IMLebanon

“يا عزيزي كلنا فاسدون”! (بقلم يورغو البيطار)

ليس من العابر، أو يفترض ألا يكون كذلك، ان يعلن رئيس حزب أساسي ممثل في مجلس الوزراء بـ 4 وزراء ان الفصل الأول من عمل الحكومة “لم يكن مشجعا” ويشير ألا جدية في مساعي الإصلاح ومكافحة الفساد! ما قاله رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع لا يعبر عن حالة من العجز تظلل بداية حكومة وعِد اللبنانيون كثيرًا بما ستحقق، إنما يقدم لمحة مما يمكن وصفه بعاصفة سياسية تحيط بالحكومة من كل جانب حتى يخيّل ان ثمة محاولات لوأدها في مهدها، ما يزيد من المشهد العام إحباطًا فوق إحباط…

فالحروب الصغيرة على أكثر من جبهة سياسية، أطرافها جزء من حكومة واحدة، مندلعة وهي مرشحة للتفاقم خصوصًا وان إشعال نيرانها تتولاها جهات باتت مفضوحة تحت ستار عناوين قد تبدو براقة كـ”مكافحة الفساد” و”استعادة الأموال المنهوبة” و”الشفافية المالية” إلا أن باطنها يحمل نوايا تستهدف فريقًا بعينه بشكل فاقع… فبدءاً مما اثير بعد زيارة المبعوث الفرنسي المكلف متابعة تنفيذ مقرّرات مؤتمر سيدر بيار دوكان من أجواء سلبية متعمدة، والإجراءات السورية غير اللائقة المفروضة على رجال الدين في طائفة الموحدين الدروز في لبنان، وصولًا الى محاولة اشعال جبهة “التيار الوطني الحر” – “المستقبل” والتي تم استيعابها قبل تمددها الى مرحلة لم ينساها احد بعد من العلاقات النارية بين التيارين قبل “سحر” التسوية الرئاسية.

وإذا كانت هذه الحروب المتنقلة تخاض أحيانًا بالمباشر او يتبرع في أحيان أخرى متزلفون للمشاركة فيها في إطار “تبييض الصفحة” أمام ولي الأمر الاكبر، فإن ما يغفل عنه المنغمسون فيها أن من يدفع الثمن هو المواطن اللبناني الرازح أصلًا تحت مصائب لا تنتهي، والأنكى أن الجميع يبرر تصرفاته التي لا تستند الى منطق الدولة بشيء بمصلحة هذا المواطن الذي كفر بكل شيء تقريباً، وبدل ان ينال جرعة “بنج” ولو موضعيًا من الحكومة أتى الصراع السياسي ليطلق رصاصة الرحمة على آماله بأي ثمرة إيجابية من عمل الحكومة.

لكن، ومع الاعتراف ان الفساد يطال الجميع تقريبًا ومن هو غير مشارك في الصفقات فهو على الأقل شريك بالصمت، فإن من يرفع حاليا هذا الشعار ولا يترك منبرًا إلا ويثير هذه الشعارات يتحمل المسؤولية الكبرى في الوضع المأسوي، فسلاحه أولًا وأخيرًا يمنع مقومات الدولة الحرة والسيدة والقوية من الاكتمال مهما تعددت الذرائع والأسباب وبالتالي يمنع إمكانية المحاسبة الجدية ويفقِد مفهوم الديموقراطية والانتخابات من معانيها الجوهرية، هذا طبعاً من دون إعفاء بقية الأطراف من مسؤولياتها الأساسية في ما وصلنا إليه من أحوال مزرية في ملفات حياتية واجتماعية واقتصادية بلغت الخط الأحمر، خط يجب ان يثير حال طوارئ حكومية بدل التلهي في سجالات سياسية ومعارك بعناوين طنانة لم تعد تنطلي الا على المصفقين!

انه بالمختصر كلام كثير عن مكافحة الفساد بنوايا سياسية مفضوحة، لكن الناس لم تعد تصدق احدًا وتعرف عن حق ان لا ثقة بمن فشلوا لسنوات بكل ما طرحوه، فمن يرفعون شعارات الإصلاح ومكافحة الفساد والإفساد والمحاسبة يواجَهون بدورهم بملفات واتهامات فساد وإفساد حتى يكاد العنوان الأصلح لهذه الحال ما قاله الكاتب الكبير الراحل إحسان عبد القدوس “يا عزيزي كلنا فاسدون”…  فإلى متى سيتحكم بنا هذا اليأس؟