IMLebanon

وساطة روسية تطلق سراح أسيرين سوريين في إسرائيل

كتب نظير مجلي في صحيفة “الشرق الأوسط”:

في خضم النقاشات الحادة في الحلبة السياسية الإسرائيلية، سارع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى تسليم أسيرين سوريين، أحدهما من أصول فلسطينية، عبر النقطة الحدودية في مدينة القنيطرة، أمس الأحد، وبذلك منع معارضيه من التوجه إلى المحكمة لإبطال الصفقة.
وأشارت مصادر سياسية إلى أن نتنياهو خشي أن يوضع في موقف حرج أمام الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي تم إطلاق سراح الأسيرين بطلب منه.

وقد تم تسليم الأسيرين زيدان طويل وخميس أحمد (35 عاماً)، في عملية عسكرية سرية، لم يعلن عنها إلا بعد إتمامها؛ فأعلنت المنطقة الواقعة غرب مدينة القنيطرة في هضبة الجولان المحتلة منطقة عسكرية يحظر دخول المدنيين إليها، بمن في ذلك الصحافيون، وقامت سيارتان من مصلحة السجون بنقلهما إلى قاعدة عسكرية قرب الحدود، وهناك تم تسليمهما إلى الصليب الأحمر، الذي أجرى لهما فحوصات طبية ثم نقلهما إلى الجانب السوري من الحدود، حيث كان ذوو زيدان الطويل ينتظرونه. وتبين، وفقاً لمصادر مطلعة، أن الأسيرين كانا على علم بأمر إطلاق سراحهما مسبقاً. فمنذ أن أعيدت رفات الجندي الإسرائيلي زخاريا باومل من سوريا، عبر موسكو، والأسرى السوريون في السجون الإسرائيلية يبنون الآمال بالتحرر. فقد كانوا على ثقة بأن النظام في دمشق لا يمكن أن يسمح بإعادة رفات باومل من دون مقابل.

المعروف أن هناك سبعة أسرى سوريين يقبعون في السجون الإسرائيلية بسبب عمليات عسكرية وتنظيمات مقاومة. ومن أشهرهم عميد الأسرى السوريين، صدقي المقت، الذي كان قد أطلق سراحه ثم أعيد اعتقاله سنة 2012، ويكمل حالياً 32 سنة في الأسر، وأمل فوزي أبو صالح، وخمسة أسرى آخرون من سكان قرية الغجر الواقعة على مثلث الحدود اللبنانية – السورية – الإسرائيلية. ولكن إسرائيل استثنتهم من الصفقة الجديدة، واكتفت بإطلاق سراح اثنين آخرين، يعتبر إطلاقهما مفاجأة.

والمطلق سراحهما هما زيدان طويل وخميس أحمد. وطويل من مواليد عام 1962، ومن سكان قرية خضر في الجزء المحرر من الجولان، واعتقل في تموز 2008، وأدين بتهمة «تهريب المخدرات»، وحكم عليه بالسجن 11 عاماً، وكان يفترض أن تنتهي المدة ويفرج عنه في شهر يوليو المقبل. أما خميس أحمد فهو من مواليد عام 1984، من مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق، وناشط في صفوف حركة «فتح». وقد اعتقل في شهر نيسان 2005، عندما تمكن من حفر حفرة تحت السياج الحدودي إلى الجولان. ومن دون أن يشعر به أحد، دخل معسكراً قريباً للجيش الإسرائيلي في الجولان المحتل، وهو يحمل بارودة صيد، فأطلق النار على خزاني وقود ودخل مقر أحد الضباط في المعسكر وخطف سلاحه وحاول قتله، لكن الضابط تمكن من صده، ثم حضرت قوة مساندة وتم اعتقاله. وحكم عليه بالسجن 18 عاماً، يفترض أن تنتهي في عام 2023. وقد تم إبلاغ الأسيرين بقرار إطلاق سراحهما قريباً، فتوجه خميس عبر محاميه إلى إدارة مصلحة السجون طالباً إطلاق سراحه إلى الخليل، حيث تعيش خطيبته، ندى أبو سنينة. وقالت أبو سنينة إنها تكلمت مع خميس في يوم الأربعاء الماضي فأخبرها بأنه سيتحرر. فبدأت وعائلتها يستعدون لاستقباله وإقامة حفل زواجه لاحقاً، وفوجئت بأن إسرائيل أرسلته إلى سوريا ورفضت طلب جمع شملهما معاً. وأكدت أنها ستسافر إلى سوريا لكي تتزوج منه، وعبرت عن ألمها قائلة: «ليس لنا أقارب أو ممتلكات في سوريا».

جدير بالذكر أن قرار نتنياهو إطلاق سراح الأسيرين أثار موجة انتقادات هادئة في الحلبة السياسية الإسرائيلية. فقد اعتبره حلفاء نتنياهو في اليمين، وحتى رفاقه في حزب «الليكود»، تراجعاً عن سياسة الحكومة المعلنة والقاضية بألا تبرم صفقات تبادل أسرى بتاتاً. ولكن القادة السياسيين لم يجرؤوا على توجيه الانتقادات بصوت عالٍ، خوفاً من أن ينتقم منهم ويحرمهم من المناصب الرفيعة في الحكومة التي يعمل على تشكيلها. واكتفوا بتسريب مواقفهم من دون ذكر أسمائهم.

وقد رد أحد المقربين من نتنياهو قائلاً إن إطلاق سراح الأسيرين لم يتم في إطار صفقة، بل «خطوة لإبداء حسن النية». فبعد أن سلمت روسيا، في مطلع نيسان الحالي، رفات الجندي الإسرائيلي زخاري باومل، وحاجياته الشخصية إلى تل أبيب، سمعت انتقادات شديدة في سوريا والعالم العربي للرئيس بشار الأسد؛ اتهموه بأنه قدم هدية ثمينة جداً لنتنياهو تساعده في الانتخابات البرلمانية، من دون أي مقابل. فالجيش السوري هو الذي نبش القبور وفتش عن رفات الجندي الإسرائيلي باومل، وسلم إسرائيل، عبر الروس، 20 جثة أخرى يعتقد أن بينها رفات بقية الجنود الإسرائيليين الثلاثة الذين قتلوا خلال حرب لبنان 1982 في معركة السلطان يعقوب. وهو يواصل البحث عن بقية الجثث، علماً بأن إسرائيل تطلب إعادة هذه الرفات، وكذلك رفات الطيار رون أراد، والجاسوس إيلي كوهين.

وحسب مصدر في تل أبيب، فإن الرئيس بوتين طلب من نتنياهو، خلال لقائهما في موسكو، قبل ثلاثة أسابيع، أن يبادر إلى خطوة حسن نية تجاه الأسد لصد الانتقادات عليه. فقرر نتنياهو إطلاق سراح الأسيرين. واختار نتنياهو أن يكون الأسيران «من الصف الثالث أو الرابع وليس الأول»، حتى يخفف من الانتقادات عليه. وأقدم على تنفيذ العملية من دون الرجوع إلى حكومته. بل إن الجيش الإسرائيلي عرف بالأمر في اللحظات الأخيرة تماماً قبل إطلاق سراح الأسيرين. وعلى هذا يتعرض لانتقادات واسعة من وسائل الإعلام والمعارضين.
وكان المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، قد صرح قبل أسبوع بأن استعادة إسرائيل لرفات باومل لم تكن عملية من جانب واحد، وإنما من المفترض أن تقوم إسرائيل بالمقابل بإطلاق سراح أسرى سوريين من سجونها. كما اتضح أن القرار الإسرائيلي الإفراج عن الأسيرين مقابل جثّة الجندي الإسرائيلي زخريا باومل، بدأ بالتبلور قبل الانتخابات، لكنه حرص على ألا يتم تسريبه إلى الإعلام حتى لا يؤثر على حظوظه بالفوز فيها. وقال المراسل العسكري لصحيفة «معريب» العبرية، طال ليف رام، أمس الأحد، إن الإفراج عن الأسيرين السوريين، لم يكن طلباً روسياً أبداً. وقال: «بعد إعادة جثّة باومل لدفنه في إسرائيل، توجّه الروس إلى إسرائيل بأن نظام الأسد تعرّض لضربة قويّة جراء ذلك، طالبين من إسرائيل بادرة حسن نيّة، دون تحديد ما هي، ونتنياهو هو الذي اختار أن تكون هذه البادرة الإفراج عن أسرى سوريين».

ولفت ليف رام إلى أن إطلاق سراح الأسيرين جاء ليشجع السوريين على مواصلة جهودهم لإعادة «بقية الأبناء». وقال إن الروس أوضحوا لإسرائيل، أن «الجندي باومل أصبح عندكم الآن، لكن سيكون من الصّعب جداً التقدّم في ملف المفقودين الآخرين إن لم تستجيبوا لطلبنا بتقديم بادرة حسن نيّة»، وهو ما استجابت له إسرائيل بسرعة.