IMLebanon

عودوا بعائلاتكم إلى الجذور

كتبت ساسيليا دومط في صحيفة “الجمهورية”:

لم يعد رضا يعرف كيف يتواصل مع زوجته، «تزوّجنا منذ خمسة عشر عاماً، في الأعوام العشر الأولى، كانت لا تقبل أن ننهي نهارنا دون أن نتناقش بأحداث النهار، حتى إنها كانت متحفّظة في كلامها وطريقة لباسها وتصرفاتها؛ أما الآن فأنا أفتقد تلك المرأة شيئاً فشيئاً، فتبقى على هاتفها حتى منتصف الليل، وأشعر بأنّها لا ترغب بالحديث معي، والأهم هو كيفية نشرها لصورها على وسائل التواصل الإجتماعي، وقبولها لتعليقات أشخاص لا نعرفهم، حتى إنها تفرح بها، كأنّها باتت تعيش في تلك الوسائل، وليس معي».

هل لا يزال تماسك أفراد الأسرة على ما عُرف به منذ سنوات في لبنان؟ هل يعيش الثنائي على السراء والضراء؟ ماذا عن تماسك العائلة؟ والعادات وتبادل الأحاديث والزيارات والهدايا؟
لم تعد العائلة في لبنان على ما كانت عليه منذ عشرات السنين، إذ تحوّل البيت إلى أوتيل للنوم وتغيير الملابس وتناول الطعام أحياناً. وليس ذلك بغريب في ظلّ الإنشغالات والإرتباطات المتشعّبة لكل واحد منّا، وضعف الروابط الإنسانية شيئاً فشيئاً. لكن ما هي الأسباب التي غيّرت وجه العائلة في لبنان؟

لم يعد الكثير من الأشخاص على استعداد للتحمّل والتضحية في سبيل الآخر، فبدل الإهتمام بالمسنين وكبار العائلة أصبحنا نودعهم في مراكز خاصة بهم، وننسى وجودهم، ما يعفينا من الإرتباط بحكايات طفولتنا، ويحرمهم ما يجبر خاطرهم ويعوّض تعب السنين والتربية والسهر.

كما أصبحنا ننظّم المشاريع والسفر في فترات الأعياد والعطل طلباً للراحة والتسلية، وباتت الزيارات العائلية نادرة، فنرسل المعايدات عبر الواتساب والفايسبوك ووسائل تواصل أخرى، حتى إنّنا لا نكتب أمنياتنا للآخرين، بل نعتمد على صورة أو جملة كتبها شخص ما، ونحوّلها للجميع، فيستعملونها بدورهم للهدف نفسه.

أمّا الحوار، فحاضر شكليّاً، أمّا فعليّاً فقد غاب الإصغاء عنا، فلا ندري ما يمر به أبناؤنا وأشقاؤنا من مصاعب ومشكلات. حتى إنّنا لم نعد ننظر في عيون بعضنا البعض، فتبادل الكلام بات سطحيّاً، وأصبح أكثر اهتمامنا بالمظاهر الخارجية والتباهي وتحصيل المال.

ما زالت عائلة بديع القاعي، منذ حوالى خمسين سنة، في بلدة سهيلة يجلسون جميعاً، من الأجداد إلى الأحفاد للغداء معاً يوم الأحد، وهم يشكّلون حالة نادرة من الإلتفاف والتماسك العائلي، ما ندر في أيامنا هذه. في هذا اليوم تحضّر الأمهات الطعام بحبٍّ وشغف، منتبِّهة لما يفضل كل فرد في العائلة من أطباق. في حين أصبح ذلك من الماضي بالنسبة للأكثرية، فأصبحنا نطلب الدليفري، أو نتناول طعامنا خارج المنزل، وافتقدنا دون أن ندري تلك «الجمعة» على المائدة لمرة في اليوم على الأقل.

يشكو الأهل من التنمّر الذي يتعرض له الأبناء في المدارس وبين الأطفال الآخرين، لكنّ السؤال الموجَّه للأمهات والآباء، هل تتابعون أبناءكم وتراقبون تصرفاتهم؟ هل تلحظون مخاوفهم والرعب الذي قد يكون مؤشراً الى ما يعانون منه؟ هل تتساءلون عن سبب انعزال مراهق في غرفته؟ هل خَطر ببالكم أن يكون ذلك نتيجة تعرّضه للتحرش أو الإستغلال الجنسي؟

أما أهم ما يصيب العائلة في صميمها فهو انعدام التعبير عن الحب والود، والإبتعاد من الإيجابية في التعاطي، فيتصارع الأهل بشكل غير مباشر يظهر عبر الإهمال وعدم الوفاء بين الزوجين، وبرودة وسلبية في التعاطي، ما يدفع بالأبناء، وخصوصاً المراهقين منهم إلى الهروب ومحاولة إيجاد ملجأ ومصدر حب وراحة، فينجرفون وراء أبناء السوء، يتعاطون ويتاجرون بالمخدرات، يسرقون ويغرقون في مجموعات فاسدة وخطيرة أحياناً.

منذ سنوات خلت، كان أفراد العائلة يخرجون ويتنزهون معاً، يذهبون للعب في الحقول، يقومون بجلسات تشاورية حول ما جرى وما يحدث معهم ومِن حولهم، أما اليوم، فأصبح لكل واحد نشاطاته واهتماماته المختلفة، طفل يشارك في صفوف الرقص، بينما تلعب أخته الكرة الطائرة، تتعلم الأم الرسم، ويلعب الأب الفوتبول مع أصحابه؛ هذا، ولكل فرد أصدقاؤه المجهولون بالنسبة لباقي أفراد الأسرة.

من هنا دعوة للأهل للعودة إلى الجذور، للذهاب إلى الجبال والقرى، للقيام بأمور مشتركة مع الأقرباء والأبناء، فهم مثلاً سرعان ما سيتبعهم أولادهم، فيتركونهم ليهتمّوا بأنفسهم في وقت ليس ببعيد.