IMLebanon

هل يمكن المراهنة على يقظة مسيحية؟! (بقلم رولا حداد)

بعد أن أتحفتنا الطبقة السياسية في لبنان على مدى أشهر بضرورة تشكيل الحكومة قبل الوصول الى الانهيار الشامل، ظننا للوهلة الأولى أن الحكومة العتيدة ستباشر العمل والإجراءات الإصلاحية وسياسات التقشف من اليوم الأول لنيلها الثقة، كي لا نقول منذ لحظة صدور مراسيم التشكيل!

لكن ما تبيّن بعد مرور جلستين لمجلس الوزراء أن الحكومة في وادٍ والعمل والإصلاحات والإنجازات في وادٍ آخر، فلا بنود إصلاحية على جدول أعمال أول جلستين، لا بل على العكس بنود تتضمن المزيد من الإنفاق غير المجدي!

وإذا كان استهتار المسؤولين بلغ حدّاً فرض على المسؤولين الفرنسيين أن يرسلوا تحذيراً واضحاً وصريحاً ومباشراً مع مهلة محددة للمباشرة بالإجراءات الإصلاحية، فإن أي رد فعل رسمي لبناني يدلّ على إحساس بالمسؤولية لم يصدر بعد. ولم يكن ينقصنا إلا تقرير “ستاندرد آند بورز” الذي أبقى تصنيف لبنان الائتماني السيادي عند مستوى (B-) مخفّضاً في الوقت نفسه النظرة المستقبلية من مستقرة إلى سلبية، ما يهدّد بمزيد من تخفيض التصنيف الائتماني ما يهدد وضعنا المالي برمته لخطر الانهيار الشامل!

ولكن هل سيتحرك المسؤولون؟ وفي أي اتجاه؟

الثابت بعد ما حصل في الجلسة الثانية أن ما نعاني منه في لبنان يتراوح بين حدّي اللامسؤولية المطلقة والتواطؤ المشبوه على الاقتصاد الوطني. هكذا، وعوض الذهاب نحو الإجراءات الإصلاحية وسياسات التقشف المطلوبة، عمد مجلس الوزراء، وعلى سبيل المثال لا الحصر، إلى إقرار الدرجات الستة للأساتذة الثانويين، وكأن أكثرية الوزراء الذين صوّتوا مع إعطاء الدرجات يعيشون في “لالا لاند” ولم يسمعوا يوماً أن لبنان يعاني أوضاعاً اقتصادية ومالية كارثية، وأن المطلوب إصلاحات وتقشف وليس المزيد من الإنفاق!

لكن اللافت كان تصدّي بعض الوزراء لهذا التوجّه، وهم عملياً وزراء “التيار الوطني الحر” الذي تحدّث باسمهم رئيس “التيار” الوزير جبران باسيل محاولاً ثني الحكومة عن هذا القرار لأن “البلد كله في خطر”، إضافةً إلى وزراء “القوات اللبنانية” الذين حاولوا جاهدين منع إقرار هذا البند، لكن هاجس الشعبوية بقي مسيطراً على 18 وزيراً فأقرّ البند لتحميل الخزينة نفقات وأعباء إضافية!

ولعل أسوأ ما حصل في تلك الجلسة أن الرئيس سعد الحريري توجّس في مداخلته من أن يمتنع مجلس الوزراء عن إقرار الدرجات الستة فيقرها النواب في مجلس النواب بهدف الشعبوية، ففضّل أن تمارس الحكومة الشعبوية، ونسي أن الكتل السياسية في الحكومة هي نفسها التي تكوّن مجلس النواب، فهل يمكن لأي نائب أن يصوّت عكس توجّه كتلته؟!

لكن، وانطلاقاً مما جرى، آن الأوان للتعويل على الوعي الذي لمسناه لدى وزراء “القوات” و”التيار” ليبنوا على المشترك بينهم، وينسّقوا بالحد الأدنى المطلوب، وعلى الأقل للدفع في اتجاه ضبط الإنفاق وعدم السماح بالمزيد من الانزلاق، ومحاولة فرض طرح الإجراءات الإصلاحية المطلوبة قبل فوات الأوان، في ظل تراخي الأطراف الأخرى واستسهالها في الإدمان على الإنفاق!

هل يمكننا أن نراهن على “يقظة مسيحية” بهذا المعنى، علها تستقطب الآخرين فتتمكن الحكومة من معالجة الخلل المنهجي في الأداء الذي اعتاد الإنفاق لأهداف شعبوية؟ في ظل كثرة التشاؤم الذي يعصف بنا، لا مفرّ من الإبقاء على نافذة الأمل هذه، عسى أن نعود إلى روحية “اتفاق معراب” من بوابة الإصلاح… لم لا؟