IMLebanon

عندما تكون المواجهة «غير عسكرية» إلى أين سيصل حزب الله؟

حزب الله والمعركة الثالثة
في لحظة زمنية، يعود لحزب الله وحده، الإجابة عن اعتبارات اختيارها، واعتبارها ميلاداً لمعركته «الثالثة» التي ينفرد بخوضها، بقرار واضح وصريح من قيادته أو من أمينه العام.. (والمعركة الثالثة) هي محطة من محطات الحزب، التي يصح اعتبارها تحولية.
الأولى: معركة التحرير من الاحتلال الإسرائيلي، وعصاباته اللحدية، وقبلها الحدادية (نسبة إلى سعد حداد)، والتي سبقته إليها، فصائل فلسطينية، ولبنانيون منخرطون في هذه الفصائل، فضلاً عن أحزاب اليسار اللبناني، والأحزاب ذات التوجه القومي (البعث، والسوري القومي الاجتماعي، والتنظيمات الناصرية).
بعد اجتياح 1982، ودخول جنود الغزو الإسرائيلي بيروت والضاحية الجنوبية والجبل، وصولاً إلى ضهر البيدر، كانت حركة «امل» في طليعة قوى المقاومة، إلى جانب جبهة المقاومة الوطنية، التي أطلقت في 16 أيلول 1982، بمبادرة من قيادتي الحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي، وكان الحزب السوري القومي طليعياً فيها.
بعد طرد الغزاة من بيروت، ودحرهم من صيدا، لعب حزب الله دوراً متنامياً، حتى انفرد، قبل اتفاق الطائف، بأنه أصبح الحزب الوحيد المسموح له بالعمل المقاوم، وصولاً إلى التحرير عام 2000… ونجح الحزب مع الوقت في ان يكون حزباً مقاوماً، ذا حضور شعبي كبير، وسمعة لبنانية وعربية وحتى دولية رائدة… باعتباره حركة من حركات التحرير الوطني، على الرغم من سيادة نظام عالمي جديد وانهيار الاتحاد السوفياتي..
الثانية: معركة الانخراط في الحرب السورية، وما تبع ذلك من مواجهات، وأخذ وردّ، إلى أن تمكن من تسجيل ضربات قوية لحركات تقاتل هناك، وصفت بأنها «حركات تكفيرية إرهابية»..
ونجح الحزب في مهمته تلك، وتحوَّل إلى رقم «إقليمي» ذي نفوذ في مناطق التوتر والحروب، من سوريا، الى العراق واليمن، واتهم بأنه يدافع عن نظام نيكولاس مادورو في فنزويلا…
الثالثة: وهي انخراط، متأخر في معركة مكافحة الفساد، أو استئصاله أو الحدّ منه أو…
مهّدت لهذا التقرير، بتجاهل الأسباب التي دفعت الحزب إلى المعركة، أو المجازفة الكبرى، في الدخول أكثر تفصيلاً في الوضع الداخلي اللبناني، في محاولة، يرى فيها البعض، أنها ترمي إلى تقديم أوراق اعتماده «لتبنيه» من قبل الدول الكبرى التي تتبنى «الأجسام السياسية اللبنانية» في عملية التحوّل السياسي أو إدارة البلد.
ومع ذلك، تتنامى الأسئلة حول مآرب الحزب من الدخول في هذا التحدّي الصعب، لكنها تتمحور حول سؤال مركزي محوري: هل ينجح الحزب في هذه المهمة؟
يؤسّس الحزب إجابته على سمعة اكتسبها في تاريخه، الذي يقترب من ثلاثة عقود وبضعة أشهر، ومن المعارك التي دخلها، وظفر بها، أو ببعضها، أو كانت له حصة كبرى أو صغرى في الانتصار.. هذا أولاً.. وثانياً، يؤسس الحزب إجابته، على «الثقة الملحوظة» بقيادته، لا سيما أمينه العام السيّد حسن نصر الله، إذ سألني صديق، عن مدى الجدية لدى الحزب، لكنه استدرك وقال: إذا كان الأمين العام هو من يتابع هذه المعركة فإن في الأمر «جدية»!
في اللحظة، الزمنية المناسبة هذه، يُمكن رصد الآتي:
1- ليس شعار مكافحة الفساد مسألة جديدة، إنها قديمة، قدم النظام اللبناني، لكنها احتدمت بعد العام 2005، وأصبحت ظاهرة، تهدّد بأكل «الأخضر واليابس» في البلد.
2 – يُمكن للرئيس نبيه برّي القول إنه أول من كافح الفساد، فهو طرد حركيين قياديين، وهو رفع الغطاء عن أحد الوزراء البقاعيين، تمهيداً لوضعه في السجن… إلخ… فهو بإمكانه التكرار: قاومت الاحتلال،  وقاومت الفساد، وذكرت الحكم القوي بـ«6 شباط» 1984..
3 – يستفيد الحزب من ان حليفه التيار الوطني الحر، رفع شعار مكافحة الفساد، من باب الإصلاح والتغيير، ويسمع الكثير من القضاة والمدراء العامين، ورؤساء هيئات الرقابة انه يريد فعلاً لا قولاً مكافحة الفساد..
والسؤال: ماذا عن دور حليفه، وهل لديه وزراء أو قياديين مشتبه بهم، مثلاً؟!
4 – يرفع حزب «القوات اللبنانية» بدوره شعار الفساد، ويقاتل عبر وزرائه، ضد بواخر الكهرباء، إلى جانب الحزب التقدمي الاشتراكي.
من الجمهورية «القوية» إلى التكتل «القوي»، فالحزب القومي، إلى حركات وأحزاب، إلى تظاهرات الحزب الشيوعي والتنظيم الشعبي الناصري، في وسط بيروت: صوت واحد لا للفساد.. ثم لاستئصاله من غير ان ننسى طبعاً، الترداد الدائم لرئيس الحكومة من اتفاق مع «فخامة الرئيس ودولة الرئيس» على مكافحة الفساد..
ضمن هذا المسار، سار الحزب وراء قصده: «أعدَّ العدة التنظيمية، كلَّف أحد النواب النشطاء، والمخلصين، للأمين العام، جمع المادة، جمع المعطيات، ولا يزال يشمّر عن سواعده: أول خطوة، خطاب ناري للنائب حسن فضل الله، المكلف «تنفيذياً» بهذا الملف في جلسة منح الثقة، (ومنح الحزب الثقة للحكومة).. ثم مؤتمر يكشف عن خطوة على الأرض باتجاه النائب العام المالي، الذي سارع إلى استدعاء موظفة في وزارة المال…
انفجر الخلاف، علناً، الرئيس فؤاد السنيورة، يرد الصاع صاعين في مؤتمر صحفي، حضره أقطاب 14 آذار، من حلفاء رئيس الحكومة السابق، وبدا تيّار «المستقبل» معني بهذا المؤتمر ومضامينه، التي تتركز على ان الفساد يبدأ من كون الحزب «دويلة ضمن الدولة»، فضلاً عن كلام عن كابتوغون، ومرافئ وموانئ.. الخ…
هنا عودة إلى الأسئلة، التي هي من نوع جديد؟
1- ما طبيعة الفساد الذي يحاول الحزب، بمدنييه ونوابه ان يصرعه؟ بما يتمثل؟ وما السبيل إلى ذلك؟
2 – ما هي الحدود التي يُمكن للحزب أن يرسمها لمشروعه: الاكتفاء بما سيحدث لجهة الرقابة والمحاسبة وو… أو إعادة نبش دفاتر الماضي، وحسابات المالية العامة المتمثلة بـ11 مليار دولار أميركي، تائهة بين الصرف وعدم التوثيق في القيود والدفاتر.
3- ماذا سيترتب على هذه المعركة الكبرى؟ والفاصلة بين سلسلة حقبات سياسية، قبل الطائف وبعده؟
4 – وهل من شأن المعركة هذه ان تفتح الباب امام حزب ديني، يتحرر شيئاً فشيئاً من جلبابه، ليضحي مقبولاً، على نطاق مدني، باعتباره حزباً من طراز يساري، غير علماني؟
دعنا، نثير الأسئلة، ونترك لتقارير اخبارية أخرى، ان تتناول الإجابة، وفي هذه المهمة، ألجأ إلى تحديد الفساد وأشكاله، مقتبساً بالحرف، ما كتبه د. علي الشامي (شغل منصب وزير الخارجية والمغتربين، وهو خبير دستوري، واداري شهير وصاحب مؤلفات علمية وقانونية ذات وزن علمي وأكاديمي) من أن الفساد في الحكومة هو «إساءة في استخدام السلطة العامة لحساب المصالح الشخصية لأفراد أو جماعات معينة»… وهو يتحدد ضمن آلية إخضاع المصلحة العامة لأهداف خاصة، في اتجاهين:
1 – أعمال تمارس من قبل أفراد من خارج الجهاز الحكومي وتعود بالفائدة على أشخاص هذا الجهاز….
2 – أعمال تمارس من قبل أشخاص الجهاز الحكومي، للحصول على مكاسب باستخدام مواقعهم، وذلك بطلب أو قبول منافع مقابل تقديم خدمات مباشرة واستحداث أو إلغاء قوانين أو سياسات لتحقق لهم مكاسب مباشرة».
من هذه الوجهة، أيّ معركة يخوض حزب الله؟ إنها معركة مدنية، مجتمعية، يختلط فيها السري بالعلني، والقانوني بغير القانوني.. ليست معركة عسكرية، تقاتل فيها موقعاً أو قوة عسكرية، تقتل منها، وتُقْتَل أيضاً.. محكومة بتكنولوجيا السلاح، والاستعداد والتدريب، وحدود التضحية..
من الإنصاف، القول إن فتح المعركة أحدث ضجة، وأحدث قلقاً، وأحدث اشتباكاً. والحدث في أوله… والكل يترقّب، بما في ذلك، مهندسو مؤتمر «سيدر»؟!