IMLebanon

طرابلس بين “النيابية” و”الفرعية”: تغييرات لمصلحة الحريري ولكن…

أبعد من السجال الذي فجّره الخميس، أعاد المجلس الدستوري الأضواء الانتخابية إلى عاصمة الشمال طرابلس. ذلك أنها ستشهد بعد شهرين معركة فرعية لملء المقعد السني الذي شغر بإبطال نيابة عضو كتلة “المستقبل” ديما جمالي. وإذا كان تيار “المستقبل” قد قفز فوق ما سماه “غدرا” مارسه المجلس الدستوري في حقه، فإنه لم يخرج عن التوقعات في شأن إعادة الدفع بجمالي إلى حلبة المعركة الانتخابية، بطلب من الرئيس سعد الحريري شخصيا.

على أن أهمية الصراع الانتخابي في طرابلس، تتجاوز الفرضية القائلة بأن إجراء المنازلة على أساس القانون الأكثري من شأنه أن يؤمّن عودة سلسة لجمالي إلى مقعدها الذي أبعدت عنه فجأة. ذلك أن المشهد الانتخابي الطرابلسي سجّل فوارق كبيرة بين استحقاقي أيار 2018 ونيسان 2019.

قبل عام من اليوم، أي في مرحلة إعداد العدة لليوم الانتخابي الكبير، كان طبيعيا أن تكون عيون المتابعين للشؤون الانتخابية على دائرة الشمال الثانية (طرابلس- المنية – الضنية)، خصوصا لجهة مكاسب تيار “المستقبل” وخسائره، إذا وجدت. كيف لا، وطرابلس تعد أهم القلاع “المستقبلية”، ومعقل عدد من رؤساء الحكومات، ما يعني أن المنافسة هي تلك التي تضع الحريري وتيار “المستقبل” وخياراتهما السياسية، لاسيما منها تلك المرتبطة بالتسوية الرئاسية الشهيرة، في منافسة مع أهم خصومه في معقله السني الأول، علما أن منذ دخول الاتفاق المبرم مع الرئيس ميشال عون، تصاعدت الأصوات “السنية” المناوئة لهذا الخيار، فكان أن سجّل “المستقبل” خسائر في مجلس النواب الجديد.

الصورة عينها عكسها المشهد الانتخابي المعقّد في طرابلس تحديدا. فكان تعدد “الأقطاب” السنّة السبب الطبيعي لغياب التحالفات في معركة نسبية مطعّمة بصوت تفضيلي أكثري يقف وراء ما يمكن اعتبارها “حروب إلغاء” خاضها كبار قادة الطائفة السنية في صناديق الاقتراع، فنافست اللائحة الزرقاء أخرى ألفّها الوزير السابق فيصل كرامي (متحالفا مع “الأحباش” وتيار “المردة”)، وثالثة للنائب السابق مصباح الأحدب، ورابعة شارك من خلالها رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي في المعركة على 8 مقاعد موزعة على الشكل الآتي: 5 سنة، 1 ماروني، 1 علوي، 1 روم أرثوذكس.

ولا يخفى على أحد أن تيار “المستقبل” ومعه الحريري دفعا من رصيدهما الشعبي، وفي صفوف الطائفة السنية، أولا ثمن بعض الخيارات التي ركنا إليها. لكن قد يكون من الظلم بمكان حصر تفسير النتائج التي انتهت إليها الصناديق الطرابلسية بأسباب سياسية بحتة. ذلك أن الموضوعية تقتضي الاعتراف بأن التيار الأزرق دفع أيضا ثمن قبوله بقانون نسبي قلّص عدد ممثليه في الندوة البرلمانية، بدليل أن ميقاتي وكرامي والنائب جهاد الصمد دخلوا المجلس الجديد من خارج عباءة “بيت الوسط”. على أن المفاجأة الكبرى كمنت بما لا يرقى إليه شك في بقاء اللواء أشرف ريفي، المعارض الشرس للسياسات الزرقاء منذ العام 2016، خارج المجلس، وهو الذي كان فجّر قنبلة من العيار السياسي الثقيل بنجاحه وحيدا في اكتساح مقاعد المجلس البلدي لـ”الفيحاء” في مواجهة اللائحة الائتلافية التي ألّفها الأقطاب في الانتخابات البلدية عام 2016، وهو ما كان دفع النائب السابق روبير فاضل إلى الاستقالة من منصبه غداة الاستحقاق البلدي.

بين الأمس واليوم، تبدّلت الوقائع السياسية، وبعض التموضعات، والعين الانتخابية واحدة ترصد أولا تيار “المستقبل” في إحدى أكبر المدن ذات الأكثرية السنية في لبنان. ففي وقت اعتبرت منازلات طرابلس النيابية أول غيث المنافسات على الرئاسة الثالثة والزعامة السنية في لبنان، يبدو الحريري اليوم أكثر راحةً إلى وضعه الشعبي بين ناسه، والسياسي في سياق المواجهة مع الخصوم، بدليل أنه عاد إلى رئاسة الحكومة، ما يرجّح كفة الميزان الانتخابي لمصلحته بطبيعة الحال للأسباب المعروفة. إلا أن هذا لا ينفي أن معركة تأليف الحكومة، على رغم طول مدتها واستنزافها مقدرات الناس والبلاد والعهد، أتاحت لزعيم التيار الأزرق تسجيل عدد من الأهداف الثمينة في مرمى معارضيه، من المفترض أن تنعكس عليه إيجابا في صناديق الاقتراع “الفرعية”. ففي وقت انسحب الوزير محمد الصفدي من منافسات أيار لمصلحة “المستقبل”، فإن أحدا لا يشك في أن إقدام الحريري على ضم زوجة الصفدي، وزيرة الدولة لشؤون تمكين المرأة والشباب فيوليت خيرالله الصفدي، إلى حصته الحكومية من شأنه أن يقلب كثيرا من المعادلات ويضيف صبغة “زرقاء” على النتائج، تماما كما هي حال انضمام وزير الدولة لشؤون تكنولوجيا المعلومات عادل أفيوني إلى الفريق الوزاري الأزرق، بناءً على اتفاق بين الحريري وميقاتي أعلنه الأول في مؤتمره الصحافي الشهير في 13 تشرين الثاني 2018.

على أي حال، فإن هذه الإيجابية لا تنفي أن أبناء طرابلس من أعضاء “اللقاء التشاوري” السني لن يتوانوا عن استثمار الهدف الذي سجّلوه وزاريا في مرمى الحريري، في الميدان النيابي، بدليل النبرة العالية التي ركن إليها كرامي في معرض القنص على قرار “الدستوري”. كل هذا، فيما لا يغيب عن بال أحد رصد خطوة ريفي المقبلة، وما إذا كان سيمضي في المواجهة “المعارضة” مع حليفه الحريري السابق.