IMLebanon

عون دق ناقوس الخطر… فهـل من يسمع؟

قيل الكثير في الساعات الماضية التي اعقبت تصريح رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من بكركي في عيد الفصح بشأن الموازنة العامة. وتوسعت التفسيرات مرجحة كفة “استهداف” رئيس الحكومة سعد الحريري ومعه أكثر من طرف. وعطفا على نفي زوار بعبدا مثل هذا التكهن الضيق، فقد اصروا على انه لم يقصد شخصا بذاته، لكنه لم يوفر أحدا آخر في الوقت عينه. فما الذي قصده؟ وكيف توزعت رسائله؟

يخطئ من يعتقد ان رئيس الجمهورية بنى موقفه في بكركي يوم الأحد الماضي على تطورات الأيام الأخيرة وما رافق المناقشات حول القرارات الصعبة وغير الشعبوية التي تحدث عنها رئيس الحكومة وقبله وبعده كل من وزير الخارجية جبران باسيل او وزير المال علي حسن خليل، ولا سلسلة النصائح النقدية والمالية التي وجهها وزير الإقتصاد منصور بطيش، ولا تلك المواقف التي “ناحت” على المالية العامة وحجم الفوارق بين تقدير الإيرادات التي تضمنتها موازنة العام 2018 وتلك المقدرة للإنفاق والتي فاقت كل التوقعات المنطقية ووضعت مشروع الموازنة السابقة التي اعتبرت “إنجازا باهرا” في موضع لا تحسد عليه، خصوصا ان النتائج لم تكن توحي بما وصلت اليه ولم تلتق مع اي من التوقعات المريرة التي اوقعت البلاد في اكبر أزمة مديونية تعيشها منذ عقود.

يصر زوار رئيس الجمهورية بحسب ما ابلغوا “المركزية” على هذه العناوين الأساسية عند إجراء القراءة الشاملة التي اختصرها الرئيس عون بكلمات قليلة. فهي لا تقف عند حدود هذه الوقائع، لذلك جاء الربط بين مواقفه والمعطيات العشوائية التي انتهت اليها المواقف الأخيرة للمسؤولين “سطحيا”. فرئيس الجمهورية كان في واد وكل من تعاطى مع هذه المواقف في واد آخر. من هذه المنطلقات بالذات، يفند زوار بعبدا بعض المعطيات التي تناولتها وسائل الإعلام في اليومين الماضيين فشطبت بداية اي ربط بين ما قصده عون والحديث عن خلاف في التوجهات المالية والنقدية بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووزير الإقتصاد منصور بطيش. فالمسألة طويت بعد ساعات على حصولها ولم توضع أصلا سوى في إطار ما يكنّه بطيش من “شعور شخصي” تجاه سلامة لا أكثر ولا اقل. وتاليا فإن موقفه لا يعبر عن موقف احد سواه، خصوصا ان الجميع توقف امام إشادة مسؤولي وزارة الخزانة الأميركية وكشفهم عن ثقتهم بحاكم البنك المركزي ونائبه محمد بعاصيري بالإسم. ومن الخطأ الربط بين موقف عون وسفر الرئيس سعد الحريري الى الرياض والحؤول دون انعقاد الإجتماع المالي الدوري الذي اعتاد على عقده رئيس الجمهورية كل فترة، منذ الأزمة التي قاد اليها تصريح وزير المال عن “اعادة هيكلة” الدين العام قبل فترة والذي انهى أزمة كانت متوقعة في ساعات قليلة. فقد عدّ اللقاء على هذا المستوى الجدي من المسؤولية وسيلة ناجعة لمواجهة أي طارئ. ورغم ذلك فان رئيس الجمهورية، كما يوضح الزوار، لم يدعُ بعد الى عقد مثل هذا اللقاء مجددا. ولو دعا اليه لما وجد من يعترض او يقاطعه. لكنه وبرأيه لم يحن أوانه بعد، ولكن يمكن القول ان رئيس الجمهورية لم يعف الحريري من ملاحظاته عندما سعى الحريري مسبقا الى مقاربة القرارات الصعبة بتوافق سياسي شامل بدأ التحضير له مع القيادات السياسية وممثلي الأحزاب المكونة للحكومة دون ان يأتي بها الى طاولة مجلس الوزراء التي تجمعهم هم انفسهم. فهو من تعهد بعد نيل الثقة النيابية بالحكومة الجديدة بتقديم الموازنة في جلستها الثانية او الثالثة وهو امر لم يحصل حتى اليوم.

والى هذه الترجمة الخاطئة في الربط بين ملاحظات الرئيس وأداء رئيس الحكومة، قال زوار بعبدا ان رئيس الجمهورية كان ينتظر في الأيام القليلة الماضية احالة مشروع قانون الموازنة ليكون على جدول اعمال مجلس الوزراء هذا الخميس اي بعد يومين، خصوصا ان وزير المال قال تكرارا انه وضعه ضمن المهلة القانونية بداية خريف العام الماضي، اي قبل تشكيل الحكومة الجديدة بأشهر عدة. لكنه وفي الوقت عينه ومنذ ذلك التاريخ يعمد وزير المال كل فترة الى سحب المشروع واعادة تعديل جدول او ورقة من هنا وأخرى من هناك ويعكف مع كبار موظفي الوزارة على إجراء تعديلات على شكل ومضمون القرارات الصعبة التي تحدث عنها وكيفية مقاربة التخفيضات المرتقبة على ارقامها.

وحتى بالأمس القريب، وبعد ان قال وزير المال انه سلم المشروع النهائي للموازنة الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء تحدث عن اعادة نظر بأرقامها عن طريق شرحه لتقليص الرواتب الخيالية العائدة لكبار الموظفين، وفق الجردة التي قدمها في مقابلته التلفزيونية الاخيرة. وهنا يظهر عتب رئيس الجمهورية مدوياً، عندما يقول امام زواره اننا ندفع اليوم ثمن التقديرات الخاطئة التي قدمتها وزارة المال واقرتها لجنة المال والموازنة النيابية لكلفة سلسلة الرتب والرواتب والتي تضاعفت عند تطبيقها بطريقة غير منطقية ويتحدثون اليوم عن المسّ بحقوق الموظفين المكتسبة الذين بنوا حياتهم قياسا على حجمها ومردودها فاستدانوا او استثمروا فيها. فكيف يمكن ان نمسها اليوم؟!

عند هذه الملاحظات الشاملة يتوقف عتب رئيس الجمهورية الذي عبر عنه في بكركي. ولذلك يمكن القول انه لم يقصد أحدا بشخصه ولم يبرئ أحدا في الوقت عينه. فهو يدرك كما جميع المسؤولين اهمية البت بالموازنة في مرحلة يطالب بها المجتمع الدولي ومنظمو “سيدر” فيما يقف لبنان عاجزا عن اتمام هذه المهمة. لذلك لا بد من المحاسبة ولو لمرة واحدة، وهذا ما قصده، بدق “ناقوس الخطر” فهل من يرى ويسمع للخروج من المأزق بأقل الخسائر الممكنة؟