IMLebanon

لماذا لا يَطلب لبنان تَدَخُّل أوروبا بَدَلَ أميركا بالنزاع البحري مع إسرائيل؟

 

يتحضّر لبنان لاستقبال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو غداً، بفتورٍ داخلي وقلّةِ حماسةٍ لِما يحْمله الزائرُ الأميركي من أجندةٍ تَبَلْورتْ عناوينُها من خلال الزيارة السابقة التي قام بها موفداه ديفيد هيل وبعده ديفيد ساترفيلد اللذان حملا تهديداتٍ عنوانها «حزب الله» وملفّ النفط والغاز اللبناني والمصلحة الإسرائيلية بالتوصل إلى تفاهُم مع لبنان شرط أن يلين موقفه لمصلحة إسرائيل في إطار النزاع الحدودي البحري.
وثمة مَن يسأل في هذا السياق، بما أن المنطقة البحرية المتنازَع عليها تضم شركتين أوروبيتين من أصل ثلاث، وبما أن هناك مَن يعتبر في لبنان (والعالم) أن الإدارة الأميركية الحالية لم يسبق لها مثيل من حيث الدعم الذي تقدّمه لإسرائيل، فلماذا لا يلجأ المسؤولون اللبنانيون إلى أوروبا للتحكيم ما دامت أميركا لا تتوانى عن إدارة ظهْرها للأمم المتحدة عندما تقتضي مصلحتُها (نقْل السفارة الأميركية إلى القدس واحتلال العراق)، في وقت تتمايز أوروبا عن الموقف الأميركي في محافل عدّة؟
في يناير الماضي، زار بيروت مساعد وزير الخزانة الأميركي لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب مارشال بيلينغسلي مُطْلِقاً تحذيرات إلى المسؤولين والمصارف وملوّحاً بعقوبات ومواقف أكثر شدة ربْطاً بالإجراءات الأميركية ضدّ «حزب الله».
وفي فبراير الماضي، حطّ في لبنان مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون السياسية ديفيد هيل ليمارِس ضغوطاً على جزءٍ من الحكومة والبرلمان تحت عنوان «محاربة حزب الله» ممهِّداً – بحسب مصادر مراقِبة – لما سيطلبه الزائر اللاحق الذي أتى من بعده. وهكذا، في 6 مارس حضر إلى بيروت مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى بالوكالة السفير ديفيد ساترفيلد رافعاً شعار محاربة «حزب الله» ونفوذ إيران. إلا انه في جلساته الخاصة، عبّر عن رغبة أميركا في أن يحلّ لبنان مشكلة الحدود البحرية مع إسرائيل لأن ورقةَ الضغط على الحكومة اللبنانية لمحاربة أو الابتعاد عن «حزب الله» ومحاصرتِه فاشلة. فالحزب جزء من الحكومة والبرلمان. وكذلك فإن أعضاء في الحكومة والبرلمان يقفون معه.
إذاً القضية الأساسية التي يريد الأميركي المفاوضة عليها هي الحدود البحرية المتنازَع عليها بين لبنان وإسرائيل. ويقع هذا التداخل فوق مثلثٍ تبلغ مساحته نحو 856 كيلومتراً مربعاً. ووفق أول وسيط أميركي فريدريك هوف، فإن هذا النزاع ليس بجديد. وهكذا تدخّلت أميركا وقدمت خطة أَقرّت بأن نحو 500 الى 600 كيلومتر مربع من المنطقة المتنازَع عليها تخص لبنان. وأخطأ لبنان بعدم رفضه لهذه الخطة العام 2012 وعدم القبول بها رسمياً.
وتدخّل أموس هوشتاين نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الطاقة بعد هوف ليقدّم «خطاً أزرق بحرياً» مماثلاً لخط الانسحاب (الحدود البرية) الذي رسمتْه الأمم المتحدة العام 2000 بين لبنان وإسرائيل. لكن وساطةَ هوشتاين انتهتْ بنهاية عهد أوباما ليدخل ترامب البيت الأبيض وتبدأ التهديدات التي تريد تهميش دور الأمم المتحدة.
إلا أن المصادر المراقبة ترى أن لبنان غير مستعدّ للرضوخ للرئيس الأميركي ولا لموفديه، مذكّرة بأن بيروت سبق أن أعطت حق الاستكشاف في البلوكات 8 و9 و10 إلى ثلاث شركات: «توتال» الفرنسية و«إيني» الإيطالية و»نوفاتيك» الروسية. وقد اتُفق على أن تبدأ شركة توتال بالتنقيب في البلوك التاسع الجنوبي المتنازَع عليه بعد البدء بالمربع الرابع الذي يقع في الشمال اللبناني. وقد وجدت «توتال» الحل بقول رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال افريقيا (الاستكشاف والانتاج) في «توتال» ستيفان ميشال إن الشركة ستبتعد نحو 25 كيلومتراً من الحدود المتنازَع عليها من أصل 1742 كيلومتراً مربعاً تمثّل كل البلوك التاسع.
وإذ لم تستبعد المصادر نفسها أن تختار «توتال» – إذا استجابت للضغوط الأميركية – دفْع الغرامة بدل البدء بالحفر إذا لم يتم حلّ النزاع بين لبنان وإسرائيل، اعتبرتْ أن لبنان لا يجابه المشكلة الحقيقية بالأفعال بل فقط بالكلام من موقع الدفاع عن حقوقه عوض عزْل أميركا عن الملف والتوجه نحو أوروبا والأمم المتحدة والتحكيم الدولي.
وبحسب هذه المصادر هناك نحو 22 مليار متر مكعب من الغاز ومليار برميل من النفط على الممتلكات اللبنانية – السورية – الفلسطينية – المصرية وكذلك الإسرائيلية. وكل الدول المحيطة بهذه البقعة الغازية – النفطية تحتاج الى أوروبا لأنها الزبون الوحيد لديها لتصريف غازها، وهذا ما يجعل أوروبا صاحبة موقع نفوذ قوي، مالياً، حتى ولو لم تستخدم هذا النفوذ في هذا الملف حتى اليوم. كما أنها تملك ما يريده لبنان وسورية من موقع أقل انحيازاً لإسرائيل، على غرار ما تعبّر عنه المانيا وفرنسا اللتان تتمايزان عن قرارات ترامب بدءاً من الاتفاق النووي إلى إيجاد آلية مالية بديلة لنظام «سويفت».
أما بالنسبة لحليف أميركا الأول، إسرائيل، فهي تدّعي بأنها تريد بناء أنبوب بطول 1300 كيلومتر وبعمق ثلاثة كيلومترات وبكلفة 7 مليارات ليصل غازها إلى أوروبا. مع العلم أن هذا المشروع صعب التنفيذ لأن القارة الأوروبية لن تشتري الغاز الإسرائيلي – المصري – القبرصي – اليوناني إلا إذا وصل سعره إلى أقل من ثمن الغاز الروسي الذي يصل إلى أوروبا. علماَ أن موسكو تستطيع خفض سعرها حين ترى الوقت مناسباً لتضرب أي محاولة لمنافستها على بيع غازها إلى أوروبا.
إلا أن روسيا هي إيضاً موجودة في لبنان من خلال شركة «نوفاتيك» التي تملك حق الاستكشاف في البلوك المتنازَع عليه مع إسرائيل. وهذا يزيد أميركا شراسة لأنها لا تملك أي دور في الاستكشاف حتى يومنا هذا وهي لا تستطيع تضييق الخناق على لبنان لأن الفريق الموالي لها لا يملك الأكثرية النيابية ولا الأكثرية أيضاً في الحكومة الحالية.
إذاً لم يبقَ إلا أن تدخل أوروبا إلى الساحة الغازية بما أن الجميع يريدون سُوقها. فإذا بقيتْ على الحياد تضيّع الفرصة لأن جزءاً من الشرق الأوسط لا يريد ان يُفرض عليه النفوذُ الأميركي بل يقبل بشراكةِ أميركا من دون سلوكها الابتزازي ولا تهديدها ومن دون الحاجة للعداء معها.