه للقادة العرب. بحيث سيكون المستوى الرئاسي الحاضر فيها محصوراً بالرئيس ميشال عون والى جانبه رئيس او رئيسان، هذا اذا لم يعتذرا قبل انعقادها.

– انها فارغة من أيّ محتوي جدّي، يعكس عنوانها الاقتصادي، الذي يفترض أن يشمل الاقتصاديات العربية بهدف رسم خريطة طريق اعادة إنعاشها وبث النمو فيها، فيما هي اقتصاديات مهترئة لا تحسد على وضعها، وقد أنهكتها الأزمات والصراعات داخل كل دولة، والانفاق الضخم على الحروب والاشتباكات بين بعضها البعض.

ماذا يُنتظر من قمة من هذا النوع؟

المشهد عبثي: قمة بلا حضور. واذا كان المحضّرون للقمة يحاولون القفز فوق هذا المشهد، بالقول انّ مقرراتها ستعوّض الخلل الشكلي، خصوصاً انها صيغت منذ ايلول الماضي، وتم الاتفاق عليها بين القادة، فإنّ هذا الامر تنفيه النتائج الحقيقية للقمة، التي صدرت قبل انعقادها، وبيانها الختامي صاغَه إحجام القادة العرب في غالبيتهم الساحقة عن المشاركة، والاكتفاء بانتداب ممثلين عنهم، بعضهم دون المستوى الوزاري. وهو إحجام يأتي كإعلان مسبق بفشل القمة، ويعكس إقراراً صريحاً، من قبل القادة، بأنها قمة لا لزوم لها، ولا تقدّم ولا تؤخّر، وجلّ ما قد ينتج عنها، هو مضيعة للوقت، وتكبّد عناء السفر الى بيروت لا أكثر ولا أقل!

مستوى الحضور صار موضع تندّر، البعض يرى ان من الضروري تغيير اسمها من «قمة» الى «اجتماع عربي يحضره رؤساء ووزراء وموظفون». المسؤولون في الجامعة العربية «كمَن على رؤوسهم الطير» وهم عاجزون عن التبرير، والمتحمّسون لهذه القمة من اللبنانيين معنوياتهم مكسورة، لا يعرفون كيف يحفظون ماء الوجه، ومع ذلك يهربون الى الامام بالقول: «السبب الاساس في عدم حضور القادة العرب هو الاشتباك السياسي الذي حصل في لبنان قبل ايام»؟ في اشارة واضحة الى اعتراض حركة «أمل» على دعوة ليبيا الى القمة.

مشكلة المتحمسين في الداخل، أنهم كبّروا الحجر كثيراً، وكأنهم يعيشون في عالم آخر غريبين عن الوقائع العربية؛ قاربوا القمة بوصفها مسألة عائلية، او حدثاً حزبياً يعني طرفاً لبنانياً معيّناً، وتلبّستهم نظرة سطحية الى هذا الحدث، ومبالغة فاقعة في بَهرجة الامور، كانوا مأخوذين في «الشكل» فقط لجهة انعقاد القمة في بيروت، وليس في الجوهر. فتعاطوا معها كعاطل عن العمل عثر «بعد جهد جهيد» على وظيفة، فأخذته الفرحة ولم يعد يعرف ماذا يفعل. إحتاروا، تلبّكوا، وأفرطوا في تجميل الصورة، وتسويق القمة كحدث تاريخي في عهد الرئيس ميشال عون – لبنان سيترأس القمة، هنا تكمن الاهمية الكبرى- ومحطة استثنائية تعيد إحياء ثقة العرب بلبنان، عبر اختياره مركزاً ومنبراً للقمة الاقتصادية، بما يعكس الاعتراف بدوره الفاعل وموقعه على الخريطة العربية!

ولكن في موازاة هذا الجهد المبذول، ينبري سؤال بسيط: هذا الغياب العربي عن القمة، ماذا أبقى من الحدث التاريخي؟ وأين هو دور لبنان؟ وأين تجديد الثقة بلبنان؟ القادة العرب، وعلى وجه الخصوص قادة الدول العربية الكبرى الفاعلة والمؤثرة سياسياً واقتصادياً، صوّتوا مسبقاً على هذه الثقة، بغيابهم عن القمة؟! اضافة الى انّ جدول اعمال هذه القمة الذي يقال ان ليس من بين بنوده أيّ بند يتصل بإنعاش الوضع الاقتصادي المهترىء في لبنان! ومن هنا دخلوا في جبهات اشتباك داخلية متعددة!

ثمة نصيحة أطلقها الرئيس نبيه بري قبل ايام، ودعا فيها الى تأجيل القمة حتى لا يصطدم لبنان بقمة هزيلة، وناقصة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، ترتدّ سلباً عليه سياسياً ومعنوياً وعلى مستوى هيبته كدولة، فلبنان ليس في حاجة الى «مجرّد صورة»، خصوصاً انّ انعقاد القمة الاقتصادية العربية يسبق انعقاد القمة العربية العادية بشهر وبضعة ايام، وعلى الاقل حتى ذلك الحين، يمكن أن نعيد ترتيب البيت الحكومي، وساعتئذ يمكن ان يدخل لبنان الى قمة تونس بكامل معنوياته ومواصفاته السياسية والرئاسية والحكومية، وليس كما هو الحال اليوم، حيث يدخل القمة بمواصفات ناقصة، وحكومة تبدو من دون مستوى تصريف الاعمال.

دعوة بري هذه، ساقَها كمخرج، على الاقل لحفظ ماء الوجه اللبناني، ولكي لا يسجّل في تاريخ لبنان انعقاد قمة فاشلة على أرضه. لكنّ المثير في الامر، هو انّ فريق المتحمسين أدرج دعوة بري في خانة استهداف رئيس الجمهورية. فلماذا أدرجها بهذه الصيغة؟ لا احد يعرف! ولماذا اقترن هذا الادراج فجأة بافتعال اشتباك حول دعوة ليبيا الى القمة؟ لا أحد يعرف ايضاً!

ربما كان ذلك ناجماً عن تسرّع، او قراءة خاطئة لمشهد القمة، ذلك انّ الوقائع المرتبطة بها أثبتت انّ ما حذّر بري منه قد حصل لناحية هزالة الحضور، وتأكّد ذلك بمسلسل اعتذارات القادة العرب عن المشاركة فيها، بحيث أصبح تمثيلها من وزن الريشة السياسية بدل ان يكون من الوزن الثقيل، فهل يمكن إدراج هذه الاعتذارات في خانة استهداف رئيس الجمهورية ايضاً؟

لعل أهل القمة يتوسّلون الآن الزمن لتمضي القمة بأقل أضرار، وامّا لبنان الذي تلقّى صفعة موجعة في معنوياته، فمُدرك انه لن يستطيع ان يمحو هذه القمة الفاشلة من ذاكرته، فما سيحققه منها، هو اللاشيء على الاطلاق. بل على العكس، حصد وحده نتيجة مسبقة ارتدّت عليه بسلبيات تسببت بسوء تفاهم رئاسي ما يزال قائماً، وباشتباك داخلي عنيف حول دعوة سوريا، واشتباك أعنف حول دعوة ليبيا، اضافة الى انه لن ينال ما يمكن ان يرد له «رِسمال» التعطيل التربوي والجامعي، والاستنفار الامني الكامل والمكلف والشلل الاقتصادي الذي طال المؤسسات المنحوسة الواقعة ضمن نطاق انعقاد القمة.

خلاصة ذلك انّ لبنان بعد القمة ليس كما كان قبلها، إذ انه يدخل اليها مأزوماً، وسيخرج منها مأزوماً أكثر!