IMLebanon

تناتُش نفوذ بين حليفي الأسد… يُشعل المواجهة الكبرى؟

كتبت سابين الحاج في “الجمهورية”:

تتصاعد وتيرة التهديدات بين إيران واسرائيل وحدّتها، حيث تتوعّد كلّ منهما الأخرى، وتُترجم هذه التهديدات غارات وصواريخ تضيء ليالي سوريا الحزينة، وتحذّر من إشعال فتيل مواجهة كبرى. ففيما يكرّر المسؤولون الايرانيون استعدادهم لإزالة اسرائيل من الوجود، تشقّ الطائرات الاسرائيلية سواد ليالي الشرق الأوسط لتستهدف مواقع «حزب الله» والحرس الثوري الإيراني وقوات النظام في سوريا. فاسرائيل تريد كبح تمدّد النفوذ الايراني داخل جارتها سوريا.

يرى الباحث في الشؤون السياسية والاستراتيجية العميد المتقاعد الدكتور نزار عبد القادر في حديث لـ«الجمهورية»، أنّ «استمرار اسرائيل في شنّ غارات كالتي شنّتها ليل الأحد- الاثنين الماضي، مكبّدةً الايرانيين والسوريين خسائر فادحة، قد يُشعر إيران أنّها تواجه خطر خسارة وجودها في سوريا، بعدما استثمرت مالياً وبالدم، لإنقاذ النظام السوري في الحرب التي يقودها منذ 2011».

ويؤكّد، أنّ خسارة ايران لموطىء قدميها في سوريا هو «خسارة كبيرة جداً للنظام السوري أيضاً، والذي بدأت إيران بدعمه منذ 1979، وبالتالي قد تحاول ايران إجبار اسرائيل على اعادة النظر في كل حساباتها وبالاستراتيجية التي تتّبعها».

ويشير عبد القادر، إلى أنّ إيران قد تقرّر خلط كل الأوراق لإخراج نفسها من هذا المأزق «محوّلةً الاشتباكات الاسرائيلية لاقتلاع الوجود الايراني من سوريا إلى حرب اقليمية، من خلال الإيعاز لـ«حزب الله» بفتح الجبهة الشمالية لاسرائيل مع لبنان».

ويُذكَر، أنّ معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى كان تحدث عام 2018 عن حرب كبرى مرتقبة في الشرق الأوسط، عام 2019، تأخذ الطابع الاقليمي.

ولكن، لفت المقال إلى أنّ إيران «أظهرت سعيها الى تجنّب الحروب التقليدية وما يترتّب عليها من خسائر فادحة لقواتها. وبدلاً من ذلك، تعتمد على تنفيذ عمليات بالوكالة وإرهاب وأنشطة مؤثرة لكن غير فتّاكة».

وأشار المقال، إلى أنّ «إسرائيل عازمة على تجنّب الحرب أيضاً، رغم أنّ أفعالها تُظهر أنّها مستعدة لقبول خطر التصعيد لمواجهة هذه التهديدات الناشئة». فهي «منذ عام 2013، نفّذت أكثر من 130 ضربة في سوريا ضد شحنات من الأسلحة الموجّهة لـ«حزب الله»، ومنذ أواخر عام 2017، وسّعت هذه الحملة لاستهداف المنشآت العسكرية الإيرانية في سوريا لكن دون أن يؤدي ذلك، حتّى الآن، إلى إثارة مواجهة أوسع نطاقاً».

بدوره، يرى عبد القادر أنّ «الحرب بين اسرائيل وإيران على أرض سوريا حرب محدودة ومن جانب واحد، أي أنّ اسرائيل تشنّ حرباً على الوجود الايراني في سوريا، لافتاً إلى أنّ تحذيرات أحد القادة العسكريين في الحرس الثوري حول توجّه إيران في الفترة المقبلة إلى خوض حرب مدمّرة ضد اسرائيل، قد تكون من المواقف الجوفاء التي يُطلقها بعض القادة، وبتكليف من القيادة العامة الإيرانية، دون ان تحمل ثقلاً سياسياً في آلية صنع القرار الإيراني».

ويقول: «أستبعد في الواقع أن نرى حرباً بين ايران واسرائيل أو بين سوريا و«حزب الله» من جهة واسرائيل من جهة أخرى»، وذلك استناداً الى أوضاع مختلف اللاعبين وأولوياتهم ومخاوفهم من اندلاع حرب وحساباتهم الخاصة.

تصعيد

في المقابل، يشير العميد المتقاعد، إلى أنّ «ما يثير الهواجس من أن تمتدّ الحرب لتشمل مشاركة أطراف عديدة، هو توجّه اسرائيل حالياً الى تحميل النظام السوري مسؤولية الوجود الإيراني على أرضه، فيما درجت سوريا، منذ عام إلى اليوم، على ان تستعمل شبكة الدفاع الجوي الموجودة لديها ضد الغارات الاسرائيلية على المواقع الايرانية، فشرعت اسرائيل ايضاً الى استهداف مواقع الدفاع الجوي السورية».

ويؤكّد عبد القادر، انّ تحميل اسرائيل النظام السوري مسؤولية الوجود الايراني في سوريا، ومسؤولية ردود فعله على الغارات الاسرائيلية، قد يوسّعان العمليات الاسرائيلية ضد مواقع النظام السوري العسكرية، ويرفعان من إمكانية حدوث حرب أوسع.

دور موسكو

وفي حين أعلن وزير الاستخبارات والنقل الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، دخول بلاده «مواجهة علنية ومفتوحة» مع إيران، وأنّها «لن تسمح لها بتثبيت وجودها في سوريا»، تلعب موسكو، صاحبة النفوذ الكبير في سوريا، على حبلين. فهي من جهة أعلنت تزويد النظام السوري بمنظومة الدفاع الجوي الصاروخية بعيدة المدى أس-300، ومن جهة أخرى تفتح «خط الاتصال الساخن» مع تل أبيب خلال شنها غاراتها في سوريا فاتحة لها الأجواء.

وتطلّ موسكو بعدها لتروي إنجازات قوات النظام في مجابهة الغارات الاسرائيلية وإسقاط صواريخها. مع العلم أنّ الغارات الاسرائيلية التي شُنّت ليل الأحد – الاثنين الماضي امتدت من جنوب دمشق إلى شمال السويداء، اي غطّت تقريباً كل الجنوب السوري واستُهدفت فيها المواقع الايرانية ومواقع الدفاع الجوي السورية.

ويرى عبد القادر، أنّ «موسكو تلعب لعبة مزدوجة، فهي متحالفة مع اسرائيل، وأيضاً لها مصالح ومتحالفة مع ايران». ويؤكّد أنّ «المصلحة الروسية الاستراتيجية تتعارض مع الوجود الايراني في سوريا».

ويضيف: «تريد روسيا أن تكون الآمر الناهي والقوّة الوحيدة الموجودة في سوريا، ولكن ما زال الدور الايراني ملازماً لها في هذه المرحلة بالذات، خصوصاً انها لا تريد أن تتواجه مع جزء من النظام السوري على الاقل، بسبب علاقات ايران العميقة والمتجذّرة مع بعض المسؤولين السوريين».

ويلفت إلى أنّ «إضعاف ايران وإخراجها من سوريا أمر يناسب روسيا وهي تساعد على تحقيق ذلك من خلال فتح الأجواء السورية امام الطيران الاسرائيلي لضرب ايران بهذه القوة».

أين اس-300؟

كذلك يشدّد العميد المتقاعد على أنّ «شبكة الدفاع التي أقامتها روسيا في سوريا قادرة على أن تشكّل خطراً على الطائرات الاسرائيلية خصوصاً، أنّ مداها بعيد ودقتها عالية وامكانية تشويشها ضئيلة، وبالتالي لو ارادت روسيا ان تمنع اسرائيل من الطيران في الأجواء السورية أو اللبنانية لما تجرّأت اسرائيل على فعل ذلك، ما يشير أيضاً الى ازدواجية الموقف الروسي».

ويوضح، أنّ «دمشق تستخدم صاروخ سام 5 البعيد المدى وهو قديم، استُحدث أخيراً وجُدِّد، وبات اسمه اس-200، بالإضافة إلى شبكة صواريخ «بانتسير» متوسطة المدى، وصواريخ «باك ام تو»، ولكن لم تستعمل حتّى الآن اي صاروخ اس-300 ضد الطائرات الاسرائيلية، وهذا أكبر دليل على أن منظومة اس-300 التي أعلنت روسيا تزويدها بها ليست في تصرّفها».

وفي هذا السياق، يعتقد كثير من الخبراء، انّ روسيا لم تسلّم منظومة اس-300 إلى قوات النظام السوري بعد، وأنها أحضرتها إلى قاعدة حميميم ولكنها لا زالت بعهدة الروس، بحجة تدريب السوريين عليها وتجهيزهم، وهذه العملية قد تمتد لأشهر أو حتّى لسنوات.

وجاء تأكيد رئيس لجنة الأمن القومي والسیاسة الخارجیة في البرلمان الإيراني، حشمت الله فلاحت بیشه، أنّ أنظمة الدفاع الجوي الروسیة اس-300 المنتشرة فی سوریا یتم تعطیلها خلال الهجمات الاسرائيلية، موجّهاً نقداً حاداً الى روسیا، ومتّهماً إيّاها بهذا التعطيل، ليزيد الفضول حول مصير أس-300 في سوريا، وليظهر بنحو فاقع مدى تدهور العلاقات بين روسيا وإيران حليفي نظام الأسد.