IMLebanon

تراجُع إقتصادي عميق وركود خطير

كتب جورج حايك في صحيفة “الجمهورية”:

لا شكّ في أنّ الهمّ الاقصادي يطغى اليوم على الهمّ السياسي، بل أن الشعب اللبناني يعيش هاجسَ الانهيار الاقتصادي نتيجة أداء الطبقة السياسية غير المسؤولة، وكأنها تعالج الأزمات المستفحلة بأسلوب تقليديّ لن يؤديَ إلى حلولٍ جَذرية وأقصى ما يمكن أن تفعله هو تأخير الانهيار أو كسب بعض الوقت، فيما المطلوب أفكار ثوريّة تشكل صدمةً إيجابيةً لإنقاذ ما يمكن إنقاذُه.

يجري المستشار الاقتصادي لرئيس حزب «القوات اللبنانية» روي بدارو مقاربةً سياسيةً اقتصاديةً شاملة لحقيقة الوضع والحلول المقترَحة، فيقول «أن المواطن اللبناني يظن أنّ للانهيار الاقتصادي وجهاً واحداً وهذا ما أعتبره خطأً في حدّ ذاته»، ويضيف: «هناك أسبابٌ عدة أوّلها الانهيار الأخلاقي من خلال انهيار أخلاق الطبقة السياسية والشعب والرياديين الذين يُعتبَرون المؤشرَ في مجتمع معيّن. إضافة إلى أنّ التركيبة السياسية التي رعاها دستور 1926 وميثاق 1943 واخيراً إتفاق الطائف لم تؤمّن ازدهاراً ونموّاً ولم تؤمّن الطمأنينة «للشعوب» الموجودة في لبنان».

يرى بدارو «أنّ الانهيارات أتت من داخل النظام وأدّت إلى اختلالاتٍ بُنيويّة أوصلت إلى السقوط الاقتصادي علماً أنّ ظاهرَه إقتصادي إنما هو سياسيٌّ أصلاً». ويستنتج «أنّ كل هذه المراحل السياسية التاريخية التي مرّ بها لبنان لم يُبنَ اقتصادٌ يعمل باكتفاء ذاتي ولا نموذجٌ تصديري لكي نعيش باستقلالية حقيقية وكرامة… نحن استفدنا دائماً من الخارج. فشلنا ببناء نموذجٍ اقتصاديّ صالح، وفشل نظامُنا السياسي في مواكبة التطوّر التكنولوجي العالمي وانفتاح العولمة. جرت التغييرات العالمية أسرع من التشريعات النيابية في لبنان سواءٌ في الكهرباء أو الاتصالات وخصوصاً أننا لا نملك رؤيةً موحّدة بل لدينا رؤى عدة تلتقي أحياناً على قواسم مشتركة، لكنّ الاختلافات أكبر ولا مرة توصلنا الى قواسم مشتركة للرؤى السياسية والاقتصادية. كل ذلك أدى إلى اختلالات تجلّت في الاقتصاد».

يصف بدارو ما نعيشه اليوم بـ»الكريزة» ويشرحها كالآتي: «الأزمة الاقتصادية تشمل عادة الوضع النقدي والمصرفي والمالي إلّا أننا «زمطنا» فيها لكنّ ما نشهده اليوم هو تراجع اقتصادي عميق وركود اقتصادي يشكّل الخطر الأكبر، وقد اختارت السلطة السياسية معالجته بالتقشّف لتخفيف العجز، لكنني أخاف من كثرة التقشّف أن يزيد العجز. أنا أفضّل استعمال عبارة ضبط النفقات، أي علينا أن نشدّ الأحزمة قبل أن نؤمّن مداخيل بضرائب جديدة».

ويعتبر بدارو أنّ «المطلوب وقف الهدر قبل محاربة الفساد، مع بعض الإجراءات الخفيفة ثم تسمح الدولة لنفسها في 2020 أن تزيد مواردها من دون إغفال الحدّ من التهرّب الضريبي، وهذا يحتاج إلى قرار سياسي لأننا كلنا نعرف أماكن التهرّب الضريبي الذي يبدأ من المرفأ والمطار مروراً بالحدود اللبنانية ـ السورية وصولاً إلى التهرّب داخل المؤسسات، وهو يسمّى الاقتصاد الأسود أي يجب على كل الشركات الصغيرة والكبيرة أن تلتزم بتسديد الـTVA. فالدولة غالباً ما تستوفي ضرائبها من مناطق بيروت والمتن وكسروان، أما في المناطق الأخرى فتتفاوت النسبة».

ويلفت بدارو إلى «أننا شديدو الحساسية بكل العوامل على الصعيد الاقتصادي خصوصاً خلال هذه السنة ونأمل بتوافد السيّاح الخليجيين والغربيين إلى لبنان لإدخال مليار أو مليارَي دولار نحن بأمسّ الحاجة اليهما».

وأين يظهر الانهيار؟ يجيب بدارو: «حتماً في سعر صرف الليرة وهو الأكثر حساسية اليوم. أنا ضد تثبيت سعر صرف الليرة. في الفلسفة الاقتصادية عندما تثبّت الليرة فهي تخبّئ بثباتها اختلالات في الاقتصاد. ما هو الهدف؟ تثبيت سعر صرف الليرة أو خلق فرص عمل والحدّ من هجرة الشباب. نحن لا نقرأ في الجرائد كل يوم عن حركة هجرة الشباب والبطالة، لذلك الناس يتطلعون إلى سعر صرف الليرة الأقل أهمية من البطالة وهجرة الشباب. لذلك ركزنا سابقاً على تثبيت سعر صرف الليرة وهو أفادنا طوال 4 سنين أي بين 1993 وحتى 1998 ولم يكن امراً جيداً الاعتماد عليه لمدة أطول، كانت هذه السياسة الاقتصادية كافية لكن ليس أبعد من ذلك».

ويرى بدارو «أننا الآن تأخّرنا. أنا ضد المسّ بسعر صرف الليرة في هذه المرحلة وإذا أردنا الخروج منها علينا اجتياز ثلاث مراحل:

ـ أولاً، الإصلاحات البنيوية كالكهرباء لكننا لم نُعدّ خطة كهرباء إنما أنجزنا خطة إنتاج كهرباء وهناك فارق كبير بينهما، لأنّ خطة الكهرباء تكون من ضمن خطة اقتصادية لنرى ارتدادات كلفة الكهرباء وجودتها على خلق وظائف وصناعات وخلق مؤسسات جديدة، وإعادة هيكلة القطاع العام إذ لم نعد قادرين على إدارة الدولة كما كنا نديرها قبل مئة عام وخصوصا أنّ فلسفة الدولة تغيّرت، علينا إعادة النظر لنبنّي دولة رشيقة تقوم على التعاقد بحيث لا يبقى الموظف في القطاع العام لمدى الحياة وهكذا نؤمّن التجديد من خلال عنصر الشباب.

ـ ثانياً، تأتي الإصلاحات المالية، صحيح أنّ الدولة تقوم بها إنما «ترقيع» ولا وجود لفذلكة أو فلسفة وهي مهمة لأنّ المؤسسات الدولية تهتم بها قبل الأرقام. وأذكّر أننا في سنة 2019 تقول الدولة إنها تريد أن تخفض العجز من 11 في المئة الى 9 في المئة لكنّ هذا لن يحصل إذا لم تواكبه إجراءاتٌ جدّية وسننتظر الإحصاءات التي تصدر في تموز وآب بحيث يمكننا أن نحكم على الحكومة من خلال الأرقام وحول مدى جدّيتها والمقارنة بين ما يُنفّذ وما أعدّته في موازنة 2019 وهذا ما يشكل ارتدادات على الاقتصاد اللبناني.

ـ ثالثاً، الإصلاحات النقدية والأخيرة تصطلح ما أن نجتاز المرحلتين الأولى والثانية».

ويؤكد بدارو «أنّ لبنان بلد الصدمات، نحن فشلنا في عزله عن الصدمات لأننا لا نملك رؤية. ما نعيشه هو مشروع السلطة لأجل التسلّط. هذا يجعلنا في آخر رمق. لكنّ الطبّاخ الذي يستخدم المواد نفسها للطبخ هل يستطيع أن يغيّر الطبخة؟ أنا أشك في ذلك. أتى «سيدر» يقول للطباخ عليك أن تغيّر طريقة الطبخ، هل ينجح أو يفشل؟ هنا السؤال». ويوضح: «يجب أن لا ننسى أنّ نسبة نموّ الدخل القومي للبنان عليها أن تكون أعلى من نسبة نموّ الدين. لذلك نحن في حاجة الى ثورة داخلية للإنسان اللبناني، فالمطلوب هو مسؤولون مميّزون يتمتعون بالثقة وليس جميع أعضاء الحكومة اليوم جديرين بالثقة بصرف النظر عن الانتماء السياسي. نحن ضد المحاصصة لكن بما انها موجودة فهي ليست في المستوى المطلوب وكان من المستحسن، كحدٍّ أدنى ضمن منطق المحاصصة، اختيار أفضل الأشخاص».

وعندما يُسأل بدارو عن معنى طلب جعجع إعداد «موازنة ثوريّة»؟ يجيب: «أنا استبعد أن يكون هناك عملٌ ثوريّ أو غير تقليدي في هذا المجال. الجدير ذكره أنّ المؤسسات الدولية تنتظر من لبنان موازنة رؤيوية لتتأكد من نظرة الحكم على مدى 3 سنوات إنما ما نراه الآن هو ترقيعات في موازنة لسنة واحدة. من جهة أخرى لا تتوافّر فيها مؤشرات الأداء أكان في مؤسسة الكهرباء أو هيئة «أوجيرو» وغيرهما، حتى إننا لا نجد مقارنة في وزارة المالية بين ما صُرف من نفقات وما تنفّذ… لا تزال الأمور تجري على نمط «حسابات دكانة»، فأين قانون المشتريات العامة مثلاً؟ وما وُضِعَ يحتاج إلى تصحيح».

وفيما يتخوّف اللبنانيون من انهيار نقدي. يتساءل بدارو: «مَن يضمن أننا سنعيش إلى الغد؟ انما في المعطيات الحالية وعدم وجود صدمة لا إيجابية ولا سلبية وضمن الوعي «النسبي» للطبقة السياسية لا أرى «كريزة» نقديّة في سنة 2019».