IMLebanon

سلام: بدعةٌ منطقُ أن تكون للرئيس حصة وزارية

كتبت صحيفة “الراي” الكويتية:

ما من أحدٍ في بيروت يُدْرِكُ المدى الذي بلَغَه بؤسُ الحياة السياسية اللبنانية وانكشافها على الخارج أكثر من رئيس الوزراء الأسبق تمام سلام، الذي قَبَضَ على «كرة النار» يوم آلتْ إليه عمليةُ تشكيل الحكومة التي استغرقتْ عشرة أشهر وتسعة أيام، محطّمةً الرقم القياسي في بلادٍ يتضاءل فيها رجالات الدولة وتَحْكمها الشهيةُ المفتوحة على السلطة وبأي ثمن، ويقفز من فوق حطامها الارتهان للخارج.

لم يأخذه الموقع حين تحوّل «الرقم واحد» في الحُكم مع ترؤسه «الحكومة الرئاسية» التي قامتْ مقام رئيس الجمهورية يوم أقفل تحالف «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون آنذاك و«حزب الله» أبواب البرلمان لعامين ونصف العام، وكانت عبارته الشهيرة «على الدوام» أن «الوضع غير مريح». فابن البيت السياسي العريق الذي بنى مداميك في استقلال لبنان كان يدرك المغزى الموجِع لحلول الفراغ في القصر.

وتمام بك، الهادئ والصلب والدمث والرصين والأنيق والصبور، اضطرّ يوماً الى «الضرب على الطاولة» وكاد أن ينفذ صبره مما وصفه «النفايات السياسية»، وقلْبُه الآن على الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري ومعه في مشوراه «الخشن» بعد دخول مساعيه المُضْنية للتأليف شهرها التاسع وسط فيتواتٍ داخلية قاتلة وتدخلات إقليمية سافرة في البلاد المعلَّقة فوق فوهة أخطار من كل حدب وصوب.

يبدأ حوار «الراي» مع الرئيس سلام بالسؤال حول هل يعتقد أن المحاولة الجارية حالياً لتشكيل الحكومة قد تنجح في الإفراج عنها فتكون «الثالثة ثابتة» أم أن مسار التأليف يمكن أن يكسر الرقم القياسي الذي تحمله حكومته؟

يعتبر «تمام بك» ان المقارنة بين الفترة التي تَطلّبها تشكيل حكومته وبين المرحلة الراهنة «أمرٌ غير عادل لأن الظرف يختلف»، ومع ذلك يقول: «الثابت أن الصراع الإقليمي والدولي قائم على قدم وساق. ومنذ أيام الوالد (الرئيس الراحل صائب سلام) رحمه الله كان يردّد عبارة (تحبل في بغداد أو القاهرة أو… وتلد في بيروت). وهذا يعكس واقع لبنان واحة الديموقراطية والحرية والتنوّع والذي غالباً ما يتحوّل ساحةً لمواجهات بين قوى إقليمية وحتى دولية، مع تسخير البلاد في سبيل هذه الصراعات».

ويضيف: «لطالما رددتُ في الفترة الماضية أن ثمة عوامل إقليمية ودولية تحول دون تأليف الحكومة وأبرزها المواجهة الإيرانية – الغربية أو الإيرانية – الأميركية تحديداً والتي يصادف أنها بأوجها في المرحلة الراهنة. وتالياً هذا المستوى من المواجهة لا يمكنه في رأيي أن يفسح أمام تسهيل ولادة الحكومة في لبنان».

ويستحضر الزيارة الأخيرة لوكيل الخارجية الأميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل لبيروت وآخر كلام معلَن قاله قبل مغادرته حول تفعيل حكومة تصريف الأعمال، ليشير الى «أن هذا يعكس أننا لم نخرج من مرحلة العجز عن تأليف الحكومة، وهذا لا يعني أن الولايات المتحدة تقف مباشرةً وراء ذلك بل القوى الأخرى التي تواجهها في المنطقة وأبرزها إيران، بما لها من نفوذ يمتدّ من طهران الى بغداد ودمشق وبيروت وغيرها. وهذا بات واقعاً نجد ترجماتُه في أكثر من ساحة وملف».

ومن هذه الزاوية يعود سلام الى «الشبَه» بين أزمة تشكيل الحكومة اليوم وما ساد إبان مرحلة تكليفه (ابريل 2013) وصولاً إلى ولادة حكومته (فبراير 2014): «حينها جاء الضوء الأخضر الإيراني بعد نحو 10 أشهر، وأدركْنا لاحقاً أن الأمر كان من ضمن اتفاق مع الأميركيين في ظل الدخول في زمن المفاوضات النووية التي أثمرتْ بعدها بنحو سنة ونصف سنة. وقد استخلصتُ هذا الأمر من اتصال الرئيس الأميركي حينها باراك أوباما بي فور تشكيل الحكومة. علماً ان (حزب الله) ترجم قرار التسهيل الإيراني آنذاك بموافقته المفاجئة على شروط التشكيل، من حكومة الثلاث ثمانيات، الى المداورة بالحقائب ولا سيما السيادية».

ولا يغفل في السياق نفسه «العامل المهم الذي شكلتْه حينها الحاجةُ الى تَدارُك الفراغ الرئاسي الذي كانت البلاد مقبلة عليه، ما جعل من تسهيل ولادة الحكومة مصلحة متعددة البُعد، ناهيك عن إبدائي والرئيس ميشال سليمان أواخر الـ2013 نيةً جدية بالذهاب نحو حكومة أمر واقع من 14 وزيراً».

وإذ يؤكد انه «حتى الآن لم ألمس أي تراجع في منسوب المواجهة الإقليمية – الدولية في لبنان يدفع للاعتقاد بأن أزمة التأليف اقتربتْ من الانتهاء»، يوضح رداً على سؤال «أن طهران غير مرتاحة أبداً في هذه المرحلة في ظل المواجهة مع واشنطن والغرب، والمرشد الأعلى علي خامنئي أعلن وللمرة الأولى أخيراً أن بلاده تعاني اقتصادياً جراء القيود المفروضة عليها، والجميع يعرفون أن ثمة مواجهات مباشرة في سورية والعراق، وهذا كله لا يساعد على ان تنحو طهران، كما حصل قبل نحو خمسة أعوام، في اتجاه تسهيل تأليف الحكومة في لبنان».

وإذ يسترجع «اصطناع ما عُرف باللقاء التشاوري (النواب السنّة الستة الموالين لحزب الله) في الدقائق الأخيرة (نوفمبر الماضي) لوضْعه – رغم كل التبريرات والتسويق – حجرَ عثرة في وجه التأليف ثم كلام السيد حسن نصرالله حينها عن فترة أربعة أو خمسة أشهر (قبل ان تبدأوا بمحاسبتي)، يتوقف في السياق عينه عند موقفٍ للقيادي في الحزب الشيخ نبيل قاووق قبل نحو أسبوعين لمّح فيه إلى إمكان ان تطول الأزمة 8 أشهر جديدة» وهذا ما يؤكد أن الضوء الأخضر لم يصدر بعد للإفراج عن الحكومة.

وفي ظلّ هذا الواقع المتشابك والذي قد يزداد تعقيداً بعد مؤتمر وارسو الذي يرجّح أن تكون إيران و(حزب الله) على جدول أعماله، لا يتوانى سلام عن تأكيد أن «الأفق غير مريح، ومن هنا المطلوب من القادة اللبنانيين التعقّل، بقدر ما هو مسموح»، متوقفاً في هذا الإطار «عند خطورة تَقاطُع عدم بروز مؤشرات لوجود رغبةٍ إقليميةٍ في تسهيل ولادة الحكومة مع تحدٍّ كبيرٍ يتّصل بالقدرة على الصمود الاقتصادي – المالي في البلد، وهذا أمرٌ لم يكن مطروحاً عام 1013 – 2014»، ويقول: «بشطارته وكفاءته، يتولى حاكم مصرف لبنان خصوصاً حياكة إجراءات لتفادي بلوغ المحظور. ومع ذلك، لا ينفك يقول انه يقوم بأكثر من المستطاع و(اذا لم تساعدوني سياسياً لا تلوموا إلا أنفسكم)».

وتستوقف سلام «أوركسترا» تعمل على مدار الساعة «وتعمد إلى رمي العرقلة على الرئيس المكلف سعد الحريري، في حين أنه أكثر مَن قدّم وماشى وتَفَهَّم على مدى الأشهر الماضية، ولكن النتيجة تشبه المَثَل القائل (قلبي على ولدي وقلب ولدي على الحجر). فالرئيس الحريري قلبُه على الوطن فيما الآخرون، الذين يفترض ان يتعاونوا معه ويكررون أنهم يرغبون في أن يدعموه ويساعدوه وأنهم يريدون حكومة، عندما يصل الأمر الى الترجمة، يضعون له العصي في الدواليب»، منبّهاً الى «تداعيات أي قفزٍ فوق الواقع الذي أكدته الانتخابات النيابية لجهة كون الرئيس الحريري الأكثر تمثيلاً لمكوّن أساسي في البلد».

وهل يشاطر ما يتداوله البعض همْساً عن إمكان وجود رغبة إقليمية في ترْك الواقع اللبناني ينهار من البوابة المالية ليعاد تركيب نظام لبنان على وهج تقاسُم النفوذ وإعادة تركيب المنطقة؟ يجيب: «لا شك أنه على مدى العامين  الماضييْن وأكثر شهدنا الكثير من الأعراف على صعيد ممارسة الحُكم، وهي أعراف تُبْعِدنا عن الدستور والميثاق وعن اتفاق الطائف، ومن شأنها أخْذ البلد إلى آفاق مجهولة في موازاة واقعه المتردي اقتصادياً. وتالياً، بحال، لا سمح الله، حصول نوع من انهيارٍ مالي، فإن الأمور تصبح مفتوحة على كل الاحتمالات. ربما هناك مَن يرغب في ذلك، ولكن حتى إذا كان يراد إعادة النظر في التوازنات والدستور، فهذا لا يمكن أن يحصل في مثل هذه الظروف».

ويشير حيال «مسلسل الأعراف» الى الاجتماع الذي عُقد قبل أيام في القصر الجمهوري ‏حيث استدعى رئيس الجمهورية وزير المال ورئيس لجنة المال البرلمانية وبحث معهم في الواقع المالي، وقال: «هذا ليس دور رئيس الجمهورية بل رئيس السلطة التنفيذية أي رئيس الوزراء، وهذا عُرف جديد فضلاً عما ‏شهدناه في مسار التأليف من أعراف تَصدّينا لها (كرؤساء حكومات سابقين) على قاعدة أن مَن يشكّل الحكومة هو الرئيس المكلف وليس رئيس الجمهورية الذي يوقّع مرسوم التشكيل مع رئيس الوزراء. أي أن موافقة رئيس الجمهورية ضرورية ولكن ليس هو الذي يتولى التأليف وفق ما أوحى به بيانٌ كان صدرَ عن القصر الجمهوري، بعد تسلُّم الرئيس عون صيغة للتشكيلة الحكومية من الرئيس المكلف في سبتمبر الماضي، وتحدّث فيها عن معايير حدّدها (عون) لشكل الحكومة».

كما توقّف سلام «عند ما شاهدناه من انعقاد البرلمان في ظل حكومة تصريف أعمال بذريعة تشريع الضرورة قبل أن يتوسع الأمر نحو تشريعات أخرى، فيما الحكومة ‏المستقيلة تتعهّد أمام مجلس النواب، كيف هذا؟ كل هذه ممارسات لا تساهم في تحصين البلد والدستور بل تمضي في الذهاب الى بدع جديدة، حتى بتنا نرى ان وزراء هم الذين يؤلفون الحكومة، وهذا لا يجوز».

انطلاقاً مما عبّر عنه كلام الأمين العام لحزب الله، حين احتجز الحكومة تحت عنوان توزير النواب السنّة الموالين له، من دخول الحزب شريكاً ثالثاً في تأليف الحكومة، يعتبر سلام «أن كل القوى السياسية صارتْ شريكةً في التأليف، وتتفاوت شراكتها، من خلال ما تمثّله وحجم قوتها. والبعض يمارس ذلك على مستوى المطالبة بحصص معينة، والبعض الآخر على مستوى فرْض حصص وأحجام معيّنة، ومع الأسف هذا لا يساعد أبداً».

وهل يعتبر «أنّ إصرار (حزب الله) على تمثيل (مجموعة الستة) هو فقط ذريعة لتأخير التأليف أم يعبّر عن رغبة في استكمال الدخول الى (الحديقة السنية) وهو المسار الذي بدأ في الانتخابات النيابية من خلال قانون النسبية؟ يجيب: (الأمر ذريعة لعرقلة التأليف، ومن جهة أخرى هو في سياق التمادي في التعاطي داخل مكوّنٍ آخر وادعاء الحرص عليه أكثر من أبناء المكوّن أنفسهم. وطبعاً هذا البُعد أيضاً موجود. والجميع يذكر ماذا حصل في إحدى الحكومات عندما تنازلوا عن وزير شيعي لمصلحة وزير سني في سابقةٍ ضمن سياق السعي للتدخل في شؤون مكوّن آخر».

وحين نقول له: لكن توزير ممثّل لـ«مجموعة الستة» بات أمراً واقعاً والنقاش يدور حول تموْضع هذا الوزير، يجيب: «لا نعرف ذلك. كله كلام، وما أعرفه أن الرئيس المكلّف منزعج الى أقصى الحدود من كل التراكمات وأهدافها وأبعادها».

وكيف يفسّر إعلان الرئيس الحريري هذا الأسبوع «أسبوع حسْم» حكومياً؟، يردّ: «أعتقد أنه كي لا يلومه أحد بحال لم تسِر الأمور كما يجب لاحقاً. هم يدّعون أنهم غير مسؤولين ولا يعرقلون، والرئيس المكلّف وكأنه يقول (وصلتْ معي الأمور الى الآخر، ولكن أعطي فرصة جديدة لأرى)».

وعندما نقول له: ما الخطوة التالية بحال لم يُحسم أمر التأليف هذا الأسبوع، وهل الحريري في وارد الاعتذار. يردّ: «كل الاحتمالات مفتوحة».

وماذا ينصح الرئيس الحريري؟ يجيب: «عندما يطلب مني النصيحة أفعل ذلك، لأنه يستحقّ كل الدعم والمؤازرة في هذه المِحنة التي يمرّ بها»، معرباً عن رفْضه تعويم الحكومة ومعارضته «أن يأخذ تصريف الأعمال بُعداً آخر. لأننا سنكون أمام عُرف جديد قد يعتمدونه ويعوّموا الحكومة ستة أشهر إضافية أو سنة، وتالياً تنتفي الحاجة لتأليف حكومة».

في أحد توصيفات أزمة التأليف أنها صراعٌ على الثلث المعطّل بين «التيار الوطني الحر» و«حزب الله». وبين المنظّرين للثلث المعطّل مَن وضعوا هذا الأمر في سياق محاولة إحداث توازن بين رئاسة الجمهورية ورئيس الحكومة في السلطة التنفيذية. لكن سلام يقول بحزم «إن رئيس الجمهورية دستورياً رأس الهرم والمرجعية التي يفترض ان يلجأ اليها الجميع، والمطلوب أن يكون على مسافة متساوية من الجميع، وألا يكون طرفاً كي يكون لكلمته تأثير. وصودف الآن أن رئيس الجمهورية لديه حزب ممثَّل في البرلمان بكتلةٍ ويجب ان تنال حصّتها ككتلة. أما رئيس الجمهورية ومَنطق أن تكون له حصة وزارية في الحكومة، فهذا في رأيي بدعة. ومنذ أن بدأ الرؤساء بعد الطائف يحصلون على وزراء أخذت الأمور تتجه نحو مسارات غير سليمة. فرئيس الجمهورية هو رئيس البلاد وكل مجلس الوزراء ينبغي ان يكون له».

ويوضح رداً على سؤال أنه إبان تشكيل حكومته في عهد الرئيس ميشال سليمان كانت للأخير حصة وزارية «إذ كنا بحاجة في ظل تشكيلة الثلاث ثمانيات، الى كتلة وَسَطية لا تكون مع 8 ولا مع 14 مارس. وهكذا كان».

وكيف قرأ كلام البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي عن هواجس حيال محاولة تغيير النظام والهوية والمثالثة والمؤتمر التأسيسي؟ وهل يشارك البطريرك هذه الصرخة؟ يردّ: «إلى حدّ بعيد. البطريرك في إبرازه هذه الهواجس عبّر بكثيرٍ من الوضوح عن غيرته على البلد ومستقبله، وحذّر على طريقته مما نحن فيه ولا سيما ما قد يُضعِف الدستور والطائف الذي دفع البلد أثماناً باهظة جداً لإرسائه. ومع الأسف، منذ إقراره حتى اليوم، لم يُعط هذا الدستور فرصةً جيدة لترْجمته واستكمال بنوده تنفيذياً ليكون ممْكناً في ضوء ذلك القول إنه نجح أم لا. إذ باكراً جرى اعتماد أعراف خارج دستور الطائف، ومن أول الطريق جرى الحدّ من إمكان تطبيقه او تطويره».

وهل يؤيد تالياً الانطباع بأنه بعد «النسخة السورية» من اتفاق الطائف بين 1991 و 2005، فإن لبنان بات أمام «النسخة الإيرانية» منذ بدء مسلسل تكريس أعراف انطلقتْ عملياً منذ 2006 مروراً باتفاق الدوحة وما تلاه حتى اليوم؟ يجيب: «التأثيراتُ الخارجية على لبنان ولا سيما الإقليمية لم تتوقف. وتَفاعُل العديد من القادة السياسيين أو الأحزاب في لبنان معها قائم على قدم وساق. والبعض لا يمكنهم أن يفصلوا أنفسهم عن هذه التأثيرات المتمثّلة بدول إقليمية».

ويضيف: «تَمَدُّد النفوذ الإيراني أكبر بكثير اليوم مما كان عليه قبل أعوام، في مقابل انحسارٍ وضعفٍ عربي. وعندما يختلّ التوازن على هذا المستوى، ندفع الثمن».

واحدة من المعطيات التي واكبتْ تأليف حكومة الرئيس سلام العام 2014 كانت ملاقاة مرحلة الشغور الرئاسي، فيما يسود انطباعٌ الآن بأن واحدة من المشكلات التي تعترض ولادة الحكومة الحالية تتصل بالانتخابات الرئاسية المقبلة التي يبدو أن معركتها انطلقت باكراً. ويقول سلام عن ذلك: «هذا الجانب حاضرٌ في مكان ما. وفي شكل عام الصراع الماروني – الماروني على رئاسة الجمهورية في لبنان أمرٌ دائمٌ وهو يَضْعف أحياناً ويقوى أحياناً أخرى بحسب الظروف. ولطالما شكّل هذا الصراع مصدر (وجع رأس) للبنان، لأن المسيحيين والموارنة مكوّن أساسي، وعندما تحصل انقساماتٌ وضعضعة في صفوفهم ينعكس ذلك على لبنان».

وألا يعتقد أن إصرار «التيار الحر» على مطلب 11 وزيراً مرتبطٌ بالرئاسة؟ يجيب: «في رأيي أن الأمر يتصل بالتمادي في بسْط نفوذ فريقٍ معيّن في البلد من خلال الاستيلاء على المراكز والمناصب والمشاريع وكل ما يتبع، ربما تحضيراً لانتخابات رئاسة الجمهورية عندما يحين موعدها. ولكن في شكل عام، هذا تعبير عن منحى استيلائي تَسَلُّطي غير منضبط وغير واعٍ يأخذ البلد الى أماكن تزعج الجميع، في موقع أو آخر، أو في قضية أو أخرى، تزعج حلفاء هذا الفريق وخصومه في الوقت نفسه».

وحين نسأله: سبق أن قلتَ ان الرئيس الحريري في «مركب خشن» ويقاتل على أكثر من جبهة، في حين ان الرئيس عون قال مرة إنه يريد رئيس الحكومة قوياً ويرفض إضعافه؟ فيجيب: «هذا الكلام الذي يتردد كثيراً حول الرئيس القوي والكتلة القوية يطرح السؤال الآتي: القوة على مَن؟ نحن لا نحتاج الى مفردات القوة والقوي، والمطلوب التواضع في البلد. القائد والزعيم يتواضع ولا يمارس القوة».

ونسأله لماذا أسميتَه سابقاً «جبروت»، يردّ: «طبعاً جبروت. وهذا الجبروت لا يفيد في البلد. والتجبّر والمواقف الإعلامية التي نراها في شكل دائم من قبل (التيار الحر) ورئيسه ومسؤوليه، هذا لا يريح البلد. ونعم يجب ان يكون العفو عند المقدرة، ليس ان تكون المقدرة للسيطرة. وحتى فائض القوة عند (حزب الله) مطلوب أيضاً توظيفه لإنقاذ البلد بمشاركة الجميع وليس لفرْض مواقف معينة».

وعن القمة العربية التنموية التي عُقدت في بيروت وما رافقها من مستوى تمثيلٍ هزيل… وما الرسالة التي أريد إيصالها إلى لبنان؟ ومّن يتحمل مسؤولية ما جرى؟ يجيب الرئيس سلام: «تتحمّل المسؤولية القوى السياسية في صراعها الداخلي الذي لا يوحي بالثقة لا داخلياً ولا خارجياً. وبالتالي نعم، كانت هناك مجموعة من المواقف التي استُفزّ فيها العرب بشكل مباشر أقرب إلى التحدي. فكان من الطبيعي ألا يُقْدِموا على المشاركة في القمة بمستوى تمثيلٍ رفيع. ويجب ألا ننسى أنه في فترةٍ أعطي انطباعٌ بأن الأمور في لبنان (فلتانة) ما أوحى بأن المناخ غير متوافر لإنضاج قمة من هذا النوع، فكان ما كان. ومع الأسف، شكلاً وتنظيماً، القمةُ مضتْ وأُنجزتْ، ولكن قيمةً وفاعليةً وإنتاجيةً، فان الأمرَ بعيد كل البُعد عما كان يمكن أن يتحقق في هكذا مؤتمرات قمة».