IMLebanon

“راهبات الصليب”… تفانٍ لا محدود في عز “الزمن الصعب”

“إنّ سعادة الإنسان ليست في المال الذي يملكه بل في الخير الذي يصنعه”… لم تكن هذه الكلمات التي قالها الطوباوي أبونا يعقوب الكبوشي مجرّد أقوال لا تلقى صدًى بل تجسدت واقعًا وحاضراً مكللين بأفعال إيمان ورجاء وخير ومحبة حملتها راهبات الصليب بتناغم عذب بين تطبيق محبة الله على الأرض بأسمى صورة تحمل معنى الإنسانية وإعلاء أولوية كرامة الإنسان.

ففي ظل المشاهد التي صدِم بها اللبنانيون وانتشرت كالنار في الهشيم على شاشات التلفزيون ومواقع التواصل الاجتماعي للحال المزرية التي يعاني منها نزلاء في “مستشفى الفنار للأمراض العقليّة والعصبيّة” حيث بدا المشهد أشبه بالقرون الوسطى، كان لا بد من الإضاءة على نماذج مختلفة ومميزة تحمل الرسالة منها جمعية راهبات الصليب رغم الظروف المالية الصعبة التي تواجهها وذلك وفق ما عايشتُه عن قرب من تعاطٍ نابض بالرقي والانسانية وكما يؤكد كثيرون ممن تابعوا وعاينوا عمل هذه الجمعية الإنساني بامتياز.

هذه الظروف الصعبة لم تمنع نحو 3000 مريض ونزيل، منهم 1000 نزيل ومريض في مستشفى الصليب للأمراض العقليّة والنفسيّة – جلّ الديب ونحو 600 نزيل ومريض في مستشفى السيّدة للأمراض المزمنة – أنطلياس ونحو 300 نزيل ومريض في مستشفى راهبات الصليب – دير القمر من ان يتمتعوا بخدمات الجمعية الإنسانية أولًا والتي تشمل عنايتها كل من يأتي إليها من دون أي تمييز او تفرقة تنفيذًا لوصية المؤسس الطوباوي أبونا يعقوب، فيما يتوزع بقية المستفيدين من خدمات الجمعية على مؤسسات ومراكز أخرى في لبنان والخارج.

ورغم ان الدولة لم تدفع ما يتوجب عليها تجاه مستشفيات ومؤسسات تقدم هذه الخدمات الإنسانية بامتياز طيلة عام 2018 وعلى مدى أشهر من العامين السابقين فإن كرامة المريض والنزيل شكلت الأولوية المتواصلة واستمرت خدمتهن بكل تفانٍ واحترام، في تثبيت جديد لرسالة الطوباوي أبونا يعقوب: ” أقصدوا أن تعملوا الخير حبًّا للخير، وحبًّا لله وطاعةً له”…

لكن كل ما سبق لا يعفي الدولة اللبنانية من مسؤوليتها الأساسية في هذا الاطار، فالواجب الأخلاقي والإنساني أولاً قبل الواجب العملي يوجب إيلاء الأهمية القصوى لهذه المستشفيات كي تتمكن من الاستمرار برسالتها وفق اعلى المعايير التي يعملن على أساسها خصوصاً في ظل التعاطي اليومي والمستمر مع حالات مرضية عصبية وعقلية تستوجب عناية خاصة وعالية المستوى لا تقتصر على الرعاية إنما تتناول كافة جوانب حياة الإنسان الكريمة الذي خلقه الله على صورته ومثاله فهل يأتي أخوه الانسان ليرميه في غياهب النسيان المجهولة ويذله وسط اصعب الظروف كتلك التي شاهدناها في اليومين الماضيين، أم نعيش معاً فرح الرحمة والاهتمام بكرامة الإنسان التزاماً بوصايا الله؟ انها ببساطة الرسالة التي تنير درب راهبات الصليب في عملهن النابع بداية من الرسالة التي اختارها الطوباوي ابونا يعقوب الكبوشي منذ ثلاثينات القرن الماضي. كما يمكن لكل واحد منا ان يلعب دورا في دعم هذا العمل الإنساني الرائع عبر مبادرات خاصة وتبرعات تساعد الجمعية في أداء مهماتها التي لا يمكن وصفها حسب متابعتي لعملهن الدؤوب الا بالمهمة الجبارة، على امل ان تعي الدولة حجم أهمية دورها الذي يؤمن استمرارية مطلوبة.

ان رفع لواء الإنسانية وحقوق الانسان بالعيش بكرامة وعزة وحقوق المريض بعناية إنسانية كريمة ليست مجرد شعارات فالجميع مسؤول عن تطبيقها والعمل على تحقيقها بكل ما أوتي من قوة، فغياب الدعم المالي لا يعني ان نشاهد صورًا كالتي رأيناها حول تحويل مرضى نفسيين وعقليين الى سجناء أشبه بجثث متنقلة كما ان تقصير الدولة المالي ليس مبرَراً فالإنسان وكرامته يفترض أن يكونا أولوية أي عمل وزاري وحكومي وحتى شعبي. وتبقى راهبات الصليب، وكما تؤكد الشواهد كافة وفق التماس المباشر مع حالات عدة تهتم بها مراكزهنّ، حاملات أمينات لوصايا الخالق بالمحبة وتوصيات المؤسسة بالخدمة وما تفرضه الإنسانية علينا جميعاً من تعاون وتكافل وتضامن في ظل أوضاع صعبة لا يجدر لأي مريض ان يدفع ثمنها مرتين واكثر…