IMLebanon

موازنة الهروب من المسؤولية

باستثناء اقتراح رفع الضريبة على ربح الفوائد من 7 إلى 10 في المئة، تجنّب وزير المال علي حسن خليل أي فكرة مثيرة للخلاف بين مكونات الحكومة. لم يقترب من خدمة الدين العام، ولا من الكتلة الرئيسية للأجور. اقترح تعديلات طفيفة على الرواتب المرتفعة، من خلال وضع سقف لها، وعلى التقديمات الإضافية لقضاة وموظفين. مشروع الموازنة الذي تسلّمه الوزراء أمس يبدو هروباً من المسؤولية، أكثر منه تعبيراً عن قرار بمواجهة الأزمة المالية.

تسلّم الوزراء بعد ظهر أمس مشروع قانون موازنة عام 2019، تمهيداً للبدء بدراسته في جلسات متتالية تُعقد اعتباراً من يوم الثلاثاء المقبل، وحتى إقرار المشروع وإحالته على مجلس النواب، وفق ما أعلن وزير المال علي حسن خليل بعد جلسة مجلس الوزراء أمس.

جاءت هذه الخطوة المؤجّلة بعد فشل محاولات التوافق على خفض الأجور ومعاشات التقاعد والتقديمات الاجتماعية للعاملين في القطاع العام، التي قادها رئيس الحكومة سعد الحريري بالتنسيق مع الوزير خليل. وعلى الرغم من أن مصادر وزارية متابعة أبلغت «الأخبار» أن هذا الطرح لا يزال حيّاً يرزق وهو يتخذ أشكالاً مختلفة عن الطرح السابق بخفض 15% على جميع الأجور ومعاشات التقاعد، إلا أن مشروع الموازنة، كما رفعه وزير المال، لا يتضمن مثل هذا الخفض، ولكنه يتضمن مواد عدّة سبق لوزير المال أن تحدّث عنها في برنامج «صار الوقت» على شاشة mtv، ومنها وضع حد أقصى للراتب الأساسي لا يتجاوز راتب رئيس الجمهورية، ووضع حد أقصى لمجموع التعويضات والملحقات بما لا يتجاوز مجموع الراتب الأساسي، وعدم جواز الجمع بين أجرين من المال العام، ووقف العمل بمنح الإنتاج وحصص الأرباح، وتخفيض الإجازة السنوية من 20 يوماً الى 15 يوماً، وتجميد التقاعد المبكر لمدة ثلاث سنوات، واقتطاع 3% من معاشات التقاعد للعسكريين بدل الضمان الصحي والمساعدات الاجتماعية، وحسم 50% من مخصصات الرؤساء والوزراء والنواب لمدّة 3 سنوات.

وفي الجانب الضريبي، نص المشروع على زيادة معدّل الضريبة على ربح الفوائد من 7% الى 10%، من دون استثناء المصارف من موجب تسديدها، بخلاف ما ورد في طرح الحريري وكلام حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لجمعية المصارف يوم الأربعاء الماضي. كما يتضمن المشروع زيادة الضريبة التصاعدية على الرواتب والأجور وأرباح المهن التجارية والصناعية وغير التجارية عبر استحداث شطر للدخل الخاضع للضريبة الذي يتجاوز 225 مليون ليرة وإخضاعه لمعدّل ضريبة 25%، علماً بأن الشطر الأخير لضريبة الرواتب والأجور حالياً يبلغ 120 مليون وما فوق ويخضع لمعدّل ضريبة 20%، والشطر الأخير للضريبة على أرباح المهن يبلغ 104 ملايين ليرة وما فوق ويخضع لمعدّل ضريبة 21%.

في المقابل، بقي معدّل الضريبة المقطوع على شركات الأموال (من بينها المصارف) عند 17%. وأعطي جميع المكلّفين بالضريبة، الذين تهربوا من دفعها أو تقاعسوا في التصريح عن دخلهم وأرباحهم، على إعفاءات بنسبة 90% من جميع الغرامات الضريبية، بما في ذلك الغرامات المترتبة للبلديات وصندوق الضمان. وأعطي المتهربون من رسوم التسجيل العقاري عبر العقود والوكالات لدى كتاب العدل خفضاً خاصاً على معدّل الرسم من 5% الى 3%.

على صعيد الأرقام، يتضمن المشروع نفقات بقيمة 15.6 مليار دولار وإيرادات بقيمة 12.1 مليار دولار، أي أن العجز سيبلغ 3.5 مليارات دولار، وهو رقم مماثل للعجز المقدّر في قانون موازنة عام 2018، إلا أنه أقل بنحو 2.5 مليار دولار عن العجز الفعلي المحقق في العام الماضي، إذ تفيد بيانات وزارة المال بأن العجز في 11 شهراً من العام 2018 بلغ 5.8 مليارات دولار، ما يعني أنه وصل الى 6.3 مليارات دولار على أساس متوسط 12 شهراً.

إلا أن النفقات المدرجة في مشروع الموازنة لا تتضمن الإنفاق على دعم أسعار الكهرباء، إذ عمدت الحكومة ووافق مجلس النواب على اعتبار هذا الإنفاق سلفات خزينة طويلة الأجل لمؤسسة كهرباء، في سياق العمل على تجميل قانون موازنة العام الماضي، وتكرر الأمر في مشروع موازنة هذا العام. وبلغت قيمة هذه السلفات نحو 1.8 مليار دولار في العام الماضي ونحو 1.6 مليار دولار في هذا العام. ما يعني أن العجز الفعلي بعد احتساب دعم الكهرباء سيبلغ في العام الجاري نحو 5.1 مليارات دولار، أي أقل بنحو 3 مليارات دولار عن مجمل العجز المحقق في العام الماضي.

وفق المشروع، سيأتي هذا التخفيض للعجز المحقق من زيادة الإيرادات بقيمة 600 مليون دولار فقط (علماً بأن مشروع الموازنة يقدّر انخفاض الإيرادات في عام 2019 بنحو 100 مليون دولار عمّا كان متوقعاً في قانون موازنة 2018). في المقابل، ستنخفض النفقات بقيمة 2.6 مليار دولار عن المحقق في عام 2018 (وأقل بنحو 400 مليون دولار فقط عما كان متوقعاً في قانون موازنة 2018 بعد إضافة سلفات الكهرباء).

اعتمد وزير المال في مشروعه تخفيضات طاولت جميع الأبواب، على قاعدة من هنا وهناك، ما عدا باب مدفوعات الفائدة على الدين الحكومي التي واصلت ارتفاعها لتبلغ نحو 5.5 مليارات دولار، أي نحو 45.5% من مجمل الإيرادات المتوقعة. وعلى الرغم من أن كلفة خدمة الدين العام تمثل مصدر النزف الأكبر والأهم والأكثر سلبية، إلا أن مشروع الوزير خليل لا يتضمن أي إجراء لخفض هذه الكلفة، لا عبر إعادة الهيكلة مع المصارف التي أعلن مرّة أنه يدرسها وتراجع فوراً عن إعلانه، ولا عبر الهندسة المالية مع مصرف لبنان الذي يحمّل أكثر من ثلث الدين الحكومي ويتقاضى فوائد من الموازنة تلامس الملياري دولار سنوياً.

 

حرص خليل في تقريره على التعامل مع الأجور والتعويضات كمصدر للعجز

باختصار، أبعد الوزير خليل مشروعه كلياً عن محوري الخلاف الجاري اليوم: تخفيض الفوائد وتخفيض الأجور ومعاشات التقاعد. ربما أراد أن يتخلص من هذه المسؤولية ورميها على مجلس الوزراء مجتمعاً، وربما تبيّن له أن هذين المحورين لا يمكن أن يحصل توافق عليهما. ولكن المصادر الوزارية تجزم بأن هناك طرحاً لا يزال متداولاً يرمي الى تخفيض نسبة 10% من الأجور التي تتجاوز سقفاً معيناً، وهناك خلاف حول هذا السقف، هل هو مليون ليرة أو مليونين أو 3 ملايين؟ وتلفت المصادر نفسها الى أن هناك خلافاً على مسألة أخرى مهمة، هي إعفاء المصارف من زيادة الضريبة على ربح الفوائد، إذ تتكثف الضغوط من قبل المصارف وحاكم مصرف لبنان ورئيس الحكومة لإعادة عقارب الساعة الى الوراء والتراجع عن أحد التعديلات الضريبية في عام 2017، المتمثل بتكليف المصارف بالضريبة على ربح الفوائد التي تجنيها من توظيف أموالها، ولا سيما في سندات الخزينة بالليرة وشهادات الإيداع التي يصدرها مصرف لبنان.
على أي حال، لم ينأَ وزير المال كلياً عن هذه المحاور الخلافية، ففي تقريره المرفق مع مشروع قانون الموازنة، يركّز على ارتفاع كلفة الأجور والتعويضات ومعاشات التقاعد ويحرص على التعامل معها كمصدر لأزمة العجز المالي، وهو يقترح إعادة النظر بنظام التقاعد للعاملين في القطاع العام. ويعترف بالأثر السلبي لانخفاض الإنفاق الاستثماري، إلا أنه لا يقترح فعل أي شيء في هذا المجال. وفي المقابل، ينطلق وزير المال من إشاعة فكرة تقول: إن الخطوات الممكن اتخاذها في مجال زيادة الواردات محدودة. ويكتفي بوعد أن تتقدّم الحكومة بمشروع قانون ضريبي لإجراءات وتشريعات لا تصيب عامة الناس وتؤمن جباية أفضل والتزاماً أكبر، وذلك بالتوازي مع تقديم الموازنة. ولكنه لا يقول شيئاً محدداً سوى أنه سيستهدف الذين يجنون الأرباح من الثروات الوطنية.

تخفيضات المخصصات والرواتب
ــــ حسم 50% من مخصصات الرؤساء والوزراء والنواب.
ــــ تحديد سقف لا يتجاوز ضعفي الحد الأدنى للأجور للمبالغ التي يتقاضاها القضاة كبدلات أتعاب عن الخدمات التي يقدمونها للإدارات العامة كاستشارات.
ــــ تجميد طلبات الإحالة على التقاعد، ما عدا في حالات بلوغ السن القانونية لمدة 3 سنوات، وإذا أصر صاحب الطلب يحسم 25% من حقوقه التقاعدية.
ــــ وضع حد أقصى لمجموع التعويضات وملحقات الراتب بما لا يتجاوز الراتب الأساسي.
ــــ عدم جواز أن يتجاوز أي راتب أساس مخصصات رئيس الجمهورية البالغة 12.5 مليون ليرة.
ــــ اقتطاع 3% من رواتب ومعاشات المتقاعدين العسكريين بدل الاستفادة من الطبابة والاستشفاء والمساعدات الاجتماعية.
ــــ تخفيض الإجازة السنوية من 20 يوماً إلى 15 يوماً (ما عدا الإجازات في التعليم والقضاء) على أن يزاد يوم كل 5 سنوات بعد انقضاء 15 عاماً على الخدمة.
ــــ عدم الجمع بين المعاش التقاعدي وأي راتب أو أجر أو مخصصات أو بدل أتعاب أو أي دخل أو مبلغ شهري أو يومي مدفوع من المال العام (باستثناء أسر شهداء الجيش والقوى الأمنية).
ــــ عدم إفادة العسكريين المتقاعدين وعائلات الموظفين والمتقاعدين العسكريين من التجهيزات العسكرية.
ــــ وقف العمل بالرواتب التي تزيد على 12 شهراً في السنة وإلغاء منح الإنتاج وحصص الأرباح وتوزيع أنصبة الأرباح (باستثناء راتب الشهر 13 في المؤسسات العامة الاستثمارية).
ــــ منع التوظيف والتعاقد بما في ذلك القطاع التعليمي والعسكري، وتجميد التطويع بدل المحالين الى التقاعد، لمدة 3 سنوات، على أن تتاح الإمكانية للتوظيف بعد ذلك بمعدل نصف عدد المتقاعدين كحد أقصى.
ــــ تلزم الحكومة في مهلة 3 أشهر بإصدار مراسيم وقرارات تحدد:
• عدد سنوات الخدمة لتقاعد العسكريين.
• تطبيق التدابير الاستثنائية.
• اعتماد أسس جديدة للتطويع.
• تخصيص سيارات وهواتف ومحروقات لغير الاستخدام العسكري.

الإجراءات الضريبية
ــــ رفع الضريبة على ربح الفوائد من 7% إلى 10%.
ــــ استحداث شطر سابع فوق 225 مليون ليرة وتكليفه بمعدّل 25% عند احتساب الضريبة على الرواتب والأجور. حالياً يوجد 6 شطور تتراوح معدّلات الضريبة عليها بين 2% للشطر تحت 6 ملايين ليرة و20% للشطر فوق 120 مليون ليرة.
ــــ استحداث شطر سادس فوق 225 مليون ليرة وتكليفه بمعدل 25% عند احتساب الضريبة على أرباح المهن التجارية والصناعية وغير التجارية (حالياً يوجد 5 شطور تتراوح معدلات الضريبة عليها بين 4% تحت 9 ملايين ليرة و21% فوق 104 ملايين ليرة).
ــــ تبقى أرباح شركات الأموال (الشركات المغفلة ــــ الشركات المحدودة المسؤولية ــــ شركات التوصية بالأسهم بالنسبة إلى الشركاء الموصين) خاضعة لمعدل مقطوع 17%.
ــــ رفع بعض الرسوم التي يستوفيها الأمن العام (إجازة عرض دعاية تلفزيونية ــــ إجازة عمل فنانين ــــ دخول المرفأ ــــ سمة إقامة ــــ إعلان طرقي ــــ معاملة نقل كفيل).
ــــ فرض 3 ملايين ليرة عن كل سائح يتخلف عن مغادرة لبنان، وتترتب الغرامة على الشركة السياحية التي جاء السائح عبرها.
ــــ استبدال جواز السفر لمدة سنة (60 ألف ليرة) بآخر لمدة 3 سنوات (200 ألف ليرة).
ــــ فرض رسم سنوي بقيمة 500 ألف ليرة للوحة السيارة من 3 أرقام، و250 ألف ليرة لأربعة أرقام و100 ألف ليرة لخمسة أرقام.
ــــ تعتبر حصيلة غرامات مخالفات السير حقاً عائداً بكامله لمصلحة الخزينة.
ــــ تلغى الإعفاءات من الرسوم الجمركية الممنوحة للبعض، بما في ذلك الحد الأدنى لرسم الاستهلاك الداخلي (ما عدا السلع المنصوص عليها بالاتفاقيات والآلات والمواد الأولية المستعملة في الزراعة والصناعة وتجهيزات ذوي الاحتياجات الخاصة).
ــــ تلغى الإعفاءات الممنوحة لبعض الأشخاص من رسوم تسجيل وسير المركبات (ما عدا الدولة والهيئات الدبلوماسية والأمم المتحدة).

مواد لافتة
ــــ السماح للوزير المختص ووزير المال بقبول هبات نقدية لا تتجاوز قيمتها 750 مليون ليرة.
ــــ إخضاع الموازنات وتعديلاتها والحسابات المالية للمؤسسات العامة لمصادقة وزير المال.
ــــ ضم الموازنات الملحقة الى الموازنة العامة اعتباراً من عام 2021.
ــــ تتحمل الدولة اشتراكات الضمان بكل فروعه لمدة سنتين عن الأجراء اللبنانيين الذين يتم استخدامهم من الآن لغاية نهاية 2021 إذا كانوا يعملون لأول مرة أو كانوا عاطلين من العمل على أن لا يزيد الأجر على 18 مليون ليرة.

الإعفاءات الضريبية
ــــ إعفاء المؤسسات العامة والبلديات واتحادات البلديات وسائر أشخاص القانون العام من الغرامات المتوجبة عليها من المخالفات المتعلقة بضريبة الرواتب والأجور عن مستخدميها.
ــــ تخفيض 90% من الغرامات الضريبية المتوجبة للدولة والبلديات واتحادات البلديات والمؤسسات العامة وسائر أشخاص القانون العام.
ــــ إعفاء أصحاب الحقوق العينية من ضعف الرسم، إذ تم إعلام رئيس المكتب العقاري المعاون بالتغييرات التي طرأت على قوام ومشتملات عقارهم في مهلة أقصاها نهاية هذا العام.
ــــ تخفيض 90% من غرامات التحقق والتحصيل.
ــــ تخفيض 90% من الغرامات المتوجبة على أوامر التحصيل الصادرة عن الإدارات والبلديات والمؤسسات العامة وسائر أشخاص القانون العام.
ــــ تخفيض 90% من غرامات رسوم الميكانيك.
ــــ تخفيض 90% من غرامات الرسوم البلدية وتقسيطها على 5 سنوات بفائدة 5%.
ــــ تخفيض 90% من غرامات وزيادات التأخير المتوجبة على اشتراكات الضمان مع تقسيطها على 5 سنوات بفائدة 5%.
ــــ إعطاء مهلة إضافية 6 أشهر للاعتراض أمام الإدارة الضريبية بشرط تسديد 10% من الضرائب والرسوم والغرامات المتوجبة عليهم.
ــــ إعفاء المستخدمين والعمال والأجراء الذين يشغلون أكثر من وظيفة أو عمل من غرامات التأخير في تقديم التصريح والتسديد، مع التقسيط 3 سنوات بشرط تسديد 25% من قيمة المتوجب عليهم.
ــــ تقسيط الضرائب المقتطعة من المنبع والضريبة على القيمة المضافة المتوجبة على المكلفين لغاية نهاية 2018.
ــــ تخفيض 90% غرامات الرسوم البلدية المتوجبة على المؤسسات السياحية.
ــــ تخفيض رسم الفراغ من 5% إلى 3% إذا أقدم صاحب عقد البيع والوكالة المنظمة لدى كاتب العدل على تسجيل العقار لدى أمانة السجل العقاري في مهلة 6 أشهر.
ــــ تمديد مهلة الترخيص للأجانب الذين اكتسبوا حقوقاً عينية عقارية لمدة 5 سنوات لإنجاز مشاريعهم.
ــــ إجراء تسوية للتكاليف المتعلقة بالضرائب المعترض عليها أمام لجان الاعتراضات عبر حسم 50% من قيمة هذه الضرائب.
ــــ إعفاء الديون التي تدفع للضمان أو التي يجري تقسيطها من الفوائد السنوية المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون 753 في عام 2006 والقانون 269 في عام 2014.