IMLebanon

متى “نوتردام” لبنان؟ (بقلم طوني أبي نجم)

كتب طوني أبي نجم:

أن يشتعل حريق في كاتدرائية “نوتردام” في باريس أمر مأسوي لكنه حادث يمكن أن يحصل ووقع فعلاً. ما لفتني شخصياً هو ما تلى النكبة الفرنسية والعالمية التي أصابت هذا المعلم الديني والحضاري، وكيف أنه خلال أقل من 24 ساعة تم جمع حوالى مليار يورو لإعادة إعمار الكاتدرائية من دون أي حملة إعلامية او دعائية.

هكذا، وبكل بساطة، شعر بداية أثرياء فرنسا، الذين استفادوا من وطنهم لجمع ثرواتهم، بحسّهم الوطني والأخلاقي، أن عليهم “واجباً” أخلاقياً ووطنياً تجاه ثالث أهم معلم حضاري وسياحي وديني فرنسي… فتحركوا فوراً. أحدهم تبرّع بـ100 مليون يورو، وتبرّع الثاني بـ200 مليون، ليصل المبلغ في أقل من 24 ساعة إلى حوالى المليار يورو، ما حرّك نخوة كثر حول العالم ليباشروا بإطلاق حملات للتبرع، فتم جمع كلفة إعادة بناء الكاتدرائية حتى قبل انتهاء عمليات الإطفاء بشكل نهائي!

إزاء ما شاهدناه في فرنسا، لا يسعنا إلا أن نتحسّر على وضعنا في لبنان. انتماء الفرنسيين إلى وطنهم ودولتهم يجب أن يشكل درساً لجميع اللبنانيين، بدءًا تحديداً من الأثرياء من بينهم وهم ليسوا بقلّة على الإطلاق. درس في وجوب الانتماء إلى وطنهم مهما كثرت التحديات. درس في وجوب أن يهبّوا لمساعدة لبنان الذي يواجه تحديات مالية واقتصادية لا تُحصى. هؤلاء الميسورين، ومنهم سياسيون أو يحضنون سياسيين، عليهم واجب أن يسارعوا إلى دعم وطنهم لكي يبقى لهم حضن وانتماء.

إذا كانت كاتدرائية “نوتردام” في باريس تستحق أن يتم جمع التبرعات لإعادة بنائها لأنها تشكل معلماً دينياً وحضارياً فرنسياً، فإن لبنان يستحق التبرعات لإنقاذه وإعادة إطلاقه لأنه يشكل وطناً حضارياً يحتوي على إرثاً تاريخياً للعالم أجمع من جبيل إلى بعلبك، ومن بيروت أم الشرائع إلى صيدا وصور، ومن بيت الدين إلى عنجر… ولا تنتهي اللائحة!

لبنان يستحق لأنه يشكل مختبراً لا نظير له في تفاعل الديانات والحضارات. على أرضه سار السيد المسيح ومنه انطلق شربل مخلوف الذي سطع نجمه في العالم كله، إضافة الى رفقا والحرديني وجميع القديسين. وعلى أرضه تشمخ مآذان الجوامع جنباً إلى جنب مع أجراس الكنائس، وليس في الأمر شعر أو نثر بل حقائق كافية لاستقطاب ملايين السواح سنوياً، وتستحق أن يتم التبرّع والتضحية لأجلها.

لبنان قادر على النهوض من دون مساعدات وديون خارجية. لبنان لا يحتاج سوى لإيمان أبنائه به وانتمائهم له، وهذا غير متوفر بكل أسف!

لماذا لا يشعر أثرياء لبنان، والذين حققوا ثروات طائلة، وفي أحيان كثيرة غير مشروعة، بواجب أن يقدموا التبرعات لوطنهم لإنقاذه؟ وإذا كانوا لا يشعرون بهذا الواجب الا يقلقون على الأقل على مستقبل أعمالهم ومشاريعهم في حال وصلنا الى الانهيار؟

صدقاً، وإذا كان ثمة عبرة من حريق “نوتردام” فهو أن لا خلاص للبنان إلا بأن يشعر أبناؤه وأثرياؤه بالانتماء له حصراً، وأن يبادروا إلى مدّ المساعدة عبر التبرّع المباشر بنسبة من ثرواتهم التي حققوها في هذا البلد عوض الإصرار على إغراق الخزينة بالمزيد من الاستدانة عبر “سيدر” وغيره، وذلك قبل أن ينهار الهيكل على رؤوس الجميع فيكونوا هم أبرز الضحايا أيضاً!

قد تكون هذه المقالة “حلم ليلة في نيسان” صحيح… لكن ما أضيق العيش أحياناً لولا فسحة الحلم!