IMLebanon

كلمة عون في تونس جددت مصارحة العرب

أبدت مصادر الوفد اللبناني الى القمة العربية التي انعقدت في تونس ارتياحها للموقف الذي اتخذه المؤتمر بالتضامن مع لبنان وتبني ورقة العمل التي تقدم بها، معربةً عن الامل في ان تترجم هذه القرارات الى خطوات عملية، لاسيما لجهة توفير الدعم السياسي والاقتصادي له وللحكومة، وتأكيد حق اللبنانيين في تحرير او استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من بلدة الغجر التي اشار رئيس الجمهورية ميشال عون في كلمته الى مخاوف من ان يشمل القرار الاميركي  بالسيادة الاسرائيلية على الجولان السوري، هذه المناطق المثبتة لبنانيتها وفقا للاصول.

وتوقفت مصادر الوفد، عبر “المركزية”، عند اهمية اقرار القمة العربية بحق اللبنانيين في مقاومة اي اعتداء على اراضيهم بالوسائل المشروعة والتشديد على اهمية التفريق بين الارهاب والمقاومة المشروعة ضد الاحتلال الاسرائيلي التي هي حق اقرته المواثيق الدولية ومبادئ القانون الدولي وعدم اعتبار العمل المقاوم عملا ارهابيا.

ولفتت المصادر الى ان القمة التي تبنت موقف لبنان في مطالبته بتنفيذ قرار مجلس الامن الرقم 1701 عبر وضع حد لانتهاكات اسرائيل وتهديداتها الدائمة له ولمنشآته المدنية وبنيته التحتية، دعمت ايضا القرارات الناتجة عن المؤتمرات الدولية في روما وباريس (مؤتمر “سيدر”). كما اشادت بالجيش اللبناني وتضحياته في مكافحة الارهاب وحثت الدول العربية على المساهمة في تعزيز قدرات الجيش اللبناني وتمكينه من القيام بالمهام الملقاة على عاتقه كونه ركيزة لضمان الامن والاستقرار والسلم الاهلي في لبنان.

ورأت المصادر أن ترحيب القمة بمبادرة عون الداعية الى “انشاء اكاديمية الانسان للتلاقي والحوار” تؤكد لبنان كمركز للحوار بين مختلف الحضارات والاديان بالتزامن مع دعوة القمة لضرورة المحافظة على الصيغة اللبنانية الفريدة القائمة على المناصفة بين المسلمين والمسيحيين وكذلك صيغة التعايش بين الاديان، والحوار في ما بينها.

وكان اللافت في قرارات القمة، وفق المصادر نفسها، الترحيب بتشكيل الحكومة الجديدة، والاقرار بالجهود التي يبذلها لبنان حيال النازحين السوريين والتشديد على ضرورة مؤازرته ودعمه وتقاسم الاعباء والأعداد معه، ورفض لبنان لأي شكل من اشكال اندماج النازحين او ادماجهم في المجتمعات المضيفة والسعي لتأمين عودتهم الآمنة الى بلدهم في اسرع وقت باعتبارها الحل المستدام للنازحين من سوريا الى لبنان. وأشارت المصادر إلى ان لبنان تلقى دعما عربيا واضحا بعد قرار القمة بما يقوم به لترسيخ الاستقرار الماكرو اقتصادي والمحافظة على الاستقرار النقدي وتحقيق النمو الاقتصادي ومنح التراخيص للتنقيب عن النفط ووضع استراتيجية وطنية عامة لمكافحة الفساد وتعزيز استقلالية القضاء.

الا ان مصادر الوفد اللبناني التي اعتبرت ان القرارات الخاصة بلبنان جسدت موقفا لبنانيا جامعا، توقفت خصوصا عند الاصداء التي تركتها الكلمة التي ألقاها عون في القمة والتي خاطب فيها ضمير القادة العرب ووجدانهم في آن معا، واضعا بصراحة غير مسبوقة الكثير من النقاط على الحروف في ما خص مقاربة الدول العربية لما يجري من احداث مقلقة تهدد العالم العربي عدّدها رئيس الجمهورية الواحدة تلو الاخرى، طارحا السؤال الكبير المرتبط بماذا فعلت الدول العربية لمواجهة التحديات الخطيرة التي تزداد يوما بعد يوم.

ووصفت المصادر كلمة عون بأنها شكلت تدرجا في مصارحة القادة العرب، وهو الاسلوب الذي اعتمده منذ تسلمه سلطاته الدستورية في كل القمم العربية التي شارك فيها والتي كان يضيء في كل منها على خطر داهم يلفت فيه القادة العرب الى امكان حدوثه، ما جعل مضامين كلماته في القمم محطات استشرافية سعى الى لفت انتباه القادة العرب اليها.

وفي السياق، ذكّرت المصادر بما كان اعلنه عون في قمة البحر الميت في الاردن، وهي القمة الاولى التي حضرها بعد اشهر من انتخابه رئيسا للجمهورية، حين دعا العرب الى عدم انتظار الحلول لقضاياهم كي تأتيهم من الخارج، طارحا فيها سلسلة تساؤلات حول الظروف التي وصلت اليها الدول العربية، ليذكر في نهايتها بنص المادة الثانية من ميثاق الجامعة العربية التي تدعو الى توثيق الصلات بين الدول وتنسيق الخطط السياسية تحقيقا للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها. وما حذر منه عون في حينه حصل لجهة استمرار التقاتل وتوسع المأساة وتفلت الامور وخروجها عن السيطرة. وكانت دعوته الى وقف الحروب بين الاخوة والجلوس الى طاولة الحوار لتحديد المصالح الحيوية المشروعة لكل فريق وأهدافها “وإلا ذهبنا جميعا عمولة حل لم يعد بعيدا سيفرض علينا”. وختم عون كلمته يومها: “اللهم اشهد اني بلغت”.

وفي القمة العربية الثانية التي حضرها عون في الظهران في العام 2018، كرر الحديث الذي كان لفت اليه في القمة الاسلامية في اسطنبول حول الخطر الوجودي الذي دقّ ابواب القدس، متسائلا عن ماذا فعلت الدول العربية لوقف نار الحروب التي لا تزال مستعرة، لافتا الى ان فرق العملة الذي تحدث عنه في قمة البحر الميت في الاردن بدأ يُفرض فعلا والقدس التي توشك ان تضيع تتطلب منا عدم التهرب من المسؤولية، متحدثا يومها عن ان الحرب الدولية على ارضنا لم تعد بالوكالة، وكل مجريات الاحداث تشير الى انها تتجه لتصبح بالاصالة وهي اذا ما اندلعت فعلا، فستقضي على ما تبقى من استقرار واقتصاد وحجر وبشر في اوطاننا. ودعا عون الى مبادرة انقاذ من التشرذم الذي نعيش فيه، معتبرا انها باتت اكثر من ضرورة، واضعا القادة العرب امام قرار المواجهة او الرضوخ.

والأحد في تونس، اعاد عون التحذير والتساؤل: الى متى الانتظار للبدء بترميم ما تكسّر وازالة التداعيات المؤلمة، منبها الى ان الاخطر من الحرب هي المشاريع السياسية والصفقات التي تلوح في الافق بعد سكوت المدفع وما تحمله من تهديد وجودي لدولنا وشعوبنا، لافتا الى شرذمة المنطقة والفرز الطائفي اللذين يمهدان لمشروع اسقاط مفهوم الدولة الواحدة الجامعة لمصلحة كيانات عنصرية طائفية، وفرض واقع سياسي وجغرافي جديد يلاقي ويبرر اعلان اسرائيل دولة يهودية.

وأشارت المصادر الى ان كما في القمتين السابقتين، جدد عون في تونس دعوته الى ان تكون الدول العربية موحدة لمواجهة المشاريع التي تستهدف وحدتها ومقدساتها، لاسيما بعد القرار الاميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والقرار الاخير بالاعتراف بسيادة اسرائيل على مرتفعات الجولان، ولعل التساؤلات التي طرحها عون في خطابه- وفق المصادر نفسها- خير مجيب عن الواقع الذي حذّر منه مرارا مستشرفا حصول هذه التطورات قبل وقوعها بسنوات.

وفي تقدير عون، كما تختم المصادر، ان ما قاله خلال زيارته الجامعة العربية في القاهرة في 14 شباط 2017 حول ضرورة استعادة الجامعة دورها واتخاذ المبادرة يلخّص المطلوب في المرحلة المقبلة عربيا، وذلك لعدم فرض حلول والتلاقي حول ميثاق الجامعة.