IMLebanon

جنبلاط يفكّ الحصار

كتب آلان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:

يخوض رئيس الحزب «التقدمي الإشتراكي» وليد جنبلاط المعارك على جبهات عدة، فهو ما أن يقفل جبهة حتى تُفتح جبهة جديدة في وجهه، كأنه كُتب لهذا الرجل أن يعيش حقبات المواجهات الدائمة.

من المختارة الى كليمنصو يتنقّل الزعيم الدرزي، وهو وإن سلّم عباءة الزعامة الدرزية والإشتراكية لنجله تيمور، إلّا أنّ أحداً لا يصدق أنه ابتعد من المشهد السياسي أو بالأحرى تقاعد وإستراح.

ربما يشكل «تويتر» أهم متنفّس له في الوقت الحالي، وهو الذي كاد أن يختنق من الحصار الذي فُرص عليه في مراحل عدة أبرزها عندما اتفق الكبار في التسوية الرئاسية الأخيرة، تلك التسوية التي أفقدت جنبلاط دور «بيضة القبان»، وواجه بنتيجتها مصير الذوبان وأصبح رقماً من بين الأرقام، في وقتٍ كان ضابطَ الحسابات.

في خضم تلك التطورات، بات جنبلاط يعلم جيداً أنّ هناك محدلة تتحكّم باللعبة الداخلية، مؤلفة من الثلاثي المسيحي- السني- الشيعي، وأنّ إتفاقهم سيؤدي حكماً الى ذوبان بقية المكونات الأخرى على رغم أنّ هذا البلد لا يُحكم إلّا بالتوافق، غير أنّ شياطين الاتفاقات الثنائية والثلاثية والرباعية تتحكم دائماً بتفاصيل الحياة السياسية.

القطوع الثاني الكبير الذي مرّ على المختارة أخيراً، كان قانون الإنتخاب النسبي، ذاك القانون الذي أثار الريبة الدرزية، وأعاد لعبة الديموغرافيا والعدّ إن صحّ التعبير الى الإنتخابات.

فمن جهة هناك إقليم الخروب الزاحف ذات الأكثرية السنية، ومن جهة اخرى هناك العودة المسيحية المفعمة بدعم العهد والتي حصدت 5 مقاعد ما بين «القوات» و«التيار الوطني الحرّ» إضافة الى مقعد سادس مُعاد لجنبلاط هو مقعد النائب طلال ارسلان.

لا شكّ أنّ التغيّر الكبير الذي بدّل المشهد كان انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وفي هذا الوقت فقد جنبلاط معظم حلفائه، فالرئيس نبيه بري هو صديقه وليس حليفه، وعلاقته مع تيار «المستقبل» مرّت بمطبات عدّة، وعقد قوى «14 آذار» التي كان جنبلاط أحد أهم قيادييها انفرط، أما الثابت الوحيد فيبقى تحالفه مع «القوات اللبنانية».

ويشكّل قداس السبت المقبل في دير القمر تحت عنوان «التوبة والمغفرة» تخليداً لأرواح شهداء الجبل، برعاية عون ومباركة البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي حيث تتبعه كلمتان لجنبلاط ورئيس «التيار» جبران باسيل، مناسبةً لمصالحة جنبلاط مع كل المسيحيين، بعدما كان تصالح مع «القوات» و«الكتائب» ولقاء «قرنة شهوان».

وتتميّز هذه المناسبة، التي يعمل وزير المهجرين غسان عطالله على إنجاحها، بإغداق الوعود بإقفال ملف المهجرين نهائياً، علماً أنّ هذا الملف شبيه بأزمة الكهرباء، فعند تعيين وزير جديد للطاقة منذ عام 1992 يضع خطة للكهرباء ويقول إنه سيؤمّن التغذية 24/24، والامر نفسه ينطبق على المهجرين حيث يعد كل وزير يُعين بإقفاله، وإقفال الوزارة معه.

وبعد 29 عاماً على إنتهاء الحرب الأهلية، ها هي الدولة اللبنانية «تشحد» الأموال من المجتمع الدولي، وكان آخرها مؤتمر «بروكسيل 3» للنازحين السوريين، فيما تعجز عن ختم ملف المهجرين وتأمين الأموال اللازمة، وعن تأمين الكهرباء 24/ 24.

ويراهن الحزب «التقدمي الإشتراكي» على قداس السبت لختم جرح الجبل نهائياً، وهو إذ يؤكّد أنّ المناسبة يجب أن تعطى حقها من حيث أهمية الحدث، يرفض إدخالها في الحسابات السياسية الضيقة أو توصيفها بأنها «حلف أقليات» جديد بين الموارنة والدروز، لأنّ مثل هكذا أحلاف سقطت واللعبة السياسية تغيّرت.

وفي المقابل، يبدي «الإشتراكي» حرصه الشديد على أن تكون العلاقة بين الموارنة والدروز في أفضل أحوالها، لأنّ هذا الأمر يشكّل ضمانة للأجيال المقبلة، مستبعداً وجود أيِّ تحالف سياسي بين «الإشتراكي» و«التيار الوطني الحرّ»، بل إنّ صفحة الصدامات ستُطوى بيننا إضافة الى منطق نبش القبور، ويحصر عندها الخلاف بالشقّ السياسي.

ويرى «التيار الوطني الحرّ» من جهته، في القداس وما سيتبعه، لحظة تاريخية يجب التوقّف عندها، لأنّ إستقرار الجبل أهم من كل المعارك السياسية والحسابات الضيقة.

ويؤكّد «التيار» أنّ هذا الحدث يأتي في سياق نهجه منذ عودة العماد ميشال عون الى لبنان في 7 أيار 2005، فقد «تفاهمنا مع «حزب الله»، من ثمّ مع «القوات اللبنانية»، وتيار «ألمستقبل»، ومن البديهي أن نعمل على ختم جرح الجبل» خصوصاً أنّ الوزير عطالله يجهد من أجل إنهاء ملف المهجرين وعودة جميع الأهالي الى بيوتهم وبلداتهم.

سيتابع الجميع الكلمة السياسية والوجدانية لجنبلاط وباسيل، كما تتّجه الأنظار الى حجم الحضور السياسي. وفي حين تمّ الحديث عن إستبعاد «القوات» من هذا الحدث، تؤكّد الأخيرة أنّ الحدث هو بمثابة مصالحة بين «الإشتراكي» و«التيار الوطني الحرّ»، أما نحن فقد تصالحنا معهما، وبالتالي فإنّ هذا الحدث يجب أن يضمّ المتخاصمين، لذلك فإننا نبارك هذا الأمر ونتمنى أن يشكّل بارقة أمل لأهل الجبل الذين يتوقون الى الإستقرار السياسي الذي تؤمّنه القوى الكبرى الموجودة هناك، أما الحديث عن عزلنا وإبعادنا فلا معنى له، لأننا و«الإشتراكي» و«التيار الوطني الحر» حريصون على استكمال المصالحة التي بدأها البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، وأن نصونها بعيداً من الحسابات السياسية.

يطمئنّ جنبلاط يوماً بعد يوم الى أنّ محاولات العزل والإلغاء التي واجهها سابقاً سقطت، مع وعي الأطراف المسيحية الى طبيعة تركيبة الجبل، وتحييد المنطقة عن التوترات، في حين أنّ جنبلاط، وبهذه المصالحة مع «التيار» ومن ورائها العهد، يكون قد فكّ الحصار نهائياً عن الجبل بشقه الدرزي، وفتح بابَ التعاون واسعاً مع كل الأطراف المسيحية.