IMLebanon

“القوات”: هذه حدود العلاقة مع “الحزب”

كتبت راكيل عتيِّق في “الجمهورية”:

كثيرون من اللبنانيين الذين ناضلوا وصبروا لتحقيق لبنان، دولة الحقوق والإنسان، كاملة السيادة، يعوّلون على حزب «القوات اللبنانية» الذي يعتبرونه الغصنَ الثابت الأخير من قوى 14 آذار، الذي لم يُجرِ تفاهمات أو تسويات مع «حزب الله» قبل أن يُسلّمَ سلاحَه إلى الدولة ويخضع كبقية اللبنانيين للدستور والقوانين.

التعاون الخجول بين «القوات» و«حزب الله» في الحكومة السابقة يبدو أنه يتظهّر أكثر في المرحلة الراهنة، فما هي حدودُه؟ البعض يسأل: هل تَخذُل «القوات» جمهورَ 14 آذار وتقبل بمنطق أنّ «ما باليد حيلة» أمام سلاح «الحزب» إلّا القبول بالأمر الواقع وإمرار الوقت بأقل مقدار ممكن من الضرر والنزاعات حتى يحين وقتُ «قطع ورقة» «الحزب» عسكرياً؟

يعتبر مؤيّدو توجّه «14 آذار» أنّ كل التفاهمات والسياسات مصيرها الفشل أو العرقلة في ظلّ وجود سلاح غير شرعي، في أيِّ يدٍ كان، مذكّرين بما حصل في 7 أيار 2008، ولافتين إلى وقوع حوادث أمنية كان آخرها رمي قنبلة «مولوتوف» على مركز حزب «الكتائب اللبنانية» في سنّ الفيل.

كذلك، يرى هؤلاء أنّ ما أعاق سياسات الرئيس الشهيد رفيق الحريري سابقاً، وسياسات الرئيس سعد الحريري لاحقاً، هو إقحام لبنان في سياسة المحاور والحروب المتكرّرة، وأنّ وجود «حزب الله»، ميليشيا مسلّحة على الأراضي اللبنانية، هو السبب المركزي الأوّل لتدمير كل مفاعيل ما عمل عليه الحريري الأب والحريري الإبن.

ويقولون: «كنا شهدنا أضعافَ مضاعفة للناتج القومي خلال السنوات الماضية لو لم يُدخلنا «حزب الله» في الحروب المتعددة في مختلف الاتّجاهات».

ويعتقد هؤلاء «أنّ محاربة الفساد شبه مستحيلة في ظلّ دولة غير ناضجة وغير مكتملة الصفات، وأنّ أيَّ نموٍّ اقتصاديّ غير قابل للتحقيق فالمستثمر «جبان» ويهرب من حيث توجد «بندقية»، وقبل الشروع في أيِّ عملية إصلاح يجب تأمين الاستقرار، فهناك مَن يحتكر الخيار الأمني والعسكري للبلد ويجعله «إقطاعية» له».

ويقولون: «لقد أَفقَروا الناس وأوصلوهم إلى اليأس والاكتفاء بالمطالبة بحقوقهم الأساسية البديهية لينسوهم الملفات الأكبر ووجود السلاح».

لكن، هناك منطق آخر ينادي بـ»تأمين أكبر مقدار من الاستقرار في البلد من دون الذهاب إلى مواجهات عقيمة لا تؤدّي إلّا إلى الاضطراب»، وهذا المنطق أدّى إلى تحالف بين «التيار الوطني الحر» برئاسة العماد ميشال عون آنذاك و«حزب الله»، كذلك دفع الحريري إلى أن يتشارك مع «حزب الله» الحكومات وإجراء التفاهمات والتسويات معه بمعزل عن سلاحه.

ويبدو أنّ «القوات» اقتنعت بهذا المنطق، إنما وفق معاييرها وحدودها الخاصة. فـهي مستمرّة في ربط النزاع مع «الحزب» الذي بدأ منذ عام 2005، وتعتبر أنّ اللبنانيين أمام ثلاثة خيارات:

ـ الأول، العودة إلى السلاح، الأمر الذي رفضته قوى «14 آذار» منذ اللحظة المليونية عام 2005 في ساحة الشهداء.

ـ الثاني، مقاطعة الدولة والطلاق السياسي، الأمر الذي رفضته أيضاً قوى 14 آذار.

ـ الثالث، المساكنة مع «حزب الله».

وتؤكّد «القوات» «أننا مستمرّون في النهج نفسه الذي أرسي منذ اللحظة الأولى لتظاهرة 14 آذار ولا خيار إلّا خيار تقوية الدولة وتوسيع هامش حضورها والمحافظة على الاستقرار، إضافةً إلى التمسّك بسياسة «النأي بالنفس» ورفض أيّ خرق لهذه السياسة، كذلك التمسّك بمرجعية الدولة وأحادية اصلسلاح في يد الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية الشرعية».

وترفض «القوات» القول إنها «تهادن» الحزب، فـ»هناك توازن قائم على مستوى الدولة بين القوى السياسية الرئيسة التي أفرزتها الانتخابات النيابية الأخيرة».

أمّا القاعدة التي تسري على علاقة «القوات» بـ«حزب الله» في المرحلة الحالية فهي «التعاون في المؤسسات ضمن قوانين اللعبة وقواعدها والملفات المطروحة على بساط البحث».

وبالنسبة إلى «القوات» هناك دائماً في كل علاقاتها وتحالفاتها ومقارباتها قاعدة واستثناء. والقاعدة التي تسري على علاقة «القوات» بـ«حزب الله» في المرحلة الراهنة هي التعاون في كل الملفات داخل المؤسسات الدستورية باستثناء الموضوع الخلافي الكبير بينهما ويعترفان به، وهو الاختلاف في النظرة الاستراتيجية الى دور لبنان وسلاح الحزب».

أمّا الاستثناء فهو الاشتباك بين «القوات» و«الحزب» داخل المؤسسات، على غرار الاشتباك الأخير في مجلس النواب حول رمزية الرئيس الشهيد بشير الجميل».

ولكن بالنسبة إلى «القوات» توضّح أنّ «الحزب ليس في وارد العودة إلى منطق القطيعة وأنّ ما حصل هو الاستثناء وخروج عن القاعدة وأنّ «الحزب» يرغب الاستمرار في التعاون داخل المؤسسات وتحت سقفها».

ولدى «القوات» الرغبة نفسها، فهي «في حالة ربط نزاع معه في المواضيع الاستراتيجية بغية بناء دولة حقيقية وفعلية مُمسكة بقرارها الاستراتيجي. وفي انتظار ذلك تحرص على أن يتمكّن اللبناني من العيش بكرامة في دولة غير فاسدة تقدّم له المتطلبات الحياتية الضرورية».

ومن هذا المنطلق، «القوات» على استعداد للتواصل مع أيّ فريق سياسي يتقاطع معها على المفاهيم نفسها المتعلقة بإدارة الدولة ولجهة التزام القوانين المرعية، والتعاطي بشفافية. وإنّ تعاونها وتعاملها مع «الحزب» محصور «في هذه المواضيع وتحت سقف المؤسسات فقط لا غير».

وفي هذه الأجواء يَظهر «ودٌّ» مفاجئ بين عدد من نواب الحزبين ووزرائهما، أمّا توجيهات رئيس «القوات» سمير جعجع في هذا الصدد واضحة وهي:

التعامل والتواصل مع «الحزب» كوزراء «القوات» وفق «القاعدة الراهنة» ولا نقبل أيَّ تعاطي للآخرين مع وزرائنا إلّا على أساس أنهم وزراء «القوات» وليس وفق أسس أو حساسيات شخصية.

ويبدو أن لدى الحزبين رغبة ورؤية مشترَكة للعلاقة بينهما وحدودها «التعاون والتواصل داخل المؤسسات في كلّ الملفات باستثناء ملف السلاح»، وتقول مصادر «الحزب» لـ«الجمهورية» إنّ «هناك تعاوناً بيننا وبين وزراء «القوات» منذ الحكومة السابقة ولكننا غير متفقين سياسياً، فنحن و«القوات» خصوم في السياسة والعلاقة مع هذا الحزب رسمية، وقد نتّفق فقط في بعض الملفات في مجلس النواب أو في مجلس الوزراء».