IMLebanon

جنبلاط رمى حجراً في المياه السياسية الراكدة

فيما كانت بيروت تستعدّ لأسبوعِ «الولادةِ القيصريةِ» لمشروع موازنة 2019 في مجلس الوزراء، مع إجراءاتها الأكثر تَقشُّفاً في تاريخ لبنان، استعادتْ العناوينُ السياسيةُ حضورَها في المَشْهد الداخلي المَفْتوح على معارك «ليّ الأذرع» في المنطقة.

وبعدما كان مسارُ إقرارِ الموازنة يُسابِق في شكلٍ رئيسي المؤشرات الضاغطة على الأسواق المالية بفعل القلق الذي أحَدثتْه التحذيرات من وقوف البلاد على حافة «النموذج اليوناني»، جاءتْ «عوارض» سياسية محلية وخارجية لتشكّل عامل حثٍّ إضافياً على الإسراع في قفْل «باب الريح»، الذي يهبّ من الواقع المالي عبر إنجازِ مشروع الموازنة وفق أرقامٍ تعطي إشاراتٍ جدية إلى بدء مسار الإصلاحات الهيكلية والقطاعية وخفْض العجز الذي تعهّد به لبنان أمام الدول المانِحة في «مؤتمر سيدر» الذي وفّر الوعاء لمسيرة النهوض المالي والاقتصادي لـ «بلاد الأرز».

وفي هذا السياق توقّفتْ أوساط مطلعة عند معاودة تحريك «فوالق» سياسية في الوضع اللبناني انطلاقاً من قضايا داخلية ذات امتداد إقليمي وصولاً إلى ملفات إقليمية – دولية ذات وهْج داخلي، وذلك وفق الآتي:

  • انتكاسةُ حال المهادنة الداخلية حيال العناوين السياسية الخلافية، وتحديداً على جبهة رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط و«حزب الله» وحلفائه، وذلك على خلفيةٍ مزدوجة، الأولى تتّصل بمعمل الاسمنت الذي يعود الى الوزير السابق نقولا فتوش وشقيقه بيار في منطقة عين دارة (الجبل) والذي كان وزير الصناعة السابق حسين الحاج حسن (من حزب الله) مَنَحَ ترخيصاً بإقامته، قبل أن يلغيه الوزير الحالي وائل ابو فاعور (من فريق جنبلاط)، ليَصْدُر أخيراً قرارٌ قضائي لمجلس شورى الدولة بوقف تنفيذ قرار أبو فاعور. والثانية الإشارات المتزايدة التي يلتقطها الزعيم الدرزي حيال وجود محاولة لتطويقه في الجبل من قلب طائفته لا تغيب عنها «يد» النظام السوري عبر حلفاء له كما من خلال أطراف سياسيين يستظلّون العلاقةَ مع «حزب الله».

وبعدما كان جنبلاط استحضرَ في معرض انتقاده الضمني لقرار مجلس الشورى المصطلحات السجالية مع «حزب الله» وحلفائه متحدِّثاً عن «كسارات الممانعة»، أعطى عبر اطلالتِه التلفزيونيةِ مع قناة «روسيا اليوم» أبعاداً أعمق لتمايُزه أعاد من خلالها طرْح قضايا خلافية كانت وُضعتْ على الرف، ولا سيما إعلانه أن «مزارع شبعا ليست لبنانية في الأساس وبعد تحرير الجنوب العام 2000، تمّ تغيير الخرائط اللبنانية مِن قِبل ضبّاط لبنانيين بالاشتراك مع السوريين، فاحتللنا المزارع ووادي العسل نظرياً، وذلك كي تبقى الذرائع السورية وغير السورية بأن مزارع شبعا لبنانية ويجب تحريرها بشتى الوسائل، وهكذا كان».

وفيما استدرج موقف جنبلاط، الذي تخلّله هجومٌ عنيف على النظام السوري وانتقادات لـ «حزب الله»، حملةً شعواء من حلفاء دمشق والحزب الذي نُقل عن مصادر فيه قولها إنها «لحظة تخلٍّ من جنبلاط، وهذه المرة تخلى عن الأرض»، ردّ رئيس «التقدمي» معلناً عبر تغريدة بمواجهة هذا السيل من الاتهامات والتهجمات و«التخوين» أنه «بعد التحرير عام 2000 كان لي نفس الموقف عندما طالبت بإعادة التموضع للجيش السوري.

وآنذاك جرى التخوين واليوم أيضاً قد تكون هناك أراض يملكها لبنانيون في مزارع شبعا وكفرشوبا وغيرها لكن الملكية شيء والسيادة شيء آخَر بعدما حُرّفت الخرائط»، مذكّراً بأن «الحكومة السورية رفضت إعطاء لبنان الأوراق الثبوتية حول لبنانية المزارع فكان أن بقيت السيادةُ مُبْهَمَةً حتى هذه اللحظة».

  • عودة التحذيرات الدولية للبنان من أي «دعسات ناقصة» في شأن الخروج الرسمي عن مقتضيات القرار 1701 أو عدم الالتزام بالعقوبات الأميركية على إيران وسورية و«حزب الله».

وجاءت هذه التحذيراتُ على خلفيةِ المعلومات التي جرى تداوُلها عن تَحوُّل الحدود الشرقية للبنان مع سورية خصوصاً بمثابة «دفرسوار» لكسْر العقوبات على النظام السوري عبر مدّه بالنفط والغاز، بعدما كانت واشنطن أثارت مسألة إغراق الأسواق اللبنانية بالحديد الإيراني، إضافة الى التفاعلات التي أَحْدثها كلامُ وزير الدفاع الياس بو صعب من «أرض الـ 1701» خلال جولة له على الحدود الجنوبية مع إسرائيل والذي نقلتْ «وكالة الأنباء المركزية» عن مصادر ديبلوماسية أنها فوجئت بما وصفتْه «التهديدات للجانب الإسرائيلي» من بو صعب، «وإشادته بالسلاح غير الشرعي الذي يسميه (مقاومة) متناسياً انه وزير دفاع ولديه شكل من أشكال الوصاية على الجيش اللبناني» وهو ما عدّتْه المصادر «خطأ فادحاً يتجاوز في مفاعيله الخلفيات اللبنانية لهذه المواقف و(المزايدات) التي يحرص عليها أصدقاء (حزب الله) وسورية وخصوصاً على مستوى أكثر المعنيين بهذا الملف في وزارتي الدفاع والخارجية اللبنانية».

وعلى وهج الوقع السلبي لمواقف بو صعب الذي كان ربَط أيضاً بدء مناقشة الاستراتيجية الوطنية للدفاع (سلاح حزب الله) بزوال الأخطار الإسرائيلية، عاود وزير الدفاع اللبناني تصويب الصورة عبر قناة «الحرة» بإعلانه عن مبادرة قريبة سيطلقها الرئيس ميشال عون لجمْع الفرقاء اللبنانيين على طاولة حوار واحدة لمناقشة هذه الاستراتيجية التي تعني بحال إقرارها حصرية السلاح للجيش اللبناني لوحده.