IMLebanon

عقبات تجعل من “الأعلى للمحاكمة” هيئة “فولكلورية”!

أنجز مجلس النواب في جلسته التشريعية عملية تأليف المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء بنجاح، في خطوة أراد سيّد البرلمان الرئيس نبيه بري وضعَها في خانة انخراط المجلس، فعليا وعمليا، في معركة مكافحة الفساد. “الأعلى للمحاكمة” هيئةٌ برلمانية – قضائية، تضم 7 نواب (أصيلين و3 احتياط) إضافة إلى 8 قضاة، تنظر في جرائم من النوع “السياسي” إذا جاز القول كـ”خرق الدستور والخيانة العظمى والإخلال بواجبات الوظيفة”، إلا أنها يمكن أن تنظر أيضا في جرائم “عادية” قد يرتكبها رئيس الجمهورية.

المجلس الذي نص “اتفاق الطائف” على تشكيله، لم يسبق أن شغّل محرّكاته يوما، ولم يتهم أو يحاكم أحدًا منذ إنشائه. لماذا؟ ليس لأن لا فاسدين أو وزراء ورؤساء فرّطوا بواجباتهم في لبنان! وفق ما تقول مصادر قانونية مطّلعة لـ”المركزية”، بل لأكثر من اعتبار.

الأول، يتّصل بآلية عمل المجلس. فهو مرتبط في شكل “عضوي” بمجلس النواب. إذ يعود للأخير أن يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم. والعقبة الأبرز هنا، تتمثل في كون هذا الاتهام، من المستحيل أن يوجّه إلى أي كان، ما لم يصدر عن غالبية “الثلثين” من مجموع أعضاء المجلس النيابي، أي 86 نائباً من أصل 128.

فهل من السهولة تأمين 86 صوتا في البرلمان لمحاكمة وزير أو رئيس، في ظل التحالفات السياسية والتوزيعات الطائفية والمذهبية التي تحكم مجلس النواب؟ قطعا لا.

أما إذا توفّر هذا الرقم، تتابع المصادر، وأحيل أي مسؤول إلى المجلس الأعلى، فإن قرار إدانته يحتاج إلى تأييد عشرة أصوات من أصل خمسة عشر عضواً، يؤلفون المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

وبحسب المصادر، في بلد كلبنان، تنخر فيه الأوبئة السياسية والمحسوبيات كلَّ المؤسسات بما فيها القضائية، من الصعب لا بل من المستحيل، الوصول إلى محاسبة حقيقية، مجرّدة من الاعتبارات الشخصية التي ستكون حاضرة في حسابات كل أعضاء المجلس الأعلى، لدى نظرهم في أي قضية.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، تضيف المصادر، هل يمكن تصوّر موافقة نواب “المستقبل” أو “حزب الله” أو التيار “الوطني الحر” أو “الكتائب” أو “القوات”، على إدانة وزير من فريقهم السياسي أو من حزب “حليف” له أو شريك له في “صفقات” و”ملفات”؟ هذا في أولى مراحل “المحاسبة” قبل أن تصل القضية إلى “الأعلى للمحاكمة”، الذي في الواقع يشكل مرآة للبرلمان أو صورة مصغّرة عنه إذ تتمثل فيه الكتل السياسية كلها، الموالية منها والمعارضة.

وهل يمكن لقاضٍ وصل إلى موقعه بفضل “بوسطة” سياسية ركبها منذ سنوات أن يحكم بنزاهة وتجرّد وشفافية على شخص كان له الفضل في تبوّئه منصبه، أو من ذات طائفته ومذهبه؟!

عليه، تقول المصادر أن قبل رفع “حاجز” الثلثين برلمانيا من أمام طريق المجلس الأعلى، من خلال تعديل دستوري، وقبل تطهير الدولة من لوثة المحسوبيات والاعتبارات الطائفية والمذهبية والحزبية، فإن من المرجّح أن يبقى المجلس على الهامش وأن تكون خطوة إنشائه “فلكلورية” لا أكثر، فيستمر كما كان في السنوات الماضية، هيئة شكليّة، يعلوها الغبار، “شاهد” يتفرّج على الفساد ويعجز عن تحريك ساكن!