IMLebanon

بالأسماء: الكشف عن أعضاء مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء

كتب يوسف دياب في صحيفة “الشرق الأوسط”:

وضع رئيس البرلمان اللبناني نبيه برّي بند تشكيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء على نار حامية، ودعا إلى جلسة عامة للمجلس النيابي يومي الأربعاء والخميس المقبلين، لانتخاب سبعة نواب كأعضاء في هذا المجلس، بهدف إطلاق عملية مكافحة الفساد وتفعيل دور القضاء والهيئات الرقابية والبدء بعملية المحاسبة، في وقت عيّنت السلطة القضائية ثمانية قضاة ليتولوا مناصبهم في المجلس بالإضافة إلى المدعي العام ومساعديه.

ويأتي هذا التحرّك غداة الكشف عن مخالفات للقانون ارتكبها وزراء في الحكومة السابقة، عبر توظيف آلاف الأشخاص في الوزارات وإدارات الدولة لأسباب انتخابية وبما يخالف سياسة وقف التوظيف، وهو ما رتّب على خزينة الدولة أعباء مالية كبيرة، وقد أدرج رئيس البرلمان على جدول أعمال الجلسة بنوداً تتعلّق بمساءلة الوزراء حول بعض الملفات بما فيها التوظيفات العشوائية.

وما إن تلقّى مجلس القضاء الأعلى كتاب برّي، الذي دعاه لتعيين القضاة الأعضاء في المجلس الأعلى، حتى سارع المجلس إلى تلبية هذا الطلب، وكشف رئيسه القاضي جان فهد لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «الهيئة العامة لمحكمة التمييز (المؤلفة من رؤساء محاكم التمييز في لبنان)، اجتمعت واختارت ثمانية من كبار القضاة رتبة ودرجة، وهم رئيس مجلس القضاء الأعلى (القاضي فهد) الذي يرأس مجلس محاكمة الرؤساء والوزراء، والقضاة: جوزيف سماحة، ميشال طرزي، كلود كرم، سهير الحركة، جمال الحجار، عفيف الحكيم ورولا جدايل». وأشار إلى أنه «تمّ تعيين المدعي العام لدى المجلس وهو النائب العام التمييزي القاضي سمير حمود، ومساعدين له هما القاضيان عماد قبلان وموريس بركات». وأكد القاضي فهد أنه «وجه كتاباً لوزير العدل البير سرحان بهذه النتيجة، على أن يحيلها الوزير إدارياً إلى المجلس النيابي».

ومع تسارع هذه الخطوات، أكدت مصادر مقرّبة من الرئيس نبيه بري، أنه «مصمم على تشكيل المجلس الأعلى بأقصى سرعة، لمحاكمة أي وزير يخالف القانون، وخارج أي حماية سياسية». وأوضحت مصادر برّي لـ«الشرق الأوسط»، أن «العقبة التي تحول دون مكافحة الفساد، هي أن بعض المسؤولين يخالفون القانون ولا يجدون من يحاسبهم»، مشيرة إلى أن «هناك عدداً كبيراً من المناقصات ردّتها هيئة المناقصات لعدم مراعاتها القانون، لكن الوزراء أصروا عليها، وملف البواخر خير شاهد على ذلك».

ويعدّ تشكيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، مدخلاً إلزامياً لمحاسبة الوزراء وحتى الرؤساء حيال أي مخالفة، طالما أن الحصانة السياسية التي يتمتع بها هؤلاء تحول دون مثولهم أمام القضاء، ولأن المجلس الأعلى هو المحكمة الخاصة والوحيدة التي يحق لها محاكمة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء.

وعمّا إذا كانت الحمايات السياسية قد تحول دون ملاحقة الوزير المرتكب أو الرئيس الذي يخالف القانون، ذكّرت مصادر برّي بأن «أهمية المجلس الأعلى أنه يسقط الحماية عن أي مسؤول مهما علا شأنه، وتصبح القوى السياسية أمام لحظة لا يمكنها التراجع عنها، خصوصاً بعدما أجمع 54 نائباً خلال جلسات منح الحكومة الثقة، على المطالبة بمكافحة الفساد». وشددت المصادر على أن رئيس المجلس «جدي إلى أبعد الحدود في معالجة آفة الفساد، وسيعقد جلسات شهرية للبرلمان لاستجواب ومناقشة الحكومة حول بعض الملفات، بمعزل عن الجلسات التشريعية».

وتتقاطع آراء رجال القانون والدستور على أن محاربة الفساد خاضعة لحمايات سياسية يصعب تخطيها، واعتبر وزير العدل الأسبق شكيب قرطباوي، أن المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء «يحظى بأهمية قوية من حيث الصلاحيات التي يتمتع بها، لكن بالممارسة لم يثبت فاعليته ولا مرّة، انطلاقاً من أن كلّ فريق سياسي يحمي جماعته من الملاحقة». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «هذا المجلس لديه صلاحية محاكمة رؤساء، لكن غياب أي قرار جدّي بملاحقة أي رئيس أو وزير مرتكب، يبقى عديم الجدوى». وقال وزير العدل الأسبق «إذا أردنا أن نحارب الفساد، يجب أن لا يقتصر الأمر على الموظفين من الفئات الدنيا، بل يجب أن يطال من هم في المراكز العليا بمن فيهم السياسيون».

وتنصّ المادة 80 من الدستور اللبناني، على أن «المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، يتألف من سبعة نوّاب ينتخبهم مجلس النوّاب وثمانية من أعلى القضاة اللبنانيين رتبة حسب درجات التسلسل القضائي أو باعتبار الأقدمية إذا تساوت الدرجات، وتتخذ القرارات بغالبية عشرة أصوات من أصل خمسة عشر صوتاً».

لكن أستاذ القانون الدولي الدكتور أنطوان صفير، أشار إلى أن «المجلس الأعلى يتحرّك عندما تحال الملفات إليه من قبل القضاء، ويطلب عندها رفع الحصانة عن الرئيس أو الوزير، أو عندما يدعي مجلس النواب على أحد منهم ويبدأ بمحاكمته». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، يمكنه أن يشكل من أعضائه لجنة تحقيق تستجوب المسؤول المرتكب وتصدر مضبطة اتهام بحقه، كما يشكل هيئة للمحاكمة وإصدار الأحكام». لكن صفير ذكّر بأن «المجلس الأعلى الذي يُشكّل من كلّ الكتل النيابية، لا يستطيع أن يقوم بدوره إلا بقرار سياسي».

وسبق للبنان أن شكّل المجلس مرتين، الأولى في العام 1996 والثانية في العام 2010. لكن لم يسبق لهذا المجلس أن مارس الصلاحيات المنوطة به، لأسباب سياسية.