IMLebanon

مَن يحْرم لبنان منظومةَ دفاعٍ جوي؟

كتب إيليا ج. مغناير في صحيفة “الراي” الكويتية:

لم تكن سماء بيروت صافيةً في أحدِ انعقاد القمة التنموية العربية في العاصمة اللبنانية رغم النهار المشمس. فإسرائيل، التي غالباً ما تكون رسائلها حمّالة أوجه، اختارتْ استخدامَ الأجواء اللبنانية لشنّ هجماتٍ صاروخية ضد سورية، في وضح النهار وفي الليل أيضاً وكأنها أرادتْ تحدّي المُجْتَمِعين وإظهار ضعف لبنان وحرمانه من امتلاك نظام دفاع جوي يحمي سيادته.

الطائرات الإسرائيلية، التي غالباً ما تسْرح وتمْرح في الأجواء اللبنانية، ضربتْ أهدافاً داخل سورية وحول مطار دمشق بذريعة استهداف «ايران في سورية»، الأمر الذي أعاد الى دائرة الضوء السؤال القديم – الجديد: لماذا يُمنع لبنان من التزوّد بنظامٍ دفاعي يحمي أجواءه ويضع حداً لانتهاك سيادته؟

ثمة أطراف في بيروت تأخذ على المسؤولين اللبنانيين رفْضهم التزود بأسلحة مضادة للطيران. وفي اعتقاد هؤلاء أن الساسة اللبنانيين لا يريدون ذلك، فيما تُقَدِّم أميركا وبريطانيا الأسلحة غير الفتّاكة والدورات للضباط وأسلحةً تُستخدم للحروب الداخلية وبالتالي تمنع وصول أي سلاح يهدّد سلامة إسرائيل.

وهذا يدلّ في رأي هؤلاء على الانقسام السياسي، إذ توجد فئة تريد المحافظة على علاقتها الخارجية بعيداً عن مواجهة إٍسرائيل وأصدقائها. وتَعتبر الإدارة الأميركية وأصدقاؤها في الشرق الأوسط، «حزب الله» منظمة إرهابية خصوصاً بعدما أفشلت هذه المنظمة خطّةَ إسرائيل التوسعية في لبنان و«تغيير النظام» في سورية وتقسيم العراق.

وتبرّر أميركا عدم تسليح الجيش اللبناني بما يلزم بـ «الخوف من وقوع الأسلحة بيد حزب الله»، علماً ان الذين يعرفون الحزب عن كثب يقولون إنه عبارة عن جيشٍ عقائدي منظّم غير نظامي، مدرَّب تدريباً عالياً على شتى أنواع الأسلحة والحروب ومجهّز بأحدث الأسلحة بما فيها صواريخ أرض – أرض وأرض – جو تتناسب مع متطلّبات حركته السريعة وانتشاره بحسب طبيعة القتال لديه في حال حربٍ مع إسرائيل.

ويذكّر هؤلاء بأن «حزب الله» كان احتلّ مدينة بيروت خلال ساعاتٍ قليلة العام 2008 واستعاد جغرافيا أكبر بكثير من مساحة لبنان خلال الحرب السورية… قبل أن يخلصوا إلى ان أميركا لا تريد لبنان أن يُزْعِج إسرائيل ليترك لجيشها حرية التصرف.

وفي بيروت، ما من مقاربة واحدة لدور الولايات المتحدة، فثمة مَن يرى أن أميركا تتعامل مع لبنان بأسلوب متعالٍ كما ظَهَر خلال زيارة وكيل وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل بدَل حضور وزير الخارجية الذي جالَ على دول عربية عدة في الوقت نفسه.

وادّعى هيل أن أميركا هي التي قضتْ على «داعش»، بينما في رأي هؤلاء أن مَن هزم هذا التنظيم ومعه «القاعدة» في لبنان هو «حزب الله» مع مشاركةٍ رمزية للجيش اللبناني في المعارك الأخيرة. ولم يتردّد هيل في مهاجمة الحزب على أنه «ميليشيا لا يمكن لشعب لبنان أن يتعايش معها»، مُتجاهِلاً أن الحزب مكوِّنٌ أساسي من الشعب اللبناني الذي يخشى عليه هيل، وكذلك هو – أي الحزب – مدعومٌ من أكثر من نصف الشعب من شيعة وسنّة ومسيحيين ودروز.

ويتحدث هؤلاء عن أن هيل لم يتردّد في مسألة «اختيار الحكومة اللبنانية»، ملوِّحاً «بالعبء الاقتصادي» من أجل «تجنُّب المزيد من الضرر» إذا دَخَلَ «حزب الله» في الحكومة المقبلة، وهو الذي يملك نواباً ومدعومٌ من نحو ثلثي البرلمان مع حلفائه. وقد طالب الحزب بوزارة الصحة لخفْض سعر الدواء والحدّ من الفساد. ولا تريد أميركا رؤية وزارة تحت سيطرة «حزب الله» ينجح في إدارتها كي لا يزداد دعم المجتمع اللبناني له.

ورفع هيل من أهداف أميركا إلى مستوى لا يمكن الوصول إليه من خلال الوعود التي أطلقها «بطرْد إيران من سورية». وتتواجد إيران في العراق في غرفة عمليات مشتركة مع روسيا على بُعد مئات الأمتار من الأميركيين حيث يقدّم الجميع معلوماتٍ لدحر «داعش»، ولم يطلب العراق مغادرة هؤلاء.

وفي سورية، يختلف الوضع كثيراً إذ تملك هذه الدولة حدوداً مع إسرائيل التي تريد ضم هضبة الجولان. وتخاف تل ابيب من وجود «محور المقاومة» على حدودها حتى ولو لم يطلق الرئيس الأسد (الأب والابن) رصاصةً واحدة لأكثر من 30 عاماً قبل الـ 2011 على إسرائيل.

أما أميركا فهي تحتلّ جزءاً من الشمال الشرقي السوري، وتحتلّ منطقة العبور بين سورية والعراق في التنف. وأعرب الرئيس دونالد ترامب عن رغبته بالانسحاب فقط لمصلحة قوات احتلالٍ تركية أخرى لمحافظتيْ الحسكة والرقة حيث تنتشر القوات الأميركية.

تمارس أميركا الضغوط لمنْع عودة سورية إلى الجامعة العربية ومنْع إعادة الإعمار. وتفرض نفسها على لبنان لتُمْلي عليه ما يفعل وتهدّد بالمزيد من العقوبات لمواجهة «حزب الله» من دون جدوى، وتمْنع لبنان من الحصول على صواريخ دفاعية لمنْع إسرائيل من قصْف سورية. ومن الواضح ان نية الإدارة الأميركية هي إبقاء المشرق غير مستقرّ لمصلحة إسرائيل التي قال مسؤولوها إننا نفضّل «داعش» على حدودنا.