IMLebanon

الموازنة خلال شهر: تخفيضات موجعة وإلا انهيار حتمي

لم ينطلق تحذير رئيس الحكومة سعد الحريري من “اننا اذا لم نتدارك الوضع فلسنا بعيدين عما حصل في اليونان” من عدم، وليس مجرد هز عصا للقوى السياسية لحملها على النزول عن شجرة رفض تقديم تنازلات لمصلحة خفض العجز في الموازنة. الكلام فيه من الواقعية ما يفوق كل التكهنات والروايات المنسوجة حوله، ذلك ان الاوضاع المالية في ظل ارتفاع الدين العام بلغت الحد الاقصى، وأي تأخير في المسارعة نحو وضع الاصلاحات الجذرية موضع التنفيذ، لاسيما اقرار الموازنة العامة متضمنة خفض العجز على الاقل بما يعادل نسبة 3 الى 4 في المئة، قد يجعل لبنان بدوره نموذجا للإفلاس والانهيار على غرار اليونان.

ليس هذا التوصيف للواقع “فزيّعة” يلوّح بها الحريري وغيره من العالمين بأحوال البلاد، كما تقول مصادر معنية بالملف لـ”المركزية”، فالقوى السياسية من دون استثناء تدرك هذا الواقع وباتت تتصرف بهديه، بعدما بلغت التحذيرات الدولية، لاسيما من المؤسسات والصناديق المالية، سقفها الاعلى حينما نقل موفدوها ممن زاروا لبنان أخيرا رسائل في هذا الاتجاه بلغت مسامع القوى المشار اليها التي لا يمكن الا ان تتهيب حراجة الموقف ودقة الوضع وتعمد الى تسهيل الاقتراحات وفتح درب الاصلاحات بعيدا من المصالح الفئوية والحسابات السياسية والحزبية الضيقة التي قادتهم في مرحلة سابقة الى خطوات مالية ارهقت خزينة الدولة لغايات انتخابية كان أشدها وطأة سلسلة الرتب والرواتب والتوظيفات العشوائية.

ازاء هذا الواقع، تتوقع المصادر ان تعبر الموازنة بسهولة من معبر التحفظات السياسية المعهودة تحت وطأة سقوط الهيكل على رؤوس الجميع، اذا انتقل الواقع المالي من المأزوم الى الميؤوس منه، معربةً عن اعتقادها بأن ولوج عالم الاصلاحات المطلوب دوليا بإلحاح ليس صعبا والمطلوب شد أحزمة الانفاق وضبط الهدر واستكمال مشوار مكافحة الفساد لبلوغ اعلى الهرم لا الاكتفاء بالرؤوس الصغيرة وغض الطرف عن الكبيرة التي اوصلت البلاد الى ما هي عليه من انهيار. وتؤكد ان زمن الدلع السياسي ولّى وآن اوان الاجراءات الموجعة والصارمة والفورية، مشيرةً الى ان خطة الكهرباء شكلت اول مدماك في بناء اعادة الثقة، على ان تليها الموازنة والالتزام بالاجندة الدولية للاصلاحات وآنذاك تصبح الاستثمارات متاحة ومساعدات المؤتمرات الدولية غير بعيدة المنال.

وأيًا كانت طبيعة التخفيضات المطلوبة والمؤسسات والمواقع التي ستطالها، من الرواتب “الضخمة او المُضخمة” الى التعويضات وسنوات الخدمة والنثريات وغيرها، فإن باب الاعتراضات أقفل او في طريقه نحو الاقفال خلال ايام، بحسب المصادر، ليمر مشروع الموازنة بعجزه المُخَفض من وزارة المال نحو مجلسي الوزراء والنواب ويُذيل بالتوقيع الرسمي خلال ثلاثة او اربعة اسابيع في الحد الاقصى، وفي حال استمرار بعض التباينات، يمكن الاتفاق حولها لاحقا، مستندةً في توقعها هذا الى ان الاتصالات الدائرة بين المعنيين في هذا الخصوص تصب في اتجاه ادراك القوى السياسية ألّا تدفق استثمارات ولا حصاد مساعدات ولا خروج من نفق الازمة الخطيرة وتلافي الانهيار إلا بالتزام اجندة الاصلاحات حرفيا وبالسرعة الاقصى.

بيد ان الاهم، من وجهة نظر المصادر، وتفاديا للانهيار المالي تحديدا، ان يعي اللبنانيون جميعا ضرورة ابعاد لبنان عن سخونة الاقليم وتوتراته المتجهة تصاعديا، والمنذرة بلهيب قد يلامس البارود في اي لحظة، وتاليا التزام سياسة النأي بالنفس وحفظ الرأس، والانكباب على معالجة الاوضاع الداخلية، لأن ما قد لا تسقطه نيران “الاقليميات” قد يسقط بنار التخلف عن الاصلاحات، وآنذاك لن ينفع الندم.