IMLebanon

إيران للعراقيين: لا تهاجِموا القوات الأميركية إلا إذا…

كتبت ايليا ج. مغناير في صحيفة “الراي” الكويتية:    

سبّب تصريح الرئيس الأميركي حول «بقائه في العراق لمراقبة إيران» عاصفةً سياسيةً في بلاد ما بين النهرين، إذ طالبتْ أحزابٌ سياسية في حكومة بغداد بالتدخل لوضع حدّ لما يخطط له دونالد ترامب والذي يَخْرُج عن سياق المهمة التي سُمح من أجلها للقوات الأميركية بالبقاء في العراق.

وقد ردّ الرئيس العراقي برهم صالح على ترامب بقوله إن الإدارة الأميركية «لم تأخذ موافقة الحكومة العراقية – ولن تأخذها – لمراقبة إيران من العراق».

وتتواجد القوات الأميركية منذ أغسطس 2014 عندما احتلت قوات «داعش» ثلث العراق وبعدما رأت الإدارة الأميركية أن تَباطؤها بالتدخل لدعم حكومة بغداد أفسح المجال أمام إيران للإسراع في تقديم السلاح والمستشارين العسكريين لبغداد وأربيل. وسبّب عدمُ التدخل الأميركي دعوةَ السيد علي السيستاني، المرجع الديني الأعلى، لإنشاء «الحشد الشعبي» لوقف التقدم الداعشي. وعندها فقط تدخّلت أميركا لمساعدة العراق، وقد أنشأت بغداد في المنطقة الخضراء داخل العاصمة مركز عمليات مشتركاً يتواجد فيه ضباط كبار عراقيون وروس وإيرانيون وسوريون للتنسيق الأمني والإستخباراتي للقضاء على «داعش» وتبادُل المعلومات.

وقد زاد عدد القوات الأميركية التي كان من المفترض ألا يتعدى عشرة آلاف جندي إلى 34000 جندي وضابط منتشرين في نحو 31 مركزاً وقاعدة تتواجد فيها أيضاً قوات عراقية.

ولاحظتْ مصادر مهتمّة بالشأن العراقي كيف ان ترامب حضر في احتفال أعياد الميلاد ورأس السنة إلى قاعدة عين الأسد، غرب الأنبار، سراً، من دون ان يستقبله أي من الرؤساء العراقيين الثلاثة. وعبّرت مصادر حينها عن اندهاشها من قيام ترامب «خلسة» بزيارة بلدٍ تنتشر فيه قوات أميركية كبيرة، بينما يحضر وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى بغداد ويزور النجف وكربلاء ويبقى في بلاد ما بين النهرين ثلاثة أيام من دون وجوب التخفي في وقت لا تتمرْكز في العراق أي قوات نظامية إيرانية.

وقد هدّدت كتائب وتنظيمات عسكرية عراقية – قاتلت «داعش» – بضرْب القوات الأميركية إذا لم تغادر العراق. بينما – حسب مصدر في مركز القرار في بغداد – «ان هذه التنظيمات لن تضرب هذه القوات اليوم». فقد دعت إيران – بحسب المصدر – كل حلفائها «الى الالتزام بالصبر وعدم التسرّع باستهداف القوات الأميركية، إلا إذا رفضتْ الخروج بعد ان يقرّر البرلمان العراقي بالأكثرية وجوب مغادرتها من البلاد». وفقط عندها – يضيف المصدر – «تصبح هذه القوات محتلّة وبالتالي يصبح إجبارُها على الخروج مشروعاً ومهمة المقاومة والدولة العراقية».

وثمة منَ يعزو في بغداد مراقبة القوات الأمنية العراقية لكل التحركات الأميركية في البلاد الى اقتناعٍ بأن هذه القوات تُعتبر مصدراً للفتنة وأنها لا تضمر الخير للعراق. وقد تصدّت الأسبوع الماضي قوات من «الحشد الشعبي» لدورية أميركية راجلة في الموصل وأجبرتْها على الرجوع من حيث أتت لاعتبارها أنها تتدخل في الشؤون الأمنية وأن مهمتها مكافحة الإرهاب وتقديم التدريبات وليس تدريب عناصرها على الدوريات الراجلة في العراق وبالأخص في الموصل.

وتحتفظ القوات الأمنية العراقية بثأرٍ من القوات الأميركية بسبب قصفها لمراكزها بالطيران على الحدود العراقية – السورية. وقد حاولت أميركا ان تلقي اللوم على إسرائيل في ذلك تارةً، وتارة أخرى قدّم المسؤولون الأميركيون الاعتذار مراراً وتكراراً للمسؤولين العراقيين بأن هذه الضربة لا تعنيهم ولا مسؤولية لهم فيها خوفاً من ردّ الفعل العراقي.

ويقول المصدر في مركز القرار في بغداد، «ان البرلمان العراقي يحتاج لبضعة أشهر للخروج بقرارٍ بمغادرة القوات الأميركية بعد التنسيق مع القوات الأمنية والحكومة العراقية كي يأتي القرار كصوت واحد أو على الأقل صوت الغالبية بخروج قوات العم سام».

ويعتبر المصدر ان «مَن سيقود هذه الحملة سيكون السيد مقتدى الصدر نفسه الذي لم يتناغم يوماً مع أميركا التي تخشاه وتخشى شعبيته وقواته إذا رفع هو الصوت مطالباً بخروج الأميركيين من العراق».

وللصدر تاريخٌ في الصراع ضدّ أميركا عن طريق مَن أصبح اليوم معروفاً كـ«عصائب أهل الحق» و«كتائب الإمام علي» و«حركة النجباء» الذين كانت قيادتهم يوماً كلها ضمن التيار الصدري تضرب القوات الأميركية التي أعلنت احتلالها للعراق عام 2003 وحتى 2011.

يومها كانت العمليات ضدّ الأميركيين مشروعةً كمقاوَمةٍ ضدّ قوات الاحتلال. أما اليوم فإن القوات الأميركية تتواجد بطلبٍ من الحكومة العراقية. ولذلك يتوجب إصدار قانون يطلب من هؤلاء المغادرة أولاً قبل القيام بأي عمل عسكري ضدّهم.

ولا يريد العراق كسب عداوة أميركا ولكنه لا يريد البقاء تحت رحمتها ولا السماح لها بالتصرّف كما تشاء. فواشنطن ترغب بسحْب القوات الأميركية من سورية – إذا صدَقَ ترامب وسمح له بذلك مستشاروه – باتجاه العراق.

ولذلك يحتاج إلى بلاد ما بين النهرين، ولأكثر من ذلك أيضاً. فإيران تتعاون مع العراق، جارتها، على كل المستويات بينما أميركا تهدف الى وقف هذا التعاون وخصوصاً على الصعيد النفطي. وتريد واشنطن إبقاء عينها على العراق كي لا يصبح معادياً لإسرائيل ولها وموالياً كلياً لطهران.

إلا أن الوقت قد فات: فانتخاب الرؤساء الثلاث (الرئيس ورئيس المجلس ورئيس الحكومة) تمّ برغبة إيرانية وليس أميركية (ولكن دون استفزاز واشنطن). وبالتالي فإن ترامب يخطئ إذا اعتقد أن بلاد ما بين النهرين سترضخ له.

خريطة الانتشار الأميركي

تتواجد القوات الأميركية في «مخيم فيكتوري» داخل محيط مطار بغداد، و«معسكر التاجي» الذي يقع على بعد 25 كلم شمال بغداد، وقاعدة «بلد الجوية» التي تبعد 67 كلم شمال بغداد، و«مخيم الحبانية» بين الرمادي والفلوجة، و«مطار القيارة» على بعد 300 كلم شمال بغداد، وقاعدة «كاريز» في زمّار محافظة نينوى، وقاعدة «عين الأسد الجوية» بالقرب من البغدادي في محافظة الأنبار، وقاعدة «كركوك الحرية الجوية»، و«قاعدة بشور» في اربيل، وقاعدة «القيادة والسيطرة» في مطار أربيل الدولي، و«قاعدة حرير» اربيل كردستان، وقاعدة «حقل اتروش» في دهوك.

وقامت القوات الأميركية ببناء قاعدتين على الحدود السورية، واحدة قرب القائم وأخرى قرب الرطبة. وكذلك لدى هذه القوات تواجد في مراكز متعددة في العراق وخصوصاً لدى قوات مكافحة الإرهاب.