IMLebanon

بعد تجدد أزمة النفايات… هذه هي لائحة المتهمين

كتبت صحيفة “الأخبار”: بما أننا متجهون، حتماً، إلى خطة طوارئ جديدة للنفايات، أو على الأصح إلى «توسيع» الخطة الحالية السيئة القائمة على ردم البحر وطمر النفايات، في انتظار اعتماد خطة أخطر تقوم على المحارق… باتت المحاسبة ومعرفة المسؤول عمّا وصلنا إليه أمراً ملحاً، لا سيما أننا على أبواب حكومة يؤمل أن تقطع مع كل المراحل السابقة، وإن كان الأمل بذلك ضئيلاً.

لائحة المتهمين والمقصّرين في هذا الملف طويلة جداً. وهي تضم كل الحكومات المتعاقبة بعد انتهاء الحرب، والتي لم تساهم أي منها في نقل هذا الملف من حالة الطوارئ إلى رحاب الخطط المستدامة والإطار التشريعي اللازم وتحديد المسؤوليات وتوزيعها مركزياً ولا مركزياً. أزمة العام 2015 كانت الإنذار الأكثر دويّاً بضرورة المعالجة الاستراتيجية لهذا الملفّ ووقف المعالجات الترقيعية، إلا أن الحكومة الحالية أخفقت طوال أكثر من سنتين في تحقيق نقلة نوعية، أو على الأقل وضع إطار استراتيجي وتحسين خطط الطوارئ لتخدم فترات أطول وبشروط أفضل، ريثما يتم بلورة الحل المستدام.

في الأزمة الجديدة، الآتية حتماً بعد بلوغ المطامر الشاطئية قدرتها الاستيعابية بحلول آخر نيسان المقبل، تقع المسؤولية الرئيسية في سوء إدارة هذا الملف على وزير البيئة طارق الخطيب، سواء لجهة غياب الرؤية الاستراتيجية للحل وتناقض المواقف (كوضعه شروطاً تعجيزية للمحارق ثم الموافقة عليها من دون تحفّظ)، أو لجهة عدم مراجعة خطة الطوارئ التي وُضعت عام 2016 (على سوئها) وتقييمها قبل فوات الأوان، وقبل عودة النفايات إلى الشوارع في المتن وكسروان وقسم من بيروت مع نفاد قدرة مطمر الجديدة على الاستيعاب (1300 طن يومياً). ناهيك عن إهماله إجراءات غير معقّدة تسمح بتحسين الخطة وتحصينها، من قبيل مساعدة البلديات على الفرز من المصدر لتخفيف كمية النفايات التي تذهب إلى المطامر، واقتراح ضريبة على أكياس النايلون وأغلفة السلع للتخفيف من استخدامها.

مسؤولية «المجلس»

ولمجلس الإنماء والإعمار، أيضاً، حصة كبيرة من المسؤولية عما آل إليه ملف النفايات. إذ إنه المخطّط والملزّم والمشرف على التنفيذ. فالقيّمون على المجلس لم يأخذوا يوماً بالانتقادات، لناحية ضرورة إنشاء المزيد من معامل الفرز والتخمير. ولم يأت اقتراح إنشاء معمل تسبيخ للمواد العضوية في الكوستابرافا وتحسين الفرز في العمروسية والكرنتينا، إلا بعدما بلغ مطمر الكوستابرافا قدرته الاستيعابية بسرعة قياسية. والأمر نفسه ينطبق على الخيار المتأخر جداً بتوسيع معمل الكورال ليستوعب 700 طن بدل 300 طن النفايات العضوية يومياً. وهو ما كان مفترضاً أن يتم منذ 20 سنة، عندما طالبت الشركة المتعهدة (سوكلين) بضرورة إنشاء معامل جديدة، أو توسيع المعامل الموجودة، بعد زيادة عدد البلديات التي كانت تخدمها. ومن المؤكد أن توسيع المعمل آنذاك، كان سيحول دون أن يصل مطمر الناعمة إلى نهاية قدرته الاستيعابية بهذه السرعة، ولما كنا وصلنا إلى أزمة 2015.

صحيح أن المجلس لا يتحمل مسؤولية عدم وجود خطط استراتيجية، وهو ينفذ قرارات السلطة السياسية ومجلس الوزراء، إلا أنه هو من يقترح على مجلس الوزراء الخيارات المشكوّ منها الآن. وإذا كان صحيحاً، أيضاً، أنه يتعامل دائماً مع خطط طوارئ، بعد تأخر السلطات في اتخاذ القرارات في الوقت المناسب، إلا أنه – في الغالب – لم يحترم القواعد الأساسية لهذه الخطط، ولا قام بالدور الرقابي الحازم على مدى التزام المتعهدين بتطبيق العقود. وليس أدل على حال التخبط والتنصل من المسؤوليات، أكثر من البيان الذي أصدره المجلس أول من أمس للرد على الشكاوى من الروائح التي تصاعدت مؤخراً من مطمر برج حمود، وتحميله جزءاً من المسؤولية للمعترضين الذين قطعوا طريق المطمر سابقاً. فهل يمكن فهم هذا البيان كمقدمة لرفع المسؤولية مسبقاً عما يمكن أن يحصل في الفترة المقبلة بعدما انتهت المهل قبل القيام بعمليات التوسيع، وكرسالة إلى من يفترض أن يجددوا اعتراضاتهم على التوسيع وعلى حلول الترقيع المكلفة؟

مسؤوليات حزبية وبرلمانية

صحيح أن التدخلات السياسية ومصالح الأحزاب السياسية المسيطرة (على البرلمان والحكومة والمجالس البلدية) ساهمت في عرقلة الخطط أو تخريبها، إن لناحية المطالبة بحصص معينة للقبول بإنشاء المطامر والمعامل، أو لناحية عرقلة التنفيذ والتسبب بالمزيد من الخسائر… إلا أن المجلس لعب دوراً كبيراً في «هندسة» الكثير من التسويات المكلفة جداً على الخزينة والبيئة والصحة العامة.

وهنا يأتي دور أحزاب السلطة التي يفترض محاسبتها. فهي بالنتيجة التي تقرر موقفها من حقيبة وزارة البيئة عند تشكيل الحكومات، وهي تتحمل مسؤولية القرارات البيئية التي تتخذ في مجلس الوزراء والتي توافق عليها من دون دراسة أو دراية، أسوة بما تفعله في ملفات أخرى، قد لا تكون أكثر أهمية وخطورة.

والمسؤولية موصولة لممثلي الشعب في البرلمان الذين عليهم أن يراجعوا أكثر الملفات البيئية الحساسة والوطنية، خصوصاً من اختار منهم الدخول في لجنة البيئة النيابية. وهي، بالمناسبة، لم تعقد منذ الانتخابات النيابية الأخيرة إلا اجتماعاً واحداً للتعارف بسبب انشغالات رئيسها الوزير مروان حمادة!

أية معارضة؟

أما لناحية المعارضة البيئية المتوقعة، عندما تشتد أزمة النفايات، فكيف ستبدو الصورة، في ظل اتضاح أن الاتجاه هو لتسويق صفقة بين بعض الأطراف المشاركة في الحكومة الحالية والمقبلة، تقضي بتوسيع المطامر لحين إتمام صفقة المحارق بعد الحصول على تمويل من مؤتمر «سيدر». كيف ستتم مواجهة هذه الخيارات الخطيرة في ملف إدارة النفايات؟ وأية معارضة ستتبلور غير تلك التي عرفتها الساحة إثر أزمة العام 2015 والتي لم يظهر فيها بداية إلا «جمعيات الكرتون» وجمعيات الصالونات والعلاقات العامة؟ وماذا ستكون مواقف الأحزاب، غير تلك التي ستتسلم حقيبة البيئة وتلك الموجودة خارج الحكومة؟ وماذا سيكون موقف الناشطين في مناطق المتن وكسروان وبيروت المعنية مباشرة بوصول مطمر الجديدة إلى الذروة والبحث عن بديل أو عن التوسيع وردم البحر مجدداً؟ من من هؤلاء سيحاسب ومن سيعارض… ومن سيفاوض لاحقاً، وعلى أي أساس؟