IMLebanon

إلى “الحكيم”: لا يمكن محاربة الفساد بالفاسدين! (بقلم طوني أبي نجم)

تحية “حكيم”… واشتقنالك.

أردت أن أوجّه إليك هذه الرسالة بعدما ترددت بكثرة في الفترة الأخيرة عبارة “التلاقي بين “القوات اللبنانية و”حزب الله” في محاربة الفساد” على لسان مسؤولين قواتيين كثر، كان آخرهم عن لسانك شخصياً في مقابلتك الأخيرة المنشورة في مجلة “المسيرة”، واللافت فيها، لا بل الصادم أكثر، أنك أضفت إلى الأفرقاء “المستعدين للانضمام” الى الحرب على الفساد “الحزب التقدمي الاشتراكي” وحركة “أمل” و”المردة” وغيرهم!

وانطلاقاً من مبادئ مدرسة الرئيس الشهيد بشير الجميل، وأنت المؤتمن عليها وعلى استمراريتها، أسمح لنفسي بالإضاءة على بعض النقاط:

ـ أولاً، إن تعريف الفساد في أي دولة لا يمكن أن يقتصر أو أن يُحصر بالقيام ببعض الصفقات والسمسرات على حساب خزينة الدولة. فأساس الفساد يكمن في تحدّي الدولة والدستور ومخالفة القوانين وانتهاك أبسط مبادئ قيام أي دولة، وفي هذا الإطار يأتي في لبنان وجود السلاح خارج إطار الشرعية والذي يمثل “حزب الله” أبشع وجوهه ومظاهره، وصولاً إلى حدّ ممارسة الاغتيالات والتفجيرات والعمليات الموصوفة عالمياً بالإرهاب، وهذا ما يشلّ قدرات الدولة، وأي دولة، على القيام بأي محاربة للفساد. نعم السلاح خارج الشرعية، ووجود جهاز أمني مرتبط بمحور إقليمي، والتحوّل إلى جيش عابر للحدود إنما يشكل إطاراً خطيراً للفساد، وخصوصاً بعد ضبط عناصر من “حزب الله” في كل قارات العالم تمارس كل أنواع تبييض الأموال والتجارة غير المشروعة خدمة لأهداف الحزب وإيران من خلفه.

ـ ثانياً، وبالوقائع الداخلية عن عمليات الفساد المباشر والمتهم ضمنياً “حزب الله” بالضلوع فيها أو التغطية عليها، ماذا يمكننا أن نسمّي التهرّب الجمركي في مرفأ بيروت، والذي تبلغ قيمته ما لا يقلّ عن 800 مليون دولار سنوياً لحساب مؤسسات وشركات وأفراد معروفين وتابعين لـ”حزب الله”؟ وماذا عن الممارسات المماثلة في مطار الرئيس رفيق الحريري في بيروت وعبر كل الحدود البرية للبنان؟ وماذا عن تورّط أشقاء مسؤولين من الحزب ومقربين منهم في تجارة الكابتاغون وتصنيعه، وفي ملفات الأدوية الفاسدة والمواد الغذائية المنتهية الصلاحية وغيرها الكثير؟ ومن يمنع محاسبة ويعمل على إخراجهم من السجن في كل مرة يتم توقيف أحدهم؟ وماذا عن مؤسسة “إليسار” المستمرة رغم دفن مشروعها، وكل الأموال التي دفعتها لمحسوبين على الحزب في منطقة الضاحية الجنوبية؟

ـ ثالثاً، أما بالنسبة إلى الأطراف الباقية التي ذكرتها، فماذا يمكن أن نسمّي كل الملفات التي هي برسم مجلس الجنوب المحسوب على حركة “أمل”، ووزارة المهجرين وصندوقها التي عبقت أخبار فسادها في كل المرحلة الماضية وحديث وليد بيك جنبلاط الشهير عن “الدفترين للمحاسبة”؟ وماذا عن الـ23 ألف رقم مميزة من لوحات السيارات التي تمّ توزيعها في عهد الوزير سليمان فرنجية في وزارة الداخلية وتراخيص البينغو وصولاً إلى روائح الالتزامات والزفت الذي يطوف بعد كل شتوة في عهد وزير “المردة” يوسف فنيانوس في وزارة الأشغال؟ وماذا عن تغطية الكثير من الممارسات في مطار بيروت والتي تهدّد اليوم بتخفيض تصنيف المطار اللبناني الوحيد مع ما يشكل ذلك من كارثة على المطار وسمعته دولياً؟

صحيح يا “حكيم” أن شبهات الفساد تحوم بقوة حول الكثير من الممارسات المرتبطة بعدد من وزراء “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل”، لكن ما يحوم حول الآخرين الذين ذكرت أنهم مستعدون لمحاربة الفساد لا تقلّ شأناً وهي روائح غير خفية وكانت سبباً أساساً في ما وصلنا إليه، إضافة إلى تواطؤ كل تلك الأطراف وشراكتها في الفساد مع نظام الاحتلال والوصاية السوري. ولا يمكن على الإطلاق حصر محاربة الفساد في وقوف أطراف إلى جانب “القوات” في التصدي لمشروع بواخر الكهرباء، لأن وقوف الأطراف المعنية في هذا الملف كان لغايات سياسية معروفة وليس لنظافة كفهم، ويقيناً لو أن حصصهم كانت محفوظة لمرّ مشروع البواخر بسلام!

لا أحد يشكك اليوم بنزاهة “القوات اللبنانية” واستقامتها، ولا أحد يشير إلى أي فساد يحوم حول أداء وزرائها، ولكن الثابت والأكيد أنه من سابع المستحيلات أن تتم محاربة الفساد مع الفاسدين، إلى أي حزب أو طرف انتموا، كما أن محاربة الفساد لا يمكن أن تتم بالتغاضي عن كل الفساد السابق، أو بالانتقائية في محاربة الفساد بحسب مقتضيات المرحلة الحالية والتحالفات السياسية.

إن ما دفعني إلى توجيه هذه الرسالة من القلب هو أنني اعتدت دائما أن تكون “القوات اللبنانية” حيث لا يجرؤ الآخرون، وكلي أمل في أن تبقى حيث لا يجرؤ الآخرون في محاربة الفساد وتسمية الأمور بأسمائها لا بالتعمية عليها أو بالانتقائية، تماماً كما كانت في السياسة وفي الحرب.

ودمت بألف خير يا “حكيم”.

ابن القضية،

طوني أبي نجم