IMLebanon

الداتا سنتر: مشروع بلا جدوى اقتصادية؟

كتب إيلي الفرزلي في صحيفة “الأخبار”:

يواجه مشروع إنشاء مركز وطني للبيانات (Data Center) عقبات يمكن أن تؤدي إلى تجميده. فإذا كان معدّو المشروع قد وجدوا، في دراسة الجدوى، أن أول مقومات نجاحه هو تأمين مستأجرين يملكون قاعدة بيانات ضخمة (heavy users)، ولا سيما منهم أوجيرو وشركتا الخلوي. فقد أكدت شركتا الخلوي لوزارة الاتصالات رفضهما نقل بياناتهما إلى المركز الوطني وتفضيلهما الإبقاء عليها، كل في مراكزها الخاصة، أولاً لأنها تحت إدارتهما وتعمل بفاعلية، وثانياً لتجنب دفع أكلاف إضافية

من بين المشاريع التي يغص بها البيان الوزاري وتعد الحكومة بتنفيذها، مشروع «بناء مركز بيانات وطني (data center)، بما فيه تقنية الـ Cloud بالشراكة مع القطاع الخاص، مع الأخذ بالاعتبار حماية سرية المعلومات».

المشروع ليس جديداً. فقد سبق أن قُدّم إلى مؤتمر سيدر، بوصفه أحد المشاريع المعروضة للشراكة بين القطاعين العام والخاص. لكن دراسة الجدوى لم تقدم معلومات كافية عن المشروع، الذي قدرت تكلفته بما بين ٨٠ و١٥٠ مليون دولار. الفارق الشاسع في الكلفة المقدّرة كان كفيلاً، بحسب مصدر متابع، للتأكيد أن الدراسة التي قدمت تحت ضغط الوقت، تفتقر إلى الدقة.

ليس التكلفة التقديرية مهمة بالنسبة الى الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة زياد حايك، فالدراسة أولية ولم يتم خلالها تحديد حجم المراكز وعددها، بينما الدراسة التفصيلية تجرى حالياً، وهي التي ستوفر كل المعلومات الضرورية، بما يسمح بتقديم تقديرات أكثر دقة، بانتظار مرحلة المناقصة التي ستبين الأسعار الفعلية.

«الداتا سنتر» ليس مشروعاً جديداً. فكرته تزداد حضوراً مع التطور التكنولوجي والزيادة الهائلة في حجم البيانات الإلكترونية التي يتم حفظها من قبل الحكومات والشركات والأفراد، إن كان عبر تقنيات التخزين العادية (Hard Disk) بصرف النظر عن أحجامها (من بينها الخوادم الكبيرة)، أو عبر تقنية Clouds، التي يقدمها العديد من الشركات العالمية مثل Apple وGoogle وMicrosoft، لقاء بدلات مالية محددة (هذه الخدمة تعتمد على وجود Data centers عملاقة منشأة في أكثر من دولة في العالم مهمتها حفظ بيانات هذه الشركات، إضافة إلى بيانات عملائها). انطلاقاً من الحاجة إلى حفظ البيانات بشكل منظّم ومحمي تقنياً وأمنياً، يسعى لبنان إلى أن ينضم إلى لائحة الدول التي تمتلك مراكز بيانات وطنية. وعملياً، لا يزال هذا السعي في مراحل التحضير الأولى. حيث يقوم الاستشاري التقني (شركة solon الألمانية ــــ الانكليزية المتخصصة بمراكز البيانات) والاستشاري المالي kpmg والاستشاري القانوني ديكارت (كان الوزير كميل أبو سليمان يمثله في المشروع)، على تحديد الحاجات الفعلية للبنان.

حتى اليوم، لا شيء واضح في كيفية عمل المشروع وحجمه ومكانه وقدراته وإدارته. الدراسات مستمرة من قبل الشركات المعنية، التي تقوم بجمع البيانات من مختلف الزبائن المحتملين، وخاصة الزبائن الأساسيين الذين تتوقع الدراسة الأولية للمشروع أن تساهم مشاركتهم في تأمين قاعدة انطلاق قوية للمركز، لما يملكونه من حجم كبير من البيانات.

بعد إنجاز الدراسة، يفترض البدء بالإجراءات القانونية، التي تشمل تحضير العقد، والاستعداد لمرحلة تأهيل الشركات المهتمة، ورفع مشروع العقد إلى مجلس الوزراء لنيل موافقته. ومن ثم الوصول إلى المرحلة الأخيرة، أي مرحلة إطلاق المناقصة، تمهيداً لتوقيع العقد مع صاحب العرض الأفضل. بعدها يحتاج العمل إلى ما بين سنة وسنتين لتكون المراكز جاهزة. هذا مسار طويل، لكنه بحسب معدي المشروع أكثر من ضروري بالنظر إلى الأهداف المتوخاة منه، والتي تحددها الدراسة الأولية بـ :

تطوير تكنولوجيا الاتصالات والاستفادة من خدمات الفايبر.

تطوير أمن المعلومات والحوكمة التقنية.

تأمين الحماية للبيانات في حالة الكوارث.

تشجيع الشركات الأجنبية للاستثمار وتأسيس الشركات في لبنان.

دمج بيانات مختلف الهيئات الحكومية تسهيلاً لإطلاق خدمات الحوكمة الإلكترونية.

بوصف المشروع واحداً من مشاريع الشراكة بين القطاعين الخاص والعام، سيقوم القطاع الخاص بتأمين التمويل والتصميم والتنفيذ والإدارة والصيانة، ما بين ١٠ و٢٠ عاماً، مقابل الحصول على بدلات من المستخدمين أو المشتركين. أما الدولة، فستكون مسؤولة عن تأمين الموقع (يُرجّح أن يكون الداتا سنتر في موقعين تابعين لأوجيرو، الأول في الدكوانة، فيما لم يحدد الموقع الثاني)، وتأمين توصيلات الفايبر إلى المراكز.

وإذا كانت المهمة التحضيرية الأهم، هي التعاقد مع مشتركين كبار يساهمون في ضمان انطلاقة قوية للمشروع (تحدد الدراسة المقدمة إلى «سيدر» شركتي الخلوي وأوجيرو كمشتركين أساسيين)، فقد تبيّن أن شركتي الخلوي رفضتا أن تكونا جزءاً منه. إذ تؤكد مصادر معنية أن مشغلي الهاتف اجتمعا مع الاستشاري، وأبلغاه قرارهما، كما نقلاه، بشكل رسمي، إلى وزارة الاتصالات. أما سبب الرفض، فيعود إلى امتلاك الشركتين أكثر من «داتا سنتر» خاص بهما، وبأعلى المواصفات العالمية المتعلقة بأمن المعلومات وإدارتها. ولهذا، فقد خلصا إلى عدم الحاجة إلى تكبّد مصاريف إضافية لقاء إيجار سعات ومساحات في المركز المنوي إنشاؤه.

وهذا القرار، الذي يبدو نهائياً بالنسبة الى الشركات، جعل النقاش يعود إلى النقطة الصفر، أي إلى الجدوى من المشروع برمّته. فإضافة إلى خسارة زبونين رئيسيين، يُتوقع أن تنحو المصارف المنحى نفسه، إذ إن كلاً منها يملك أيضاً مركز بيانات خاصاً به لا يفكر حتى بإخراجه من تحت سيطرته المباشرة، وكذلك بالنسبة الى شركات خدمات الإنترنت.

بالنتيجة، فإن أوجيرو ستكون المستخدم الرئيسي، فيما لا حاجة فعلية إلى الشركات الصغيرة لحفظ بياناتها في مركز البيانات الوطني، ويمكنها تخزين بياناتها عبر شراء سعات على أي سحابة بيانات في العالم (clouds).

أكثر من ذلك، ثمة من يشكك في حجم الأمان الذي سيكون متوفراً في الداتا سنتر. كما يعتبر مطلعون على الملف أن التوقعات أن تنضم شركات إقليمية إلى المركز، لا يمكن أن يُعوّل عليه للسبب نفسه، أي عدم الثقة بقدرة لبنان على حماية البيانات.

لكن في المقابل، يجزم زياد حايك بأن الداتا سنتر سيقدم مستوى عالياً من الأمان لا يتوفر لدى الكثير من المستخدمين في لبنان وخارجه. ويقول إن ضعف الحماية الإلكترونية في لبنان واحتمال تعرضه للاختراق دائماً يؤكدان أن ثمة حاجة ملّحة للمركز، حتى بالنسبة الى من يملك مركز بيانات خاصاً. كما يوضح أن الطلب على الداتا يزداد بشكل كبير جداً، بما يزيد من أهمية وجود مركز وطني للبيانات، بدلاً من تبعثرها داخل لبنان وخارجه.

اللافت أنه باختلاف الآراء بشأن جدوى مركز البيانات بالطريقة التي يطرح فيها، إلا أن أحداً لا يشكك في أهمية وجود مركز يربط بين خوادم المؤسسات والهيئات الحكومية، ويرفع من مستوى الأمان الذي يواجه حالياً خللاً كبيراً (كالذي كشفته قضية خليل الصحناوي). لكن على أهمية هذا المشروع الذي يؤسس لإطلاق خدمات الحكومة الإلكترونية، فإن عقبة أساسية تواجهه هي ببساطة عدم وصول المكننة إلى كل الهيئات الحكومية.

Data center

مركز البيانات هو مركز ضخم مكون من العديد من الخوادم الضخمة (Servers) الموصولة بالإنترنت بسرعات عالية وبدون انقطاع. كما تحتاج إلى كهرباء بشكل متواصل، مع وجود مزودات احتياطية للطاقة (UPS). كما تعد المكيفات من العناصر الأساسية في مراكز البيانات، كونها تساهم في تبريد الخوادم التي تعمل على حرارة عالية.

وعملياً، فإن الشركة التي سترسو عليها مناقصة بناء المراكز وتشغيلها، ستكون معنية بتأمين كل هذه المعدات، إضافة إلى تجهيز رفوف تخصّص لتثبيت الخوادم عليها من قبل الشركات التي تستأجر مساحات على هذه الرفوف لتثبيت خوادمها عليها. ولأن الكهرباء هي العنصر الأساسي في هذه المراكز، فإن إيجار المساحات يحتسب بالكيلو واط ساعة.