IMLebanon

شارل المير شاب لبناني يغيّر مفاهيم عالمية باكتشافاته!

كتب طوني أبي نجم:

انتظرت هذا اليوم منذ أكثر من 10 أعوام. نعم راهنت منذ العام 2007 أنني سأكتب يوماً عن شارل المير، هذا الشاب الواعد الذي تعرفت إليه يومها وكان لم يبلغ بعد الـ17 عاماً.

أصررت على التعرف إليه يوم أسست موقع “القوات اللبنانية” الالكتروني، وكان شارل يرسل ملاحظات تقنية كثيرة حول الموقع ويشير إلى نقاط الضعف فيه على صعيد البرمجة. ظننت للوهلة الأولى أنني أمام مهندس ذي خبرة طويلة في المعلوماتية، لأفاجأ يوم زارني بمراهق- نابغة بكل ما للكلمة من معنى سيحمل اسم لبنان عالياً أينما حلّ.

ما الذي دفعني لأكتب عنه اليوم؟

قبل أسابيع فقط نال شارل المير شهادة الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية من جامعة جونز هوبكنز، إحدى أهم الجامعات في الولايات المتحدة الأميركية. طبعاً لم يدفع شارل قرشاً واحداً خلال مراحل دراسته الجامعية، سواء في جونز هوبكنز حيث كان يعمل إلى جانب دراسته ويقبض راتباً شهرياً، أو قبلها في جامعة دايتون- أوهايو حيث أنهى دراسة الماجستير في الهندسة، أو قبلها في جامعة البلمند.

طبعاً شارل المير ليس أول لبناني يحصّل شهادة الدكتوراه من الولايات المتحدة، لكنه بين القلائل جداً الذي تصدرت أطروحة الدكتوراه الخاصة به أهم وسائل الإعلام الأميركية والعالمية وتمت ترجمة أخبارها إلى عدد كبير من لغات العالم.

لماذا هذا الاهتمام بالأطروحة؟

بكل بساطة تمكن شارل المير من أن يقلب المفاهيم التي كانت سائدة لعقود حول الكويكبات أو ما نعرف عنها بـ”النيازك”. ففي ظل انهماك العالم بدراسة كيفية تفجير أي كويكب (نيزك) في حال اتجه في اتجاه الأرض، وذلك منعاً لاصطدامه بها، أثبتت أطروحة شارل المير، التي تعمقت في دراسة كيفية تكسير المواد أو تدميرها، أنه لا يمكن تدمير الكويكبات الكبيرة، وذلك بناء على دراسة علمية مبنية على المحاكاة اي الـsimulation حول اصطدام الكويكبات، وأنه في حال حاولنا فلن تتدمر بل ستتطاير منها أجزاء تتمكن جاذبية الكويكبات من استعادتها أما القسم القليل الآخر فقد يتسبب بكوارث على الأرض جراء تطايره. والخلاصة العملية أن المطلوب هو العمل على محاولة تغيير مسار أي كويكب قد يتجه باتجاه الأرض لا محاولة تدميره، وهو ما قدّم الدليل العلمي عليه. كما أن وكالة الفضاء الأميركية- الناسا التي كانت بدأت بتحضير بعثة علمية في مركبة فضائية تتجه خلال سنة إلى كويكب قريب لدراسة إمكانية تغيير مساره وكيفية إنجازها، ستعتمد في جزء من عملها على الأبحاث التي خلص إليها الدكتور شارل المير في أطروحته.

هذا الإنجاز العلمي الفريد جعل القيمين على متحف Alder Planetarium  في شيكاغو والمتخصص في علم الفلك، وأيضاً متحف Morrison Planetarium في أكاديمية كاليفورنيا للعلوم في سان فرنسيسكو، يتصلون بشارل المير ليطلبوا موافقته على أن يقدموا عرضاً Projection في المتحف لعرض دراسته وماذا اكتشف فيها!

ابن بطحا الكسروانية، الضليع في كل تفاصيل المعلوماتية والبرمجة والحماية الالكترونية بالفطرة والممارسة، موجود حالياً في مدريد-إسبانيا حيث يعمل كشريك إداري في عدة شركات ويشغل منصب CTO Chief of Technology في عدد منها.

يروي شارل المير لموقع IMLebanon الكثير من المراحل التي مرّ بها منذ صغره. لا ينسى معاناته وعائلته نتيجة الضغوط الاقتصادية وتراكم الأقساط المستحقة عليهم للمدرسة الأنطونية في غزير يوم كاد أن يُطرد، لكنّ رئيسة المدرسة الأخت هند ريّا وقفت إلى جانب العائلة وقالت له: “سأدعمك واعفيك من القسط، المهم أن تعطيني نتائج باهرة”.

ويقول شارل: ” وهكذا كان. وضعت نصب عيني أن أحقق أهدافاً كبرى. بدي أعمل شغل الو أهمية”. وبدأ يحلّق في علاماته ومستواه ويبهر أساتذته. أنهى المدرسة وانتقل الى البلمند حيث بدأ بدراسة هندسة الطيران، وأبدع أيضاً وحلّق في مستوياته العلمية. وهناك سانده الدكتور حبيب الراعي الذي أمّن له المنحة من جامعة أوهايو ليكمل دراسة الماجستير… والبقية صارت معروفة.

لم أرضَ أنا كاتب هذه السطور، طوني أبي نجم، إلا ان أكرّمه في عشاء ضخم في 26 تموز 2011 عشية سفره الأول الى الولايات المتحدة، بحضور الدكتور سمير جعجع وكبار الشخصيات من وزراء ونواب وسياسيين، وقلت للجميع: “إحفظوا جيداً هذا الاسم: شارل المير”.

في المراحل العملية لم يتركني شارل للحظة. كان السند في كل المواضيع التقنية بحيث تمكنا من النجاح معاً وكنت أثق تماماً بمشورته التقنية. في أيلول 2008 كنا الموقع الأول في تاريخ لبنان والشرق الأوسط الذي ينفذ تقنية البث المباشر (Live streaming) لقداس شهداء المقاومة.

معاناة في أميركا

شارل المير الذي التحق بجامعته في أوهايو في الولايات المتحدة في آب الـ2011، عانى الكثير الكثير. ما خفّف عنه وجود خاله في بوسطن الذي كان يشكل له تعويضاً عاطفياً عن الابتعاد عن عائلته ووطنه. لكنّه وجد رفقة ممتعة مع الحيوانات الأليفة التي كان يهتم بها، وتحديداً قطط وكلاب شاردة كانت تهتم بهم جمعية متخصصة وتوكل الاهتمام إلى الراغبين، ومنهم شارل الذي كان يجد في هذه المخلوقات خير أنيس في وحدته. التقيته مرة على العشاء في نيويورك وكان على عجلة من أمره للمغادرة بسرعة، وحين سألته عن السبب أجاب: “لا يمكنني أن اتأخر لأنني يجب ان أُخرج الكلب في نزهة لأنه مريض ويعاني!”

لكن وبعيداً عن مشاكل الوحدة، الصدمة الأساس التي عانى منها شارل المير كانت في أنه لبناني! فهذا الشاب الطموح والمبدع كان يُعطي محاضرات في “الناسا” وفي أهم المراكز العلمية، ولكن في كلّ مرة كان يُدعى إلى محاضرة او لقاء أو اجتماع لمتابعة أبحاثه، كان عليه أن يقدّم طلباً يستغرق حوالى شهرين للتأكد الأمني منه كونه يحمل جواز سفر لبنانياً (Security clearance) ليسمحوا له بدخول مبانِ حكومية رفيعة ومهمة. ومن الطرائف أنه في إحدى المرات طُلب على عجل لعقد اجتماع بعد أسبوع، وكان من المستحيل تنفيذ الإجراءات المطلوبة في أسبوع واحد، فكان الحل أن خرج جميع المعنيين بالاجتماع إلى خارج المبنى وعُقدت جلسة النقاش في الحديقة في الهواء الطلق في بالتيمور!

طبعاً لن يعود شارل المير ليعمل في لبنان الذي يعشقه ولطالما ناضل في سبيله، لأن لبنان الذي نعرفه لا يتّسع لعلم شارل وأحلامه وطاقاته. ثمة شركات وجامعات كبرى في أوروبا والولايات المتحدة تسعى لاستقطابه بعد اكتشافاته وأطروحته الباهرة. الثابت والأكيد أنه أينما حلّ سيحقق الإبداعات، وسيُبقي لبنان في قلبه وعقله وسيبقى يعرّف عن نفسه بأنه لبناني، كما كان يصرّ أن يفعل في كل لقاءاته ودراساته واجتماعاته ولقاءاته في أهم مراكز الأبحاث وفي “الناسا” وغيرها، حيث كان يبدأ الاجتماعات بالتعريف عن نفسه وبأنه يأتي من لبنان.

أفخر كثيراً بشارل المير الذي لطالما كان وسيبقى أخي الصغير بعمره والكبير جداً جداً بعلمه وثقافته وإنجازاته والأهم بأخلاقه.

لقراءة أبرز ما كتب عن أطروحته في الصحافة العالمية:

If We Blow Up an Asteroid, It Might Put Itself Back Together

Hollywood was wrong about asteroids, new study says

What would it take to blow up an asteroid? The force of 10 million atomic bombs.

Huge asteroids harder to break up than previously thought, study finds