IMLebanon

عشراوي: “صفقة القرن” تُنفَّذ على الأرض.. والحرب مستمرّة

كتبت سابين الحاج في صحيفة “الجمهورية”:

 

لطالما اعتبر الفلسطينيون أنّ استمرار النشاط الإستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربيّة عائقٌ بارز أمام التوصّل لاتفاق سلام دائم مع إسرائيل. وبينما يتمسّكون بقيام دولة فلسطينية مستقلّة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية كحلّ وحيد للصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، بموجب مبادرة السلام العربية منذ عام 2002، تتوعّد الولايات المتحدة المنطقة بـ«صفقة» جديدة. ويحيط الثنائي الأميركي- الإسرائيلي الخطة بالتكتم مصعِّداً من مواقفه الداعمة لسيادة اسرائيل على أراضي 67 ما يكشف بنحو واضح العديد من نوايا «الصفقة».

تؤكد المتحدّثة الرسمية باسم السلطة الفلسطينية حنان عشراوي لـ«الجمهورية» أنّ «المخطط الأميركي يُنفَّذ على الأرض، فلمَ نضحك على أنفسنا وننتظر الإعلان عن الخطة».

وتضيف: «أعطت واشنطن القدس والجولان لإسرائيل، وتتكلّم عن إعطائها مزارع شبعا في لبنان، وحاولت إلغاءَ الحق الفلسطيني في العودة، وضربَ قضية اللاجئين كلياً، وأوقفت كل الدعم المالي لفلسطين، وكذلك التعاون والعلاقات الدبلوماسية والسياسية. وتعني خطواتها هذه أنّ الخطة تُنفّذ، خصوصاً أنها ترفض حدود 67، وتقرير المصير، والسيادة والاستقلال لفلسطين».

وتشير إلى أنّ رفض الثنائي الأميركي- الإسرائيلي «لكل القضايا الجوهرية التي يمكن أن تشكّل أساسَ الحلّ، ومن أبرزها إعلان القدس عاصمة لفلسطين التاريخية، يجعل ما تبقّى من مواقف ثانوياً وشكلياً».

التطبيع مع العالم العربي

إلى ذلك يركز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على التطبيع مع العالم العربي والإسلامي قبل تحقيق تقدّم في العملية الدبلوماسية مع الفلسطينيين، ويعمل على أكثر من جبهة لتحقيق هذا الهدف خصوصاً أنّه زار شخصياً في الأشهر الماضية سلطنة عمان وتشاد، في حين تتحدّث صحف إسرائيلية عن تمتّع إسرائيل بعلاقات سرّية مع دول عربية عدّة.

في هذا السياق تلفت عشراوي إلى أنّ واشنطن «تريد أن تمنح إسرائيل المكافأة الكبرى وهي التطبيع مع العالم العربي، كما تسعى لأخذ الأموال من الدول الخليجية لتدفع هذه الأخيرة ثمن المواقف الأميركية».

وترى أنّ اعتبار بعض الأنظمة العربية أنّ «العدو الأكبر هو إيران وأنّ إسرائيل حليف أمني وسياسي واستخباري واقتصادي سوءُ تقدير يصبّ في محاولات أميركا وإسرائيل لتطبيع إسرائيل في المنطقة وإعادة موضعتها، وإعطائها امتيازات».

وتشير إلى أنّ «تعاطي الأنظمة العربية مع الطرح الأميركي لن يكون سهلاً لأنها أُحرجت أمام شعوبها».

وتتساءل: «من سيتخلّى عن القدس وعن حق اللاجئين ومن سيبيع فلسطين بهذه السهولة؟».

فوز نتنياهو

ولا يُخفى على أحد أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب منح نتنياهو العديد من المكافآت والهدايا الثمينة قبل الانتخابات الإسرائيلية في 9 نيسان الماضي وأبرزها اعترافُه بسيادة إسرائيل على الجولان.

كذلك لم تتوانَ روسيا عن تقديم الهدايا لنتنياهو وخصوصاً جثمان الجندي زكريا باومل المفقود في لبنان منذ 37 عاماً بعدما عثرت عليه القوات الروسية أثناء عملية خاصة في سوريا.

كل تلك الهدايا الثمينة هدفت بحسب مراقبين إلى دعم نتنياهو وضمان فوزه في انتخابات الكنيست ليتمكّن من تشكيل حكومة، واستقبال «صفقة القرن» المطهيّة على نار أميركية في الأسابيع المقبلة.

وترى عشراوي أنّ «نتائج الانتخابات الإسرائيلية كانت متوقعة لأنّ هناك انحيازاً نحو اليمين، والتطرّف، والعنف، والصهيونية الأصولية منذ فترة».

وتلفت إلى أنّ «الخطاب العام في إسرائيل إقصائي، يستهتر بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، وقد أصبح جزءاً من تجمّع دولي شعبوي يرفض المنظمات الدولية والمؤسسات والنظام الذي وُضع بعد الحرب العالمية الثانية».

وتؤكد أنه «لولا الدعم الكامل، الأعمى واللامتناهي من قبل الإدارة الأميركية الحالية ما كان نتنياهو تمادى لدرجة أن يعلن رغبته بضمّ المستوطنات في الضفة الغربية»، ملمّحاً إلى أن «لا حلَّ دولتين ولا دولة فلسطينية».

وتعتبر أنّ اختيار تاريخ 15 أيار للإعلان عن الخطة الجديدة كما كان تردّد، «هو لرش الملح على الجرح، إذ يريدون أن يقضوا على فلسطين في يوم النكبة». مع العلم أنّ واشنطن كانت اختارت هذه الذكرى أيضاً لنقل سفارتها إلى القدس العام الماضي. إلّا أنّ مستشار ترامب وصهره جاريد كوشنير أكد أمس أنّ إعلان «صفقة القرن» سيكون بعد عيد الفطر.

ولكن بينما تعرف العديد من القضايا الفلسطينية تبايناً في وجهات النظر، وشرخاً وانقساماً وصولاً إلى التراشق الكلامي بين السلطة الفلسطينية في رام الله وبين قيادات الفصائل في غزة وأبرزها حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، فإنّ «صفقة القرن» المُنتظرة وحّدت المواقف. فالأقطاب الفلسطينية كلها متّفقة على رفضها.

وتلفت عشراوي في هذا السياق إلى أنّ الأميركيين «يريدون إبقاء الانقسام بين غزة والضفة، وفصل غزة نهائياً عن الضفة واستباحة الضفة باعتبارها الأراضي الايديولوجية التي تريدها إسرائيل».

وتقول: «علينا أولاً الانتباه إلى وضعنا الداخلي. فمسؤوليتنا الحفاظ على الوجود الفلسطيني، على أرض فلسطين، والتمسّك بكل حقوقنا، وبالقانون الدولي، وتمكين الشعب الفلسطيني ليصمد ويواجه، لأنّ ما هو آتٍ صعبٌ جداً».

وتؤكد أنّ الخطة المقبلة «محاولةٌ لتصفية القضية الفلسطينية والإحلال الكامل لإسرائيل الكبرى على كل فلسطين التاريخية».

وتضيف: «هي محاولة إزالة شعب، ودولة، وتاريخ، وحضارة، وثقافة، ووجود بالكامل لتحلّ مكانهم دولة أخرى، وهذه ليست عملية سرقة لأراضينا ومقدّراتنا فقط، ولكن أيضاً لتاريخنا، وهويّتنا، وثقافتنا وحتّى لاسم بلادنا».

وتشير إلى أهمية أن «نتعامل مع حلفائنا ومع التجمع الذي يحترم الحقوق والقانون الدولي وحق تقرير المصير».

وعلى سبيل المثال كانت وزيرة الخارجية الأوروبية فيديريكا موغيريني ذكّرت أمس الأول أمام البرلمان الأوروبي أنّ الإتحاد الأوروبي لا يعترف بأيِّ تغييرات في حدود إسرائيل بعد عام 1967، مشدّدة على أهمية التوصل «إلى حلّ سلمي للنزاع على أساس مبدأ الدولتين: إسرائيل، وفلسطين وعاصمتها القدس الشرقية». كما دانت سياسة توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.

 

حربٌ وشيكة؟

ووسط هذا السجال يبقى شبحُ حرب وشيكة تشنّها إسرائيل على غزة أو حتّى على «حزب الله» في جنوب لبنان قائماً خصوصاً في ظل التهديدات والاتّهامات المتبادَلة بوتيرة متزايدة ونبرة عالية بين واشنطن وطهران.

وما قد يزيد من احتمال حدوث هذه الحرب في المنطقة هو اتّخاذُها غطاءً لتمرير «صفقة القرن» وجرّ الطرف الفلسطيني إلى مفاوضات يقدّم فيها تنازلات تحت ضغط ألسنة النيران.

وتوضح المتحدثة باسم السلطة الفلسطينية أنّ «اسرائيل تشنّ حرباً باستمرار، فبالنسبة لغزة الحربُ متواصلة، أحياناً تتصاعد وأحياناً تخبو، ولكن يومياً يتم قتلُ الناس. وكذلك تستبيح إسرائيل الأجواء السورية حيث تضرب مراكز لسوريا وأخرى تعتبرها لإيران أو لحزب الله».

وتشير إلى أنّ «الحرب مع إيران هي حول اغتيال العقول الإيرانية من أكاديميين وعاملين في العلوم وخصوصاً علوم الذرّة»، وأنّ «العدوان هو على الكومبيوتر والحواسيب من خلال محاولات «الهاكرز»، أي أنّ حرباً غير معلنة قائمة».

ولكن لا ترى عشراوي أنّ إسرائيل ستذهب إلى حرب كبرى مُعلَنة حالياً، خصوصاً أنها «تعرف أنّ دخول الحرب سهلٌ ولكنّ الخروج منها أصعب، وهي لا تستطيع السيطرة على أبعادها لأنها ستؤثر على كل المنطقة».

في المقابل تؤكد أنّ «اسرائيل كلفت أميركا اتّخاذَ خطوات أحادية الجانب في القدس وضد إيران…، وأنّ أميركا تصعّد».

وتقول: «لا أستبعد شيئاً من الإدارة الأميركية بسبب انعدام مسؤوليتها وتصرّفها بدون دراية وتفكير وحكمة، كما أنّ إسرائيل لا رادع أمامها في استخدام العنف والسلاح ضد كل دول المنطقة وبدون مساءلة، وهي بدون تدخّل ومساءلة ستستمرّ بعنفها».