IMLebanon

“ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ” (بقلم بسام أبو زيد)

في أسبوع الآلام والقيامة وفي كل المناسبات والأعياد المسيحية، يمارس المسيحيون في لبنان شعائرهم الدينية وتقاليدهم ولو كان البعض منها يسجل تراجعا كأن يستبدل مثلا قرع جرس الكنيسة بتسجيل لصوت الجرس يبث لتنبيه المؤمنين أن موعد القداس أوالصلاة قد حان، وكأننا بتنا نفتقد لرجال تقرع الأجراس التي أصبحت في معظمها للديكور.

يحتاج المسيحيون في لبنان إلى المزيد من الحيوية في التعاطي مع شؤونهم وكنيستهم، فهم مدعوون لا ان يكونوا فقط مؤمنين يدخلون الكنائس للصلاة، بل عليهم أن يشكلوا مجموعات ضغط في رعاياهم وتجمعاتهم يعيدون من خلالها إحياء كل  التقاليد والشعائر الدينية والالتزام بأصول الدين المسيحي ولاسيما في صفوف الشباب حيث عدد الدعوات الكهنوتية يتراجع لألف سبب وسبب.

إن هذه المجموعات لا يمكنها أن تنجح إن لم تلاقيها الكنيسة بكل إمكاناتها، فالكهنوت وخدمة الرعايا ليست وظيفة في مقابل أجر، بل هي رسالة لترسيخ المسيحية والمسيحيين ولدعوتهم إلى الإيمان الصحيح وعيش الدين المسيحي بكل معانيه التي جسدها السيد المسيح في تلاميذه والقديسين، فيكون رجال الدين ومؤسسات الكنيسة القدوة الحسنة التي يفترض بالمؤمنين أن يكونوا على مثالها، عوض أن ينفر المؤمنون من بعض الممارسات والمشاهدات التي تزرع الشكوك واللامبالاة في نفوسهم وإيمانهم فيبتعدون عن دينهم وكنيستهم.

ليست الكنيسة في لبنان مؤسسة تجارية، ومن حقها أن توفر لنفسها الموارد كي تستمر في أداء الخدمات المتعددة التي تقوم بها، ولكن الخطر الكبير هو في أن يصبح الربح الناجم عن هذه الخدمات هو الهدف بحد ذاته، عندها ستخسر الكنيسة نفسها لأنها ستفقد أبناءها تباعا، فهي ليست فقط حجرا ورجال دين بل هي نحن اللبنانيين المسيحيين الذين نتطلع دائما إلى كنيسة تلعب دورا دينيا واجتماعيا وسياسيا رائدا يساعدنا في البقاء في هذه الأرض كي نحافظ على وجودنا المسيحي في مهد المسيحية.

بالموازاة فإن الجمهور المسيحي في لبنان مدعو إلى لعب دور سياسي مهم في الحفاظ على الوطن والوجود المسيحي فيه، ولن ينجح هذا الدور إذا لم يدرك المسيحيون ان وجودهم في هذا البلد على المحك وان المطلوب من قياداتهم السياسية وأحزابهم إدراك هذا الواقع والتخلي عن الانانيات السياسية والشخصية الضيقة، والتفتيش معا عن الصيغ السياسية التي تلائم تثبيت المسيحي في هذه الأرض وتضمن له خصوصيته لا ذوبانه في تقاليد وأفكار وشعائر لا تمت إلى دينه وأفكاره وثقافته بصلة تحت شعارات وعناوين فارغة، لا هدف منها سوى تصوير عملية الاستسلام والتبعية بمظاهر جميلة ترفع مقولة الوحدة الوطنية والعيش المشترك.

إن المسيحيين في لبنان مدعوون إلى التحرر من القيود التي تكبل رؤية حقيقة الواقع الذي يعيشونه، لأنه بهذا التحرر فقط يمكنهم ان يواجهوا مشاكلهم بكل شجاعة على صعيد كنيستهم ومجتمعهم ودولتهم، فيتخطون عقد الخوف والممنوع والانعزال والعمالة، وهو أمر لا بد أن يحصل لأن البديل سيكون المزيد من طمس هويتنا المسيحية واللبنانية وصولا إلى يوم سيعتقد فيه البعض أنه غلبنا نحن المؤمنين بيسوع المسيح الذي قال لنا قولا يجب أن يكون شعار نضال:”قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَمٌ. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ».