IMLebanon

حسابات “حزب الله” (بقلم رولا حداد)

ثمة إجماع في لبنان، وحتى في الخارج، أن “حزب الله” خرج منتصراً في الانتخابات النيابية بعدما تمكن من أن يحظى مع مؤيدي خطه الاستراتيجي بأكثرية مريحة في المجلس النيابي الجديد، وهو ما كان عبّر عنه قبل أشهر قائد فيلق القدس اللواء قاسم سليماني. كما خرج الحزب منتصراً مع تشكيل الحكومة الجديدة، بعدما رفع نوعية مشاركته بالحصول للمرة الأولى على وزارة الصحة من دون أي ممانعة داخلية رعم كل التحذيرات الأميركية، وبعدما فرض تمثيل النواب السُنة في 8 آذار بوزير للمرة الأولى منذ العام 2005، وأيضاً عبر فرض احتفاظ تيار “المردة” بحقيبة الأشغال العامة من دون أن يتبرّع بها من الحصة الشيعية!

لكن، وفي الوقت نفسه، يعمل “حزب الله” على التخفيف من حجم انتصاره، وعلى محاولة الظهور بمظهر الوداعة بشكل يستحق التوقف عنده، وليس آخر ظواهره التراجع عمّا قاله النائب نواب الموسوي في مجلس النواب واعتباره “انفعالاً شخصياً” وطلب شطبه من المحضر، إضافة الى كل الأخبار عن إجراءات عقابية بحق الموسوي!

قبل ذلك حرص السيد حسن نصرالله على نفي الانتماء الحزبي لوزير الصحة الجديد جميل جبق، كما حرص على الظهور بمظهر الحريص على الوضعين المالي والاقتصادي وعلى ضرورة مكافحة الفساد، في خطابين تراجعت فيهما نبرة مهاجمة دول الخليج العربي، وتغلّب عليهما الطابع التهدوي!

ما الذي يحصل؟ ولماذا انتقل “حزب الله” من موقع الهجوم الى موقع التهدئة؟

الثابت أن الحزب المنتصر داخلياً، والذي تمكن من الإمساك بمفاصل اللعبة السياسية من خلال الإمساك بالمؤسسات الدستورية، يحتاج الى تثبيت انتصاره عبر تهدئة الشارع وليس تسعيره، بهدف واضح وهو جعل الجميع ينساق في مسار التهدئة والتطبيع مع واقع سيطرة الحزب. فبمقدار ما تتشنّج الأوضاع داخلياً بمقدار ما يعرّض الحزب نفسه لارتدادات هذه التشنّجات، كونه المسيطر الفعلي والممسك بإدارة اللعبة السياسية الداخلية بشكل أو بآخر!

يريد الحزب اعتماد سياسة “صفر مشاكل” مع كل الأطراف الداخلية في هذه المرحلة. تمسّك بأن يشكل الرئيس سعد الحريري الحكومة ومنحها الثقة للمرة الأولى. عالج الثغرات التي شابت علاقته مؤخراً بـ”التيار الوطني الحر” وكال السيد نصرالله المديح للوزير جبران باسيل. سوّى الأوضاع مع النائب السابق وليد جنبلاط، وفتح خطوطاً مقبولة مع “القوات اللبنانية” وتراجع عن إثارة الشارع المسيحي في قضية الرئيس الشهيد بشير الجميل.

“حزب الله” لا يريد إشكالات سياسية في الداخل لأنه يركّز على تجاوز المرحلة الإقليمية والدولية الخطرة التي تواجهه وإيران، بدءًا من العقوبات الأميركية عليه وعلى طهران، مروراً بمؤتمر وارسو والتطورات التي يمكن أن تنتج عنه، وليس انتهاء بعملية الإقصاء التي تتعرض له إيران في الداخل السوري بعد سلسلة الضربات الإسرائيلية لمواقعها. وتدرك طهران كما “حزب الله” أن ثمة رفضاً أميركياً- أوروبياً- روسياً- صينياً لبرنامج صواريخها البالستية الذي لا يمكن أن يمرّ، وأن سياسة العقوبات لن تنتهي بالنسبة للولايات المتحدة قبل الخضوع الإيراني، في حين تحتاج إيران إلى متنفّس يعينها على تمرير الوقت المتبقي من ولاية الرئيس دونالد ترامب الأولى، أو على الأقل السنة الحالية 2019، بفعل أن سنة الـ2020 ستكون سنة الانتخابات الأميركية، ما يشتت أنظار واشنطن نحو معركتها الرئاسية الداخلية فتنشغل عن العقوبات.

إنها المرحلة الانتقالية بالنسبة الى إيران و”حزب الله”، والمطلوب تمريرها بأقل الأضرار الممكنة إقليمياً وداخلياً في لبنان، ولذلك من المرجّح أن تستمر في هذه الفترة صورة “حزب الله” المسالم والمهادن والتهدوي من أجل ضمان السيطرة السلسلة على القرارات الأساسية، ومن أجل تفادي معارك جانبية لن يكون توقيتها مناسباً في سياق المعركة الكبرى!