IMLebanon

معوض: يكفي كذبا في الارقام… وأدعو الى طرح بند الاستراتيجية الدفاعية

أكد رئيس “حركة الاستقلال” النائب ميشال معوّض انه اليوم وبفضل تثبيت الشراكة الحقيقية في الحكومة، اصبح رئيس الجمهورية قادرا على لعب دوره الطبيعي كشريك وكحكم بحسب الدستور، لافتا الى ان التوازن في الشراكة هو المفتاح والضمانة للاستقرار السياسي في لبنان.

معوّض، وفي كلمة القاها خلال جلسة مناقشة البيان الوزاري، اكد انه مهما حاولنا ان نحقق إنجازات من دون شراكة فعلية تكون كل الإنجازات مهددة، وقال: “نتمنى اليوم أن يتكرّس هذا التوازن بالشراكة بشكل نهائي تحت سقف الطائف لتثبيت الاستقرار السياسي، ولكي لا يحصل تعطيل داخلي عند كل استحقاق، لأن كل شعبنا يدفع ثمن التعطيل”.

ورأى ان البيان الوزاري اكتفى باعادة التأكيد على مساكنة الامر الواقع بين الدولة وسلاح “حزب الله” اما بند الاستراتيجية الدفاعية تحت سقف الدولة هو الغائب الأكبر عنه، داعيا بناءً على خطاب القسم، أن يبادر فخامة الرئيس ميشال عون ويطرح بند الاستراتيجية الدفاعية بأسرع وقت ممكن، لننتج حلا لبنانيا لهذه القضية الخلافية، وكي لا تصبح هذه المساكنة أسيرة التقلبات الإقليمية، وندفع ثمن الاتفاقات الخارجية على حسابنا. واساسا السيد حسن نصرالله اكد استعداده لمناقشة الاستراتيجية من دون شروط.

واذ نوّه بالبيان الوزاري حيث انه يتضمن للمرة الأولى اعترافات صريحة وعناوين سياسات بالاتجاه الصحيح، اوضح معوض ان “مهمة الحكومة الأساسية هي الانتاجية وإعادة الثقة، فالوقت يداهمنا، وهذه آخر فرصة نملكها. أو نستفيد منها وننفذ الإصلاحات المطلوبة وننقذ بلدنا، أو نكون دخلنا في المجهول، أو بالأحرى في المعلوم الذي نتجنب ان نقوله”، لافتا الى اننا بحاجة لقرارات وتشريعات وإصلاحات جريئة ومحددة، قد تكون صعبة ومؤلمة.

وقال: “عيب يا دولة الرئيس وألف عيب ان يكون هناك بموضوع الشهادة والمعاناة “ناس بسمنة وناس بزيت”، واطالب رئيس الحكومة وبإصرار ان يصحح هذه الخطيئة وان يؤكد التزامه وحكومته بكل القضايا، فلا يجوز حصر اهتمام الحكومة ببيانها الوزاري بقضية دعم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تنظر بقضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه والاغتيالات المتصلة وبقضية إخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه، والقفز فوق سلسلة اغتيالات لم يتم التحقيق فيها ولم نشهد محاكمات فيها، مثل قضية اغتيال الرئيس الشهيد رينه معوض ورفاقه، وكمال جنبلاط والمفتي حسن خالد والشيخ صبحي الصالح، وغيرهم من الاغتيالات وصولاً لجرائم اغتيال سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار الجميل وأنطوان غانم ووليد عيدو وفرنسوا الحاج ووسام عيد ووسام الحسن ومحمد شطح، ومحاولات اغتيال الياس المر ومروان حمادة والوزيرة الجديدة مي شدياق وملف المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية”.

واعتبر انه من حق اللبنانيين أن “ينفّخوا عاللبن لأنو الحليب كاويهن”، كما ان من حقّهم ان يفقدوا الثقة بعد كل ما حصل، وحقنا نحن ايضا ان لا نثق، بفعل كل التجارب السيئة على مدى السنوات الطويلة الماضية. من حقهم ان لا يصدقوا أية وعود، لأنه أساسا لا يوجد وعود صدقت.

واضاف: “هذه الحكومة، المؤلفة من المكونات السياسية نفسها للحكومات السابقة في السنوات العشر الأخيرة، عليها ان تأخذ قرارا جديا بوقف “الانفصام بالشخصية”، بين بيانها الوزاري وواقع ممارساتها” .

اما بشأن محاربة الفساد، فأكد معوض انها تبدأ بتفعيل المساءلة السياسية والبرلمانية، كما تتطلب أن نتمكن من محاسبة كبار الفاسدين مهما علا شأنهم وفي أي مركز كانوا، وتتطلب ايضا قضاء مستقلا ومحصّنا ونزيها وفعّالا، بالاضافة الى تفعيل عمل الهيئات الرقابية وإعطائها الصلاحيات والقدرة على اتخاذ القرارات وتنفيذها.

وختم قائلا: “على أمل أن تصدق الحكومة بتنفيذ بيانها الوزاري أمنحها الثقة مع البقاء بموقع الرقابة والمحاسبة البرلمانية إنطلاقًا من الثقة التي منحنا إياها الشعب اللبناني”.

في ما يلي نص الكلمة كاملا:

دولة الرئيس،

زملائي النواب،

قبل ايام قليلة مواطن لبناني يدعى جورج زريق أضرم النار بنفسه في الكورة امام مدرسة أولاده بسبب الأوضاع الاقتصادية التي خنقته… وتلاه فادي في طرابلس ممتنعا عن الطعام والشرب وخاط فمه احتجاجا على الموضوع نفسه.

وصلنا الى هذه الحالة يا دولة الرئيس… رحم الله جورج وندعو الله ان يمنح اولاده وعائلته ومحبيه الصبر.

اتمنى منك يا دولة الرئيس ان تدعو المجلس الكريم  لدقيقة صمت حداداً على جورج زريق، لنتأمل كم نحن مقصرين بواجباتنا تجاه اللبنانيين.

دولة الرئيس،

على الرغم من كل شي نقول الحمدلله أن الحكومة قد تشكلت بعد مخاض طويل.

الحمدلله لان تشكيل الحكومة أكمل عقد المؤسسات الدستورية.

والحمدلله لأن الحكومة ثبتت المظلة الدولية التي ما زالت ترعى لبنان، ونرى تسابق الدول اليوم للبنان لاحتضانه وعرض المساعدة.

وفي اللعبة الداخلية، تشكيل الحكومة ثبّت موضوع الشراكة الوطنية ودور رئيس الجمهورية كشريك فاعل في السلطة التنفيذية. بطبيعة الحال لم يشكك احد يوما بدور وصلاحيات رئيس الحكومة، إنما البعض كان يسعى تحت شعار أن رئيس الجمهورية يجب ان يكون “حكما”، أن يبقيه “حكما” فقط حتى من دون صافرة!

اليوم بتثبيت الشراكة الحقيقية في الحكومة، اصبح فخامة الرئيس قادرا على لعب دوره الطبيعي كشريك وكحكم بحسب الدستور.

دولة الرئيس،

التوازن في الشراكة هو المفتاح والضمانة للاستقرار السياسي في لبنان. واقول هذا الكلام ليس ابدا من باب طائفي إنما من باب الحرص الوطني، وايضا من باب الحرص على السيادة، لأنه عبر تاريخنا، كل مكوّن كان يشعر انه ليس شريكا فاعلا في الداخل وكان يلجأ لنسج علاقات مع الخارج للتعويض عن الخلل الداخلي، وهذا ما قام به جميع الأفرقاء والبعض منهم لا يزال يفعلها!

اليوم، وبعد انتخاب الرئيس ميشال عون الذي يمثل حيثية وازنة في الشارع المسيحي، وبعد إقرار قانون الانتخابات الجديد وإجراء الانتخابات على أساسه، وبطريقة تشكيل الحكومات، تم تكريس الشراكة الفعلية، ما تجسّد من خلال تصحيح الخلل السابق بالممارسة بعد اغتيال الرئيس الشهيد رينه معوض، وتجسّد بعودة المناصفة الفعلية في الحكومة التي كانت منتهكة طوال السنوات الماضية من الـ1990 للـ2016.

دولة الرئيس،

أكيد في لبنان لدينا الكثير من المشاكل، وأكثر من أن تحصى، إنما مهما حاولنا ان نحقق إنجازات، من دون شراكة فعلية تكون كل الإنجازات مهددة. في الخمسينيات والستينيات لبنان كان بأفضل حالاته اقتصاديا وماليا وسياحيا، وكان الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يحلم بأن تصبح دبي مثل بيروت. نعم قبل الحرب عرف لبنان النمو والازدهار وكان سويسرا الشرق، ولكن في الواقع كنا نعيش ما سُمي عصر “المارونية السياسية”، وغياب الشراكة الحقيقية والكاملة والمتوازنة أدّى من ضمن مجموعة أسباب وعوامل لاندلاع الحرب اللبنانية.

في مرحلة لاحقة بعد “الطائف” اعتبر البعض أننا دخلنا مرحلة سنيّة سياسية، مع العلم ان تلك المرحلة كانت مرحلة وصاية سورية بامتياز. ومن بعد 7 أيار 2008 واتفاق الدوحة حتى اليوم الكثيرون يعتبرون ضمنياً أننا اصبحنا في عصر الشيعية السياسية، و”بالأذن منك دولة الرئيس”.

من المستحيل ان يبني هذا المنطق بلدا، وتحديداً من المستحيل ان يوصّل للاستقرار في لبنان، لأن هذا البلد تركيبته دقيقة جدا، دقيقة لدرجة يمكن ان تكون مصدر قوته وتميزه، بقدر ما تكون مصدر دماره.

لذا نتمنى اليوم أن يتكرّس هذا التوازن بالشراكة بشكل نهائي تحت سقف الطائف لتثبيت الاستقرار السياسي، ولكي لا يحصل تعطيل داخلي عند كل استحقاق، لأن كل شعبنا يدفع ثمن التعطيل. وهنا اريد ان اذكّر أنه من الـ2005 حتى اليوم بقيت مؤسساتنا الدستورية معطلة على الأقل 8 سنوات، بين فراغ رئاسي وفراغ حكومي وإقفال لمجلس النواب، ودفعنا نتيجة هذا التعطيل من اقتصادنا وخزينتنا ولقمة عيشنا ثمنا غاليا وهو ما أوصلنا الى ما نحن عليه اليوم.

 

دولة الرئيس،

إذا كنا حققنا تقدما في التوازن والشراكة ضمن المؤسسات، الا ان الشراكة تبقى ناقصة والسيادة تبقى مجتزأة، إذا لم تكن الشراكة كاملة بكل القرارات تحت سقف الدولة صاحبة كل القرارات.

وفي هذا الإطار البيان الوزاري اكتفى بإعادة التأكيد على مساكنة الأمر الواقع بين الدولة وسلاح “حزب الله”.

أما الغائب الأكبر عن البيان الوزاري فهو بند الاستراتيجية الدفاعية تحت سقف الدولة، وأنا ادعو من هنا، بناءً على خطاب القسم، أن يبادر فخامة الرئيس ميشال عون ويطرح بند الاستراتيجية الدفاعية بأسرع وقت ممكن، لننتج حلا لبنانيا لهذه القضية الخلافية، وكي لا تصبح هذه المساكنة أسيرة التقلبات الإقليمية، وندفع ثمن الاتفاقات الخارجية على حسابنا. واساسا السيد حسن نصرالله اكد استعداده لمناقشة الاستراتيجية من دون شروط.

السيادة اللبنانية تعني سيادة الدولة وحدها وبقواها الذاتية على كامل مساحة الـ10452 كيلومتر مربع، وأنها تكون وحدها بجيشها الشرعي ومؤسساتها الأمنية مسؤولة عن حماية كامل حدودنا البرية والبحرية والجوية، وعن كامل ثروات لبنان الطبيعية.

جرّ لبنان لأي حرب، أو اتخاذ أي قرار خاطئ يدمر كل شيء يمكن ان تقوم به الحكومة والعهد ومجلس النواب. اما ان نكون كلنا شركاء باتخاذ كل القرارات الاستراتيجية اما البلد سيكون بخطر. لا يحتمل لبنان ان ندخله بمعارك إقليمية لا علاقة لنا فيها، والأهم أن احدا ليس مخوّلا ان يقرّر عنا إدخالنا بحروب لا علاقة لنا فيها.

من هذا المنطلق، ندعم بند تحييد لبنان عن صراعات المنطقة الذي ورد في البيان الوزاري. هذا الامر ليس ترفا ولا مجرد وجهة نظر أبداً، لأن وضعنا بحاجة لمظلة عربية ودولية لا يمكن ان نتجاوز أزماتنا من دونها، والأكيد أنه لا يمكننا كدولة لبنانية ان نطلب مساعدات من دول في وقت هناك أطراف لبنانية ممثلة بالحكومة تقوم بمهاجمتهم، وبالتالي نحن بحاجة ماسة لممارسة النأي بالنفس قولاً وفعلاً.

دولة الرئيس، الزملاء الكرام،

التحدي الأكبر بعد تشكيل الحكومة ان نوفّق بين نظامنا السياسي ومقتضيات الشراكة من جهة، وبين الانتاجية والفعالية والقدرة على الاصلاح من جهة ثانية. الشراكة لا يجب ان تتحول الى الغاء للدولة ومؤسساتها لمصلحة مجلس عشائر على طريقة اللوياجيرغا، كل عشيرة منهم لديها حق الفيتو وأحد لا يملك عمليا قدرة القرار. بحسب تقرير للبنك الدولي، كلفة إدارتنا العشائرية- المذهبية الحالية على الاقتصاد الوطني حوالي 9% من الناتج المحلي، أي ما يوازي 4.5 مليار دولار سنوياً!

نعي خطورة الوضع الذي وصلنا اليه، أو آمل ان نكون نعرف خطورته:

من أصل 137 بلدا، لبنان في المرتبة 135 لناحية نسبة الدين العام لحجم اقتصاده، في المرتبة 123 في الفساد، في المرتبة 130 لناحية نوعية البنى التحتية، وفي المرتبة 124 لناحية إنتاجية القطاع العام. وبحسب التقرير نفسه فإن نسبة 55% من سكان لبنان هم تحت خط الفقر! هذه الأرقام كل بيت وكل عائلة تلمسها.

وإذا استمرينا في هذا الأداء ووصلنا الى الانفجار الاقتصادي والاجتماعي لا سمح الله، كل الإنجازات التي نتغنى بها على صعيد الاستقرار السياسي والأمني ستنهار بلحظة.

مهمة الحكومة الأساسية هي الانتاجية وإعادة الثقة. إعادة الثقة للبنانيين المقيمين بوطنهم أولاً وبقدرتهم وحقهم بأن يعيشوا حياة كريمة بلبنان. إعادة الثقة للبنانيين في دول الانتشار الذين يشكلون سندا أساسيا للاقتصاد، ويجب ان يكونوا شركاء أساسيين بعملية إعادة النهوض في لبنان. إعادة الثقة للمؤسسات والصناديق الدولية بقدرتنا على الإصلاح، وإعادة الثقة للمستثمرين بقدرة اقتصادنا على التنافسية.

الوقت يداهمنا، وهذه آخر فرصة نملكها. أو نستفيد منها وننفذ الإصلاحات المطلوبة وننقذ بلدنا، أو نكون دخلنا في المجهول، أو بالأحرى في المعلوم الذي نتجنب ان نقوله.

اسمحوا لي ان انوّه بأن البيان الوزاري يتضمن للمرة الأولى اعترافات صريحة وعناوين سياسات بالاتجاه الصحيح.

ثمة اعتراف واضح بأن أمامنا فرصة لن تتكرر للإنقاذ والإصلاح، وبأن المطلوب “قرارات وتشريعات وإصلاحات جريئة ومحددة، قد تكون صعبة ومؤلمة”، وهنا اتمنّى ان يكون المقصود صعبة ومؤلمة ليس بالضرورة على الناس، إنما على القوى السياسية عبر تخفيف الزبائنية ووقف تسخير الدولة للمحسوبيات وتمويل الفساد السياسي!

وفي عناوين سياسات بالاتجاه الصحيح، إن لجهة ضرورة ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية واحترام لبنان ميثاق جامعة الدول العربية والقرارات الدولية للحفاظ على المظلة الإقليمية والدولية الضرورية للنهوض الاقتصادي، أو لجهة التضامن بين المكونات السياسية للحكومة، أو البناء على مقررات مؤتمر “سيدر” للاستثمار في البنية التحتية لتحفيز النمو، أو لجهة ترشيد إدارة الدين وتخفيض نسبة الدين الى الناتج المحلي عن طريق زيادة حجم الاقتصاد، أو الإقرار بضرورة الحوكمة المالية لخفض عجز الموازنة مع التزامات محددة بدءًا بخفض العجز السنوي في مؤسسة كهرباء لبنان وصولاً لإلغائه، أو تحديث القطاع العام والإصلاحات الهيكلية المطروحة، أو الإصلاحات القطاعية وإشراك القطاع الخاص بأكثر من مجال، وتطوير بعض القوانين من أجل تحسين بيئة الأعمال وتحفيز القطاعات الإنتاجية والخدماتية، أو تطوير شبكات الأمان الاجتماعية أو متابعة إقرار قانون  اللامركزية وغيرها من العناوين.

صحيح أنها عناوين سياسات بالاتجاه الصحيح إنما طبعا لدينا بعض الملاحظات.

في الفلسفة الاقتصادية، تركيز البيان الفعلي هو على خفض العجز في الموازنة من جهة، والاستثمار بالبنية التحتية لتكبير حجم الاقتصاد من جهة ثانية.

إذا هذه الاستراتيجية لا تترافق مع استراتيجية جدية وسريعة لتعزيز تنافسية الاقتصاد اللبناني وخلق بيئة حاضنة للاستثمارات، لن يكبر حجم الاقتصاد اللبناني، ونكون قد رفعنا الدين العام وخنقنا الاقتصاد. وهذا التقرير من البنك الدولي يضع لبنان في المرتبة 126 من أصل 190 دولة في الـ2017 لناحية سهولة الاستثمار، وبتراجع مستمر في آخر 10 سنوات.

اما في موضوع النزوح السوري، ومع تأكيدنا على ما ورد في البيان الوزاري حول إصرار الحكومة على العودة الآمنة للنازحين، والعمل مع المجتمع الدولي للوفاء بالتزاماته في ما يخص أعباء النزوح السوري، والترحيب بالمبادرة الروسية لإعادة النازحين، نصرّ على تجزئة أوضاع السوريين الموجودين في لبنان، ما بين النازحين قصراً إن لأسباب أمنية أو سياسية، وما بين الموجودين كعمال ولأسباب اقتصادية، وجزء كبير منهم يذهبون الى سوريا باستمرار ولا تنطبق عليهم قانونا صفة النازحين، ولا يجوز أن نستمر بالتعاطي معهم كنازحين. في فترات الأعياد يعبر الحدود اللبنانية السورية أكثر من 20 ألف سوري يومياً، و4 آلاف في الأيام العادية!

في موضوع سياسات النقل قرأنا في البيان شعارات كبيرة متعلقة بالنقل العام البري والبحري والجوي الداخلي، وبالشراكة مع القطاع الخاص، لدرجة خشينا من ان نزاحم الولايات المتحدة وأوروبا في شبكات النقل التي نملكها… بانتظار تحقيق هذه الإنجازات العظيمة، لو “بالأملية” يفتحوا لنا أوتوستراد شكا ويبنوا الحائط.

في ملف النفايات، اود ان ألفت النظر الى أن القانون الذي أقرّيناه في مجلس النواب، والذي يعتمد بجزء منه على اللامركزية في إدارة النفايات، غير قابل للتطبيق إذا ما اقرّينا اقتراح القانون الذي تقدّم فيه الزميل نعمت افرام والذي يطالب وزير البيئة بإقراره، لاعفاء البلديات من ديونها تجاه الصندوق البلدي المستقلّ لتتمكن من ان تتحرّر من الآلية الحالية لادارة النفايات وتعتمد الحل اللامركزي. وهذه الديون اصلًا التي بلغت قيمتها الدفترية مليار ونصف المليار دولار مشكوك بأمرها وتفوح منها رائحة فساد بشكل غير مسبوق.

وفي آخر الملاحظات، والأهم وبالعمق، اسمح لي ان اقول يا دولة الرئيس أني كمواطن لبناني، وكإبن رئيس جمهورية شهيد، هذا البيان الوزاري استفزني بتعاطيه الاستنسابي مع موضوع مقدس مثل الشهادة.

إذا كنا نتبنى أن الحكومة تستمر بدعم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي تنظر بقضية الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه والاغتيالات المتصلة، والتي كانت وما زالت مطلبنا، وإذا كنا نعتبر أن قضية إخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه هي قضية وطنية جامعة لشخصية تعني كل واحد منا لأنه يمثل رمزا أساسيا من رموز الاعتدال والانفتاح والتمسك بلبنان الدولة والكيان، إلا أن حصر اهتمام الحكومة ببيانها الوزاري بهاتين القضيتين، والقفز فوق سلسلة اغتيالات لم يتم التحقيق فيها ولم نشهد محاكمات فيها، مثل قضية اغتيال الرئيس الشهيد رينه معوض ورفاقه، وكمال جنبلاط والمفتي حسن خالد والشيخ صبحي الصالح، وغيرهم من الاغتيالات وصولاً لجرائم اغتيال سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار الجميل وأنطوان غانم ووليد عيدو وفرنسوا الحاج ووسام عيد ووسام الحسن ومحمد شطح، ومحاولات اغتيال الياس المر ومروان حمادة والوزيرة الجديدة مي شدياق. وكيف تمر الحكومة على ملف المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية من دون ان تذكره، هذا الملف الذي لا يمكن ان يقفل قبل معرفة كل الحقيقة.

عيب يا دولة الرئيس وألف عيب ان يكون هناك بموضوع الشهادة والمعاناة “ناس بسمنة وناس بزيت”، واطالب رئيس الحكومة وبإصرار ان يصحح هذه الخطيئة وان يؤكد التزامه وحكومته بكل القضايا التي ذكرتها، بكلمته امام المجلس!

دولة الرئيس،

حق اللبنانيين أن “ينفّخوا عاللبن لأنو الحليب كاويهن”. حقّهم ان يفقدوا الثقة بعد كل ما حصل، وحقنا نحن ايضا ان لا نثق، بفعل كل التجارب السيئة على مدى السنوات الطويلة الماضية. من حقهم ان لا يصدقوا أية وعود، لأنه أساسا لا يوجد وعود صدقت.

الأهم من كل النقاط التي سبقت، أن هذه الحكومة، المؤلفة من المكونات السياسية نفسها للحكومات السابقة في السنوات العشر الأخيرة، عليها ان تأخذ قرارا جديا بوقف “الانفصام بالشخصية”، بين بيانها الوزاري وواقع ممارساتها.

فلا يمكننا ان ندرج في البيان الوزاري الابتعاد عن صراعات المنطقة والسيد حسن نصرالله الذي يشكل حزبه أحد المكونات الأساسية في الحكومة يقول بخطاب بعد البيان الوزاري إنه إذا تعرضت ايران لحرب فحزب الله لن يقف مكتوف الأيدي!

لا يمكننا التكلم عن تضامن وزاري وبدأنا نرى قبل ان تقلع الحكومة متاريس سياسية واضحة يتم تركيبها.

لا نحتاج الى إعادة هيكلة للقطاع العام من خلال دراسة وصفية شاملة كي نمتنع عن نقل موظفة من مستشفى بيروت الحكومي لمصلحة سكك الحديد، وخصوصاً من قبل وزير نتوقع منه ان يكون إصلاحيا…

لا يمكننا التكلم عن الحوكمة المالية وخفض العجز إذا كان خفض العجز وهمي. دولة الرئيس، تجربتي بهذا المجلس جديدة، لكن الممارسات التي رأيتها في هذه الاشهر لا يمكن ان تستمر. تم اقرار موازنة الـ2018 على أساس عجز 7200 مليار ليرة، ووذهبنا فيها الى مؤتمر “سيدر”.

 

وإذ يقصد لجنة المال والموازنة أكثر من وزير يطالبن بزيادة اعتمادات، وعندما كنا نسأل لماذا لم تضعوا سياستكم انطلاقا من أرقام الموازنة، كان الجواب: الكل يعلم أن هذه الأرقام ليست واقعية وهدفها أن نذهب فيها الى “سيدر”. وأكثر من ذلك، اكتشفنا أن مصروف الفيول في كهرباء لبنان ليس موجودا في عجز الموازنة، ونسمع أن كثير من الوزراء تخطوا موازنات وزاراتهم.

من جهة اخرى عقدنا جلستين مع معالي وزير المال، جزء منها كان مخصصا للموظفين الذين تم توظيفهم من خارج مجلس الخدمة المدنية وخلافاً لقانون موازنة الـ2018. في أول جلسة قال لنا معالي الوزير إن عددهم لا يتخطى الـ300 أو الـ350، وفي الجلسة الثانية قال انهم بين الـ800 والـ900… ونسمع في الإعلام أنهم 5000. ولا اريد العودة الى القانون المتعلق بدعم القروض الإسكانية التي اعدت فيها دراسة بكلفة 500 مليار ليرة في وقت اظهر الواقع أن الأرقام الحقيقية تتراوح بين الـ1300 والـ1500 مليار.

ولا اريد الرجوع الى فضيحة سلسلة الرتب والرواتب التي حصلت في المجلس السابق، وكيف أقرت سلسلة بكلفة 1200 مليار، وإذ بها تصل الى الـ3000 مليار تقريبا، وبمداخيل على أساس 1200 مليار لن تصل الى الـ800 مليار!

كيف سنقوم بحوكمة ونحن حتى اليوم لا نعي مدى عجز الموازنة، ولا نعي عدد الذين تم توظيفهم، ولا نعي عدد موظفي الدولة، ولا يمكننا ان نثق بأي رقم يتم تقديمه لنا لأنه حتى الأرقام في لبنان اصبحت وجهة نظر؟!

أما في موضوع محاربة الفساد، فهذا الامر لا يحصل لا بالبيانات الوزارية، ولا بالشعارات التي تُستعمل ضد الأخصام في السياسة بحسب طبيعة التحالفات الآنية، وعندما تتغيّر هذه التحالفات يتغيّر الأخصام… ويتغيّر الفاسدون!

محاربة الفساد تبدأ بتفعيل المساءلة السياسية والبرلمانية… من هنا يا دولة الرئيس، مع أن حكومات الوحدة الوطنية الدائمة في لبنان بطبيعتها تصعّب المحاسبة والمساءلة. لكن منذ أول مجلس منتخب بعد الطائف حتى اليوم مجلس النواب لم يعقد الا 19 جلسة مساءلة للحكومة.

19 جلسة في 26 عاما! في وقت في فرنسا مثلا يلزمهم الدستور بجلسة مساءلة كل أسبوع، وجيراننا في الأردن في الفترة نفسها كانوا يعقدون بمعدل 3 جلسات مساءلة في الشهر. سمعنا اخيرا يا دولة الرئيس أنك عازم على عقد جلسة مساءلة كل شهر، ونتمنى عليك ان تعقدها كل أسبوع!

محاربة الفساد تتطلب ايضا أن نتمكن من محاسبة كبار الفاسدين مهما علا شأنهم وفي أي مركز كانوا! قانون محاكمة الرؤساء والوزراء في لبنان يشكل عمليا  حصانة تسمح للمعنيين بالإفلات من المسؤولية مهما كانت ارتكاباتهم.

في هذا الموضوع أنا بصدد تقديم اقتراح قانون يحترم الحصانات الدستورية من جهة، من دون ان تتحول هذه الحصانات حصانة لحماية الفساد والإفلات من المساءلة والمسؤولية. واتمنى من دولتك ومن المجلس الكريم التجاوب مع هذا القانون، كما اتمنى الإقرار السريع لقانون إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وقانون الإثراء غير المشروع، كما أنه يجب على الحكومة السير بسرعة بالخطوات اللازمة لإقرار الحكومة الالكترونية وتفعيل تطبيق قانون حق الوصول للمعلومات، إذا كنا فعلا جادين بمكافحة فعلية للفساد.

محاربة الفساد تتطلب ايضا قضاء مستقلا ومحصّنا ونزيها وفعّالا. ولكي يكون القضاء مستقل، علينا اولا من ضمن سلسلة إجراءات وقوانين، رفع يد السلطة السياسية عنه، وعن القدرة بالتحكم بالتعيينات والتشكيلات القضائية. ببساطة لا يمكن لاي قاض ان يحاسب الشخص الذي قام بتعيينه أو بتشكيله أو أزلامهم. لذا نحن نعيش في بلد اصبح في المرتبة 123 من أصل 137 على سلم الفساد، لكن من دون فاسدين. وتحصين القضاء وفاعليته يتطلب من السلطة التنفيذية وإدارات الدولة تطبيق الأحكام القضائية بما يختص بالأحكام الإدارية، يعني تحديداً بما يتعلق بأحكام مجلس شورى الدولة التي يتم وضعها في الأدراج من دون ان تطبق!

ومحاربة الفساد ايضا يتطلّب تفعيل عمل الهيئات الرقابية وإعطائها الصلاحيات والقدرة على اتخاذ القرارات وتنفيذها. ليس من باب الصدفة أن هناك فائض موظفين بكل إدارات الدولة، والمكان الوحيد الذي يعاني نقصا هو في هيئات الرقابة.

هل يجوز ان يرد في آخر تقرير للهيئة العليا للتأديب أنهم تلقوا في في السنوات الـ5 الأخيرة 5 ملفات؟ إذا لا يوجد فساد لا بين الوزراء ولا بين الموظفين… فمن معقول ان يكون الفاسد؟

أتمنى عليك دولة الرئيس أن يتم الطلب من الهيئات الرقابية أن يبعثوا بتقارير دورية، والبعض منهم ملزم فيها أساسا، لكي نناقشها في مجلس النواب، وبهذه الطريقة نكون نفعّل دورنا الرقابي ونساهم بتكريس الشفافية ومحاربة الفساد!

محاربة الفساد واستئصاله لا تحصل فقط في المؤسسات. فهو بحاجة لشبكة تمتد للإعلام ولهيئات المجتمع المدني وللناس. فكما هناك شبكة فساد عابرة للطوائف والتكتلات السياسية، نعمل لخلق شبكة “أوادم” ايضا عابرة للطوائف والاصطفافات.

تحدي الحكومة لا يكمن في أن تنال ثقتنا وثقة المجلس النيابي لأن بطبيعة تكوينها ستنالها بأصوات وازنة، لكن تحدي الحكومة الفعلي ان تنال ثقة الناس اولاً، وثقة المستثمرين، وثقة مؤسسات التصنيف الدولية، وثقة الشركاء العرب والدوليين. هذه الثقة تحتاج إلى أكثر من بيان وزاري، بل بحاجة الى فعل بأن تكون حكومة وليست حكومات! وفعل ان الجميع يجب ان يقتنع ان الدولة لا يمكنها ان تبقى بقرة حلوب لتمويل الماكينات السياسية او لتوظيف “المحاسيب والأزلام!”، وفعل تطوير قوانيننا وإجراءاتنا لتحسين تنافسية الاقتصاد اللبناني وخلق بيئة حاضنة للأعمال والاستثمار والانتهاء من البيروقراطية والفساد الإداري، فعل القيام بإصلاحات جذرية على مستوى مالية الدولة وشفافيتها وتقوية المؤسسات الرقابية والسلطة القضائية كي نفعّل المساءلة والمحاسبة، فعل لإشراك القطاع الخاص في الخدمات، في الكهرباء والنفايات والاتصالات وغيرها، وتصغير حجم القطاع العام في الاقتصاد وتحويل الدولة من رب عمل فاشل إلى ناظم للحياة الاقتصادية.

لا يمكننا الاستمرار بالذهاب عكس كل العالم في الاقتصاد في وقت ان حتى الصين الشيوعية تخفف دور الدولة في اقتصادها في وقت اننا نقوم بالعكس. لقد كان حجم القطاع العام في اقتصادنا أقل من 15% قبل الـ1975 حين كانت كل الاقتصادات العربية مؤممة، أصبح القطاع العام يشكل حوالى 35% من اقتصادنا وتمثل رواتب وأجور وتعويضات موظفي القطاع العام 38% من الموازنة، في وقت ان هذا الرقم في الدول المتطورة لا يصل الى 20%!

دولة الرئيس،

إن أداء الحكومات السابقة اوصلنا الى هنا، ونأمل ان تعيد لنا الحكومة الثقة، والأهم ان تعيد لنا الأمل وذلك ليس لأننا نشعر ان ثمة ما تغير أبداً انما لأن هذه الحكومة يجب ان تقتنع ان امامنا الفرص الأخيرة للعفل، فظهرنا جميعا أصبح على الحائط!

وما نتأمل به الا يتطرق البيان الوزاري للحكومة التي ستأتي بعد هذه الحكومة الى المشاكل نفسها الموجودة امام هذه الحكومة. لا نريد سماع بيانات وزارية تتحدث عن مشاكل النفايات والكهرباء والاتصالات والطرقات والمطار والتلوث وغيرها وغيرها من المشاكل نفسها التي نعيشها منذ سنوات طويلة.

حق اللبنانيين علينا ان نعطيهم املاً، حق لبنان انجاز مشاريع تفتح الأفق للمستقبل يؤدي الى فتح المنافسة امام شبابنا في كل المنطقة انطلاقا من لبنان ووفق مشاريع تحاكي سنة 2040 او 2050! حق اللبنانيين عليما ان نطمئنهم ان جواز سفرهم الذي يحمل شعار الارزة اللبنانية سيستطيعون ان يفخروا به عبر ادخالهم الى 100 دولة من دون تأشيرة وحق اللبنانيين علينا ان تستوعب سوق العمل اللبنانية منذ الآن وحتى 3 سنوات مئة ألف خريج جديد.

نعم يا دولة الرئيس، الشعب اللبناني والشباب اللبناني بحاجة إلى ان نعطيهم املاً جديداً ببلدهم، وما أضيق العيش لولا فسحة الأمل.

وعلى أمل أن تصدق الحكومة بتنفيذ بيانها الوزاري أمنحها الثقة مع البقاء بموقع الرقابة والمحاسبة البرلمانية إنطلاقًا من الثقة التي منحنا إياها الشعب اللبناني.