IMLebanon

لبنان ضحية القطاع العام! (بقلم رولا حداد)

لم يكن مفاجئاً كلام وزير المالية علي حسن خليل مع الزميل مرسيل غانم في برنامج “صار الوقت”، بقدر ما كان مفاجئاً أن أحداً لم يتحرّك للمحاسبة والمسائلة: لا القضاء والنيابات العامة المعنية، ولا مجلس النواب كسلطة رقابية ولا الشعب كمصدر وحيد للسلطات.

المشكلة أننا ندرك في لبنان أن أي محاسبة سياسية أو قضائية أو شعبية ممنوعة حتى إشعار آخر، وأن أحداً لن يجرؤ على الإجابة عن سؤال: من المسؤول عما وصلنا إليه؟ وأي جواب سيكون أن الطبقة السياسية بالتكافل والتضامن أوصلت البلد إلى الانهيار، وأن اللبنانيين يجددون للطبقة السياسية نفسها، وبالتالي فلا إمكانية لإجراء أي محاسبة!

ولكن بعيداً عن منطق المحاسبة، ما استوقفني في كل كلام وزير المالية هو الخلاصة المؤلمة، ومفادها أن لبنان كدولة والقطاع الخاص فيه الذي يشكل أكثرية اللبنانيين يدفعان ثمن فساد القطاع العام بسياسييه وموظفيه وكل وزاراته وأجهزته ومؤسساته القضائية والعسكرية والتربوية والسياسية.

القطاع العام في لبنان الذي يشكل أقل من 8 في المئة من اللبنانيين، يستهلك 40 في المئة من الموازنة العامة ويتسبب بعجز هائل ومديونية كارثية!

أما الضحية الواضحة فهو القطاع الخاص في لبنان الذي يمثل الأكثرية الساحقة من اللبنانية بشركاته ومؤسساته ومدارسه ومستشفياته! وفي حين تمتنع الدولة عن تقديم الحد الأدنى من خدمات كالكهرباء والماء والاستشفاء والطرقات والمواصلات السليمة، يموّل القطاع الخاص بالضرائب الهائلة التي يدفعها فساد القطاع العام بسياسييه وموظفيه على اختلاف فئاتهم من دون حسيب أو رقيب. يكفينا أن يعترف منذ فترة رئيس الهيئة العليا للتأديب القاضي مروان عبود بأن ثلث موظفي الدولة لا يعملون ولا يداومون وبأن الثلث الثاني فاسد. لهؤلاء نحن ندفع الضرائب المباشرة وغير المباشرة لتسديد رواتبهم وتعويضاتهم ومستحقاتهم التي لا يستحقونها!

ما الحل اليوم؟

الحل بكل بساطة خفض حجم القطاع العام وإنهاء كل مظاهر الفساد المستشرية فيه، ليعود القطاع العام إلى استهلاك ما دون الـ15 في المئة من الموازنة العامة، وذلك يتم عبر اتخاذ كل الإجراءات اللازمة، بدءًا من خفض عدد الموظفين والمتعاقدين والمياومين والعاملين بالفاتورة وكل أنواع التعاقد، وليس بخفض رواتب من يجب أن يبقوا، وباتخاذ الإجراء الفوري بإعادة هيكلة الدولة التي من غير المقبول أن تبقى دولة ريعية للتوظيفات السياسية ومكاناً للفاسدين والعاطلين عن العمل بحمايات سياسية ومذهبية وحزبية!

يضاف إلى ذلك حل أزمة الكهرباء ووقف التهرّب الجمركي والضريبي، ورفع يد الدولة عن إدارة المرافق العامة من أجل تحسين سير العمل، وفتح أبواب الخصخصة ومنع الاحتكار وفتح باب التنافسية الحقيقية في القطاعات الأساسية مثل الاتصالات والكهرباء وغيرها، وعندها لن يبقى لبناني عاطلاً عن العمل لأن الشركات الخاصة ستحتاج إلى عشرات آلاف الموظفين. وعندما نقلّص عجز الموازنة نتيجة تقليص كلفة الرواتب والأجور والتعويضات وتجفيف منابع الهدر، تتمكن الدولة من تكريس جزء من الإنفاق للاستثمار ما يوسّع حجم الاقتصاد ويزيد إقبال المستثمرين على الاستثمار في مشاريع جديدة تزيد من فرص العمل…

إنها عجلة الاقتصاد الطبيعية أيها السادة والتي لا تحتاج إلى “أينشتاين” جديد لفهمها، بل كل ما تحتاج هو رجال دولة يجرؤون على اتخاذ القرارات اللازمة، وإلى شعب يحاسب الفاسدين والمقصرين والمشاركين عبر الصمت أو التغاضي!

حان الوقت لاتخاذ الإجراءات اللازمة للانتهاء من “الورم الخبيث” والمتمادي في القطاع العام، ولإعادة إنعاش القطاع الخاص حتى ينهض لبنان من كبوته وإلا على الدنيا السلام!