IMLebanon

«صفقة القرن» وإن هي «كذبة» فدعم الفلسطينيين ضرورة!

كتب صالح القلاب في صحيفة الشرق الأوسط:
حتى الآن فإن كل ما قيل عن «صفقة القرن»، هو مجرد تكهنات و«تسريبات» غير مؤكدة وإلى حدّ أنَّ كبار المعنيين مباشرة بهذا الأمر وفي مقدمتهم العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني والرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) لا يزالون يضربون «أخماساً بأسداس» ولم يصلهم أي شيء رسمي لا محدَّد ولا مؤكد من قبل الإدارة الأميركية وذلك باستثناء بعض ما يتعلق بالقضايا الاقتصادية في هذه المنطقة كلها استناداً إلى تلميحات منسوبة إلى جاريد كوشنر قال إن تفاصيلها ستكون بعد شهر رمضان (المبارك)!!
والمعروف أن شهر رمضان سيبدأ في أوائل مايو (أيار) المقبل، وأنه سينتهي في أوائل يونيو (حزيران)، وذلك في حين أن كل ما صدر عن البيت الأبيض في هذا المجال هو ما قاله كوشنر نيابة عن الرئيس دونالد ترمب وهو «أن مقترح السلام في الشرق الأوسط يتطلب تنازلات من الطرفين؛ الطرف الفلسطيني والطرف الإسرائيلي»، مما يعني أن كل ما يجري تداوله في هذا الشأن هو مجرد تسريبات إسرائيلية غير مؤكدة وتكهنات كلامية كان هدفها مساندة بنيامين نتنياهو واليمين الإسرائيلي الأكثر تطرفاً في انتخابات «الكنيست» الماضية.
لقد جاء في هذه التسريبات، التي وبالتأكيد أن هدفها هو تخفيض مستوى التطلعات الفلسطينية، أنه لا دولة مستقلة لا على حدود الرابع من يونيو عام 1967 ولا أقل من هذا بكثير وعاصمتها القدس الشرقية، وأن أقصى ما بإمكان الفلسطينيين تحقيقه هو حكم ذاتي، تُستثنى منه كل المستوطنات الإسرائيلية الرئيسية، وهناك من يتحدث، ومن دون أي معطيات مؤكدة، عن أن هذا «الحكم» سيكون ثنائياً أي فلسطينياً – أردنياً وهذا في حين أن الجيش الإسرائيلي سيبقى يتحكم بالحدود الشرقية للضفة الغربية وعلى طول مجرى نهر الأردن وصولاً إلى البحر الميت في الجزء الشمالي منه.
وبالطبع فإن هذه «التسريبات» لا يمكن القبول بها لا فلسطينياً ولا أردنياً ولا عربياً أيضاً، فالفلسطينيون والأردنيون والعرب لا يمكن أن يقبلوا بما هو أقل من قرار قمة بيروت العربية في عام 2002 والذي جاء فيه أنه لا حل إطلاقاً مع إسرائيل من دون قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهذا تم التأكيد عليه في قمة تونس الأخيرة وبإجماع عربي كامل يُستثنى منه سوريا نظراً لعدم حضورها هذه القمة والتي هي بدورها كانت قد أكدت تمسكها بحيثيات هذا الحل وهي لا تزال تتمسك به حتى الآن رغم ظروفها الصعبة وغير المستقرة.
ولعل ما يجب التنبه إليه والحرص منه هو أن الإسرائيليين قد دأبوا قبل انتخابات الكنيست الأخيرة وبعدها على ضخ معلومات تضليلية لدق الأسافين بين العرب وبين الأردنيين والفلسطينيين ومن بينها ما جاء في صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية خلال الأسبوع الماضي وهو أن بعض بنود «صفقة القرن» تنص على نقل «الوصاية الهاشمية» على القدس من الأردن إلى المملكة العربية السعودية والمغرب، وبالطبع فإن هذا غير صحيح وعلى الإطلاق وهو غير وارد، كما تؤكد المصادر الأردنية الرسمية التي تقول إن «الأشقاء السعوديين» هم الأكثر التزاماً بقرارات القمم العربية وآخرها قمة تونس الأخيرة.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ مجموعة عدم الانحياز هي بدورها قد أكدت «الوصاية الهاشمية» على القدس وهذا هو موقف دول الاتحاد الأوروبي جميعها والدول الإسلامية كلها والدول الأفريقية بأسرها ومعظم دول أميركا اللاتينية مما يدل على أن خبر «هآرتس» الإسرائيلية الآنف الذكر لا صحة له إطلاقاً، وأن المقصود به هو «دق الأسافين» بين الأشقاء العرب في هذه المرحلة الصعبة والخطيرة، والدليل هو أنها، أي هذه الصحيفة، قد زجت باسم المملكة المغربية أيضاً في هذا المجال.
وكذلك فإن المعروف أن مسألة «الوصاية الهاشمية» أي إلحاق القدس إدارياً بالأردن ليست جديدة وأن الأشقاء الفلسطينيين وعلى رأسهم القائد الراحل ياسر عرفات (أبو عمار) هم من كانوا أصروا على هذه الوصاية حتى قبل اتفاقيات كامب ديفيد، وأيضاً قبل اتفاق وادي عربة وعلى أساس أن الحفاظ على هذه المدينة وحمايتها من التبعية الإسرائيلية ومنع ضم الإسرائيليين لها يتطلب البقاء تحت الإدارة الأردنية وتحت الوصاية الهاشمية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الأردن قد أعلن رسمياً وعلى لسان وزير خارجيته وخلال الاجتماع العربي الأخير في الجامعة العربية بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن السيادة على القدس الشريف فلسطينية، وأن الوصاية على مقدساتها هاشمية لحمايتها، وأن مسؤولية الدفاع عنها وعن هويتها ووضعها القانوني عربية وإسلامية.
وعليه وبالعودة إلى ما يقال عن أن «صفقة القرن» هذه التي لا تزال مجرد «كلام في كلام» ومجرد تسريبات هدفها تقزيم تطلعات الفلسطينيين وزعزعة الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية تحت الاحتلال إن هي صحت فإنها «لن تشطب» ما نصت عليه القرارات الدولية والقرارات العربية وقرارات دول العالم بمعظمها من حقوق مشروعة للشعب الفلسطيني في وطنه المحتل، وعلى أساس حدود الرابع من يونيو عام 1967 ومن ضمنه القدس الشرقية مما يعني أن هذا كله هو مجرد أمنيات وألاعيب أميركية – إسرائيلية، وأن كل ما يقال عن هذه «الصفقة» لا يمكن أن يكون حلاً، وأنه سيبقى مجرد مناورات لهذه الإدارة الأميركية التي على رأسها الرئيس ترمب الذي يسعى لولاية جديدة بالتقرب من منظمة «أيباك» اليهودية ذات التأثير الفاعل في الأوساط الانتخابية الأميركية.
وهكذا وعلى افتراض أن «صفقة القرن» هذه صحيحة وأن الإدارة الأميركية ستحاول فرضها بالقوة، إن لزم الأمر، فإن التجارب الصعبة قد علّمت الفلسطينيين أن عليهم أن يتمسكوا بوطنهم وألا يغادروه ليصبحوا لاجئين يلتحقون بمن سبقهم من إخوانهم إلى هذا الخيار الصعب والمدمِّر، وأنْ يقتدوا بمن يسمون عرب الـ«48» الذين كان عددهم يقدر بعشرات الألوف وأصبح الآن يقترب من المليونين، وأن يلجأوا إلى ما يسمى المقاومة السلمية، وبالطبع فإن هذه قد تكون افتراضات غير صحيحة، إذْ إن الإدارة الأميركية البائسة، لا يمكن أن تبقى قدراً مفروضاً على الأميركيين وعلينا وعلى العالم بأسره.
وأيضاً فإن هذا اليمين الإسرائيلي الأكثر تطرفاً الذي على رأسه بنيامين نتنياهو، الذي بات يطارده الفساد وباتت تطارده اتهامات النصب والاحتيال، إنْ ليس من المؤكد فمن الممكن أن يأتي اليوم الذي سيحل محله إسحق رابين آخر كذلك الذي دفع حياته ثمناً لقناعاته بأنه لا سلام ولا استقرار لا في إسرائيل ولا في الشرق الأوسط ما لم يحقق الشعب الفلسطيني هدف قيام دولته المستقلة.
ويبقى أنه يجب أن تتعامل القيادة الفلسطينية مع إسرائيل على أساس مبدأ العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص، وأن الاعتراف يقابله اعتراف وعدم الاعتراف يقابله عدم اعتراف ويجب أن يتمسك العرب، وهم سيتمسكون وبالتأكيد، بقرار قمة بيروت العربية في عام 2002 ولن يتنازلوا عنه على الإطلاق ورغم مطالبة «البعض» بضرورة إعطاء الإسرائيليين «تطمينات» بالاعتراف ببقائهم في هذه المنطقة وكأنهم ليسوا وحدهم الذين يملكون الأسلحة النووية في الشرق الأوسط كله، وكأنهم لا يحتلون الضفة الغربية ويحتلون هضبة الجولان السورية وبعض المناطق اللبنانية، وكأن جيشهم ليس بمستوى أقوى الجيوش في العالم بأسره، وكأن الإمكانيات الأميركية ليست بتصرفهم ولا تعتبر في حقيقة الأمر إمكانياتهم؟!
وعليه وفي النهاية فإنه يجب أن يحقق العرب كلهم، المقتدرون منهم والذين يعتبرون أنفسهم غير مقتدرين: «شبكة الأمان المالية» التي طالب بها أبو مازن لتعزيز ثبات الشعب الفلسطيني في وطنه وتجعله قادراً على الصمود في مواجهة التحديات الإسرائيلية والتآمر المتجسد في «صفقة القرن» هذه التي لا بد من اعتبارها رسميا على أنها صحيحة وإلى أن تتضح الحقائق ويثبت عملياً أنها كذبة كبرى تخويفية وغير صحيحة!!